الحضارة اليمنية
تشير الأبحاث العلمية والآثار الموجودة إلى أن ارض اليمن قد استوطنت وعمرت بشكل متواصل منذ عصور عديدة مضت يعرفها علماء الآثار والإنسان.
تعرض متاحف الآثار الموجودة في اليمن الأدوات التي كان يستخدمها أولئك السكان قبل عشرات الآلاف من السنين والتي تعود إلى حقبة العصور الحجرية .
وقد وصلت الحضارة اليمنية إلى مراحل متقدمة من التطور والازدهار الأمر الذي دعا قدماء الإغريق والرومان إلى إطلاق اسم ( العربية السعيدة ) عليها وقد كان هذا التطور والازدهار مرتبطا بالنشاط التجاري الممتد على طول الطرق التجارية القديمة التي تعود إلى الألفية الأولى قبل الميلاد حيث ظهرت العديد من الكيانات السياسية على طول الوادي الشرقي الذي يطل على محطات هذه الطرق حيث كانت تعبر من خلالها القوافل محملة بقطع البخور الشهيرة واللبان والتوابل والعطور، ومن الحضارات اليمنية الشهيرة التي ظهرت آنذاك حضارة سبأ واوسان وحمير .
تثبت الدراسات التي قام بها علماء الآثار والإنسان على العديد من المواقع الأثرية - وعلى الأدوات المماثلة والتي كانت يستخدمها الإنسان القديم في أماكن أخرى – بان الاكتشافات الأثرية التي تم نبشها والتي تعود إلى حقبة العصور الحجرية في اليمن كانت تنتمي إلى نفس الحقبة الزمنية، كشعوب شمال شبة الجزيرة العربية . ينطبق هذا التشابه أيضا على حقبة العصر البرونزي.
حيث أنة خلال هذه الفترة المزدهرة امتازت الحضارات الموجودة في اليمن آنذاك بعلاقاتها الجيدة وصلاتها المستمرة مع عواصم حضارات الشرق القديمة، وكان لكليهما تأثير متبادل على بعضهما البعض.
لقد أسهمت هذه الحضارات اليمنية القديمة وبشكل متواضع في عملية تحصيل العلم والمعرفة وفي إحراز ثقافات الجنس البشري القديمة هذه للتقدم.
فو اليمنيون القدماء في فن العمارة- والذي يتجلى للمشاهد في المعابد وأسوار حصون المدن وأطلال المدن القديمة وقلاعها وطرقها ، كما أنهم أحرزوا تقدما ملحوظا وكان لهم السبق في تشيد أنظمة الري والسدود ، فسد مأرب العظيم شاهد ذو أهمية بالغة على هذه الحنكة والرقي الذي بلغة اليمنيون القدماء – هذا بالإضافة إلى قنوات المياه والصهاريج والآبار المحصنة.
في الفنون ، فن النحت والرسم ، يجد المرء أن جدران المعابد تحتفظ بالكثير من النقوش القيمة ،كما أن ردهات المتاحف في اليمن ومتاحف العواصم في العالم تعرض العديد من التماثيل والمشغولات الفنية والملبوسات الفضية والنحاسية بالإضافة إلى الأواني الذهبية.
فيما يتعلق بالديانة والعبادة ، فلا نظير لمعابد اليمنين القدماء إطلاقا ، بل إن كل معبد منها اتسم بطابعه الخاص المتميز – الأمر الذي يقود إلى الاعتقاد بان هذه المعابد كانت بيوتا تؤدى فيها طقوس دينية معينة ويتوافد عليها الحجاج بشكل منتظم .
كذلك انهمك اليمنيون القدماء، عقب فترة استيطانهم وتطورهم، في أعمال وأنشطة تعدت الإقليم الجنوبي المستوطن من قبل الأعراب، ومن ضمن هذه الأنشطة الشحن على السفن التجارية، وهكذا انتهى بهم الأمر إلى إقامة دولة مستقلة كمملكة "اكسوم" فيما يعرف الآن ب اثيوبيا. هذا بالإضافة إلى استيطانهم في الأجزاء الشمالية والشرقية لشبة الجزيرة العربية. حيث قام الحميريون اليمنيون بحملات عسكرية بلغت أقاصي الحيرة والمدائن.
أدرك الفرس والرومان انه إن تمكن أي منهما في إحكام السيطرة على طرق التجارة القديمة فان هناك ثروات هائلة في انتظارهم في اليمن والتي ستملأ خزائنهم. فقد قامت الإمبراطورية الرومانية بإرسال حملة عسكرية في محاولة منها لغزو اليمن ، إلا أنها توجت بفشل ذريع على أبواب أسوار مأرب الخارجية في العام 24 ق.م .
بعد أكثر من خمسة قرون – قام إمبراطور بيزنطة - في أعقاب ذروة الحرب الدائرة بين المسيحيون واليهود والتي اتخذها عذرا كافيا، بدعم وتمويل حملة أبرهة - ، حاكم أثيوبيا التي كانت قد اعتنقت المسيحية . قام أبرهة بغزو ارض العرب السعيدة عقابا لذي نواس - اخر الملوك الحميرين – الذي اصدر أوا مره بقتل مسيحيون نجران، قبل حوالي 100 عام من مولد النبي محمد عليه الصلاة والسلام . أدى هذا إلى سيطرة الاستعمار الإثيوبي لفترة دامت أكثر من خمسين عام قام الاثيوبيون خلالها بتدمير قلاع ملوك حمير ونصبهم التذكارية.
انتهى استعمار أبرهة بوفاته حين حاول دخول مكة ولم تنصع الأفيال التي جلبها معه لأوامر أسيادها باقتحام مكة وتدمير الكعبة بعد وصولة الحدود الخارجية لمكة وبيت الله الحرام .
بعد ذلك ، حكم إمبراطور الفرس اليمن بعد ارسالة أبناء خصروص لإنقاذ الملك اليمني سيف بن ذي يزن والقليس ، وهي كنيسة كبيرة شيدها أبرهة على أمل أن يحج إليها العبَاد ويطوفون حولها ويقرعون أجراسها ، لكنة لم يجد إلا مجموعة من عبدة النار .
دخلت اليمن فترتها التاريخية الوسطى مع بداية الدعوة إلى الإسلام في القرن السابع بعد الميلاد ، والذي كان فعلا بمثابة المنقذ لليمن من الصراعات على السلطة وانعكاساتها السلبية على اليمن . اعتنق اليمنيون الإسلام طوعا وكانوا ضمن القادة الفاتحين في ظل حكم الدولة الإسلامية الجديدة والتي برزت بشكل سريع بعد موت النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
لقد اندمجوا في الحياة العامة للدولة الجديدة واستقر العديد منهم في أقاصي أركان دولة الإسلام الجديدة هذه ، مصطحبين معهم الكثير من علمهم ومعرفتهم وخبراتهم ومهاراتهم وبالتالي أسهموا بشكل هائل في تخطيط وتصميم المدن والعواصم الإقليمية وإقامة الحصون، والعديد من الإسهامات الهامة الأخرى .
مع وهن الخلافة العباسية في بغداد ، وعلى وجه الخصوص على أقاصي الحدود الخارجية للدولة الإسلامية ، تهيأت الظروف لإثارة نزعة اليمنين إلى تأسيس دولة مستقلة صغيرة تنفصل عن دولة الخلافة. كانت زبيد في سهول تهامة أول من بادرالى ذلك، فقد صممها محمد بن زياد كعاصمة لدولة حكمه,و أصبحت تعرف بالأسرة الزيادية الحاكمة في مستهل القرن التاسع. بسطت الدولة الزيادية نفوذها على أجزاء كبيرة من اليمن إلى أن سقطت في القرن الحادي عشر ونشأت على اثر سقوطها العديد من الدول الصغيرة الأخرى في اليمن خلال عقود قليلة, بما فيها:
1- الدولة اليعفرية في منطقة شبام كوكبان (861م-956م).
2- دولة الإمامة الزيدية في صعده والتي تزامن قيامها مع قيام كل الدول الأخرى الموجودة في اليمن في مرحلة ما بعد الإسلام, ولأكثر من ألف عام وامتد نفوذها إلى صنعاء و نجران ،أحيانا يمتد إلى معظم منطقة اليمن الأعظم, و أحيانا أخرى يتقلص ليسود فقط الأجزاء الداخلية للمناطق الشرقية من البلاد.
3- دولة الصليحين في صنعاء و في جبلة (1047م-1138م). تمكنت هذه الأسرة الحاكمة من توحيد اليمن ليصبح كيانا سياسيا واحدا. كانت الملكة أروى بنت احمد الصليحي من أشهر حكامها, حيث عرفت باهتمامها و تركيزها على بناء المساجد و المدارس و الطرق و قنوات الري.
4- الدولة الأيوبية في تعز (1174 م – 1229 م)
5- الدولة الرسولية في تعز (1226 م –1454 م ). كانت أعظم قوة وجدت في اليمن خلال العصر الإسلامي, بالإضافة إلى أن فترة حكمها من أطول الفترات زمنا, و نفوذها الأكثر امتدادا في المناطق, و حكمها الأكثر فعالية.
6- الدولة الظهيرية في المقرانة (رداع) (1446م-1517م). انتهت الفترة الوسطى لتاريخ اليمن بوقوع الأجزاء الشمالية و الشرقية من البلاد تحت نفوذ الاستعمار العثماني التركي الأول عام 1539م, والذي امتد حتى عام 1635م. وقد تم صد هذا الاستعمار والفضل في ذلك يعود لنضال الشعب اليمني. إلا أن العثمانين رجعوا للمرة الثانية في 1872م, بينما احتل الاستعمار البريطاني مدينة عدن في 1839م, وفرضوا بشكل غير مباشر وصايتهم على بقية المناطق الجنوبية والشرقية من اليمن. التحم البريطانيون و العثمانين في نزاع حول النفوذ في اليمن, و بلغ هذا النزاع ذروته أخيرا بتوقيع المعاهدة الأولى معلنة الحدود الأولى التي جزأت شمال اليمن عن جنوبه و شرقه. واصل اليمنيون مقاومتهم للاستعمار في الجنوب و لفساد الاحتلال العثماني في الشمال, حتى اجبر العثمانين أخيرا على الانسحاب من اليمن في عام 1918م, و رزحت اليمن عندئذ تحت حكم الإمامة.
خط اليمنيون مجرى تاريخهم الحديث بإطلاق ثورة السادس و العشرين من سبتمبر عام 1962م في صنعاء, و التي أقصت نظام الحكم الأمامي. و في الرابع عشر من أكتوبر 1963م انفجر الكفاح المسلح ضد البريطانين في الجنوب, حتى أحرز الشعب انتصاره في الثلاثين من نوفمبر 1967م بإجلاء آخر جندي بريطاني من عدن.
أصبحت الثورة اليمنية الخط الفاصل بين العهد القاتم والمظلم وبين العصر الجديد التقدمي المتألق والذي شرع فيه الناس بممارسة حكمهم الذاتي في ظل الحكم الجمهوري, ومواجهة تحدي مواكبة الحياة الحديثة بعد أن حطموا قيود وسلاسل العزلة والتخلف المتوارث، بينما في الوقت نفسه العمل على الحفاظ على جذورهم التراثية والتشبث بالإمكانات الحالية والمستقبلية التي تقبع أمامهم من اجل تحقيق التنمية والتطوير جنبا إلى جنب مع الجهود الوطنية للقضاء على الآثار المتوارثة للحكم الأمامي والاستعماري والذي تجلى في تجزيء الأمة, حتى وضعت القيادة اليمنية الموحدة نهاية حاسمة لهذا الوضع الشاذ بقيادة الشاب المخلص رئيس الجمهورية / علي عبد الله صالح, بتوقيع اتفاقية الوحدة في 30 نوفمبر 1989م. وضعت هذه الاتفاقية اليمن تحت ظلال الحكم الدستوري للجمهورية اليمنية. مثَل ذلك انتصارا للحوار الديمقراطي السلمي باعتباره الوسيلة الوحيدة لتحقيق وحدة البلاد والتي أخيرا تحولت إلى واقع في 22 مايو 1990م.
وهكذا مهًدت الطريق أمام مستقبل يمني جديد, أٌطيح بواسطته على حكمين واستهل حكم دولة واحدة بتأسيس الجمهورية اليمنية.
قلب اليمنيون صفحة الظلام الأخيرة في تاريخ التقسيم والتجزيء وقدموا للعالم صورتهم الحقيقية, تاريخيا، وجغرافيا، وإنسانا، وقد قوبل هذا باحترام عالي من جميع شعوب العالم.
استمر اليمنيون بالتقدم في مسيرتهم الثورية موحدين طاقاتهم وإمكاناتهم لممارسة تجربتهم الديمقراطية الجديدة بنشر الحريات و الحقوق العامة, وانتهاج التعددية السياسية و الحزبية تحت مظلة الحكم الدستوري, والذي يكفل التداول السلمي للسلطة, والعمل نحو تأسيس دولة مؤسسات ديمقراطية جديدة والتي هي الضمانة الحقيقية لإقرار ودعم المنجزات الثورية, وتوحيد طاقات وإمكانات الشعب اليمني نحو تحقيق الأهداف الإنسانية النبيلة, والتي تفضي إلى تحقيق تنمية شاملة في كل القطاعات, بما فيها القطاع السياسي.
توضيح:-
(1) قيعان الأنهار أو الجداول والتي تجري خلالها المياه أثناء تساقط الأمطار وتدفق باتجاه الشرق إلى الصحراء الشرقية (الربع الخالي أو صحراء الربع الخالي).
(2) عاصمة العراق قبل العصر الإسلامي، والتي حكم فيها ملوك يتدحدرون من أصول يمنية (المناذرة) لعدة سنوات قبل بزوغ الإسلام في القرن السابع.
(3) مدينة فارسية مهمة كان إمبراطورات الفرس يسكنوها أحيانا قبل العصر الإسلامي.
(4) تشير كتب التاريخ العربية إلى البيزنطين الذين حكموا آسيا الصغرى, شأنهم في ذلك شأن الرومان, حيث يتدحدرون من أصول الإمبراطورية الرومانية الشرقية, بعد انقسام الإمبراطورية الرومانية و انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية أخيرا.
(5) أثيوبيا.
(6) مدينة يمنية سابقة تقع الآن في السعودية. كان شعب نجران مسيحيون بينما هيمنت الديانة اليهودية والإيمان بتعدد الإلهات على أقربائهم في الجنوب. كان اليمنيون أول من اعتنقوا الإسلام طواعية حين ظهر، وأصبح ديانة الغالبية العظمى من اليمنين حتى هذا التاريخ. إلا أن المجتمع اليهودية بقيت, حيث يبلغ عدد أفراده على الأرجح حوالي 80000 نسمة، معظمهم هاجر إلى إسرائيل في 1984م. كانت ابيسينا حينها دولة تابعة لبيزنطة, بينما كانت اليمن تابعة لإمبراطورات الفرس.
(7) الجامع الحرام, والذي يسمى أيضا بيت الله, كان العاصمة الروحية للعرب حتى قبل العصر الإسلامي.
(8) أحيانا، يتم تهجتها Closroes أو Xarius.
(9) زوروستريانس, أو عبدت النار, وهي الحالة التي كان عليها الفرس قبل مجيء الإسلام إلى بلاد فارس في القرن السابع
ارض اليمن قد استوطنت وعمرت بشكل متواصل منذ عصور عديدة
تشير الأبحاث العلمية والآثار الموجودة إلى أن ارض اليمن قد استوطنت وعمرت بشكل متواصل منذ عصور عديدة مضت يعرفها علماء الآثار والإنسان.
تعرض متاحف الآثار الموجودة في اليمن الأدوات التي كان يستخدمها أولئك السكان قبل عشرات الآلاف من السنين والتي تعود إلى حقبة العصور الحجرية .
وقد وصلت الحضارة اليمنية إلى مراحل متقدمة من التطور والازدهار الأمر الذي دعا قدماء الإغريق والرومان إلى إطلاق اسم ( العربية السعيدة ) عليها وقد كان هذا التطور والازدهار مرتبطا بالنشاط التجاري الممتد على طول الطرق التجارية القديمة التي تعود إلى الألفية الأولى قبل الميلاد حيث ظهرت العديد من الكيانات السياسية على طول الوادي الشرقي الذي يطل على محطات هذه الطرق حيث كانت تعبر من خلالها القوافل محملة بقطع البخور الشهيرة واللبان والتوابل والعطور، ومن الحضارات اليمنية الشهيرة التي ظهرت آنذاك حضارة سبأ واوسان وحمير .
تثبت الدراسات التي قام بها علماء الآثار والإنسان على العديد من المواقع الأثرية - وعلى الأدوات المماثلة والتي كانت يستخدمها الإنسان القديم في أماكن أخرى – بان الاكتشافات الأثرية التي تم نبشها والتي تعود إلى حقبة العصور الحجرية في اليمن كانت تنتمي إلى نفس الحقبة الزمنية، كشعوب شمال شبة الجزيرة العربية . ينطبق هذا التشابه أيضا على حقبة العصر البرونزي.
حيث أنة خلال هذه الفترة المزدهرة امتازت الحضارات الموجودة في اليمن آنذاك بعلاقاتها الجيدة وصلاتها المستمرة مع عواصم حضارات الشرق القديمة، وكان لكليهما تأثير متبادل على بعضهما البعض.
لقد أسهمت هذه الحضارات اليمنية القديمة وبشكل متواضع في عملية تحصيل العلم والمعرفة وفي إحراز ثقافات الجنس البشري القديمة هذه للتقدم.
فو اليمنيون القدماء في فن العمارة- والذي يتجلى للمشاهد في المعابد وأسوار حصون المدن وأطلال المدن القديمة وقلاعها وطرقها ، كما أنهم أحرزوا تقدما ملحوظا وكان لهم السبق في تشيد أنظمة الري والسدود ، فسد مأرب العظيم شاهد ذو أهمية بالغة على هذه الحنكة والرقي الذي بلغة اليمنيون القدماء – هذا بالإضافة إلى قنوات المياه والصهاريج والآبار المحصنة.
في الفنون ، فن النحت والرسم ، يجد المرء أن جدران المعابد تحتفظ بالكثير من النقوش القيمة ،كما أن ردهات المتاحف في اليمن ومتاحف العواصم في العالم تعرض العديد من التماثيل والمشغولات الفنية والملبوسات الفضية والنحاسية بالإضافة إلى الأواني الذهبية.
فيما يتعلق بالديانة والعبادة ، فلا نظير لمعابد اليمنين القدماء إطلاقا ، بل إن كل معبد منها اتسم بطابعه الخاص المتميز – الأمر الذي يقود إلى الاعتقاد بان هذه المعابد كانت بيوتا تؤدى فيها طقوس دينية معينة ويتوافد عليها الحجاج بشكل منتظم .
كذلك انهمك اليمنيون القدماء، عقب فترة استيطانهم وتطورهم، في أعمال وأنشطة تعدت الإقليم الجنوبي المستوطن من قبل الأعراب، ومن ضمن هذه الأنشطة الشحن على السفن التجارية، وهكذا انتهى بهم الأمر إلى إقامة دولة مستقلة كمملكة "اكسوم" فيما يعرف الآن ب اثيوبيا. هذا بالإضافة إلى استيطانهم في الأجزاء الشمالية والشرقية لشبة الجزيرة العربية. حيث قام الحميريون اليمنيون بحملات عسكرية بلغت أقاصي الحيرة والمدائن.
أدرك الفرس والرومان انه إن تمكن أي منهما في إحكام السيطرة على طرق التجارة القديمة فان هناك ثروات هائلة في انتظارهم في اليمن والتي ستملأ خزائنهم. فقد قامت الإمبراطورية الرومانية بإرسال حملة عسكرية في محاولة منها لغزو اليمن ، إلا أنها توجت بفشل ذريع على أبواب أسوار مأرب الخارجية في العام 24 ق.م .
بعد أكثر من خمسة قرون – قام إمبراطور بيزنطة - في أعقاب ذروة الحرب الدائرة بين المسيحيون واليهود والتي اتخذها عذرا كافيا، بدعم وتمويل حملة أبرهة - ، حاكم أثيوبيا التي كانت قد اعتنقت المسيحية . قام أبرهة بغزو ارض العرب السعيدة عقابا لذي نواس - اخر الملوك الحميرين – الذي اصدر أوا مره بقتل مسيحيون نجران، قبل حوالي 100 عام من مولد النبي محمد عليه الصلاة والسلام . أدى هذا إلى سيطرة الاستعمار الإثيوبي لفترة دامت أكثر من خمسين عام قام الاثيوبيون خلالها بتدمير قلاع ملوك حمير ونصبهم التذكارية.
انتهى استعمار أبرهة بوفاته حين حاول دخول مكة ولم تنصع الأفيال التي جلبها معه لأوامر أسيادها باقتحام مكة وتدمير الكعبة بعد وصولة الحدود الخارجية لمكة وبيت الله الحرام .
بعد ذلك ، حكم إمبراطور الفرس اليمن بعد ارسالة أبناء خصروص لإنقاذ الملك اليمني سيف بن ذي يزن والقليس ، وهي كنيسة كبيرة شيدها أبرهة على أمل أن يحج إليها العبَاد ويطوفون حولها ويقرعون أجراسها ، لكنة لم يجد إلا مجموعة من عبدة النار .
دخلت اليمن فترتها التاريخية الوسطى مع بداية الدعوة إلى الإسلام في القرن السابع بعد الميلاد ، والذي كان فعلا بمثابة المنقذ لليمن من الصراعات على السلطة وانعكاساتها السلبية على اليمن . اعتنق اليمنيون الإسلام طوعا وكانوا ضمن القادة الفاتحين في ظل حكم الدولة الإسلامية الجديدة والتي برزت بشكل سريع بعد موت النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
لقد اندمجوا في الحياة العامة للدولة الجديدة واستقر العديد منهم في أقاصي أركان دولة الإسلام الجديدة هذه ، مصطحبين معهم الكثير من علمهم ومعرفتهم وخبراتهم ومهاراتهم وبالتالي أسهموا بشكل هائل في تخطيط وتصميم المدن والعواصم الإقليمية وإقامة الحصون، والعديد من الإسهامات الهامة الأخرى .
مع وهن الخلافة العباسية في بغداد ، وعلى وجه الخصوص على أقاصي الحدود الخارجية للدولة الإسلامية ، تهيأت الظروف لإثارة نزعة اليمنين إلى تأسيس دولة مستقلة صغيرة تنفصل عن دولة الخلافة. كانت زبيد في سهول تهامة أول من بادرالى ذلك، فقد صممها محمد بن زياد كعاصمة لدولة حكمه,و أصبحت تعرف بالأسرة الزيادية الحاكمة في مستهل القرن التاسع. بسطت الدولة الزيادية نفوذها على أجزاء كبيرة من اليمن إلى أن سقطت في القرن الحادي عشر ونشأت على اثر سقوطها العديد من الدول الصغيرة الأخرى في اليمن خلال عقود قليلة, بما فيها:
1- الدولة اليعفرية في منطقة شبام كوكبان (861م-956م).
2- دولة الإمامة الزيدية في صعده والتي تزامن قيامها مع قيام كل الدول الأخرى الموجودة في اليمن في مرحلة ما بعد الإسلام, ولأكثر من ألف عام وامتد نفوذها إلى صنعاء و نجران ،أحيانا يمتد إلى معظم منطقة اليمن الأعظم, و أحيانا أخرى يتقلص ليسود فقط الأجزاء الداخلية للمناطق الشرقية من البلاد.
3- دولة الصليحين في صنعاء و في جبلة (1047م-1138م). تمكنت هذه الأسرة الحاكمة من توحيد اليمن ليصبح كيانا سياسيا واحدا. كانت الملكة أروى بنت احمد الصليحي من أشهر حكامها, حيث عرفت باهتمامها و تركيزها على بناء المساجد و المدارس و الطرق و قنوات الري.
4- الدولة الأيوبية في تعز (1174 م – 1229 م)
5- الدولة الرسولية في تعز (1226 م –1454 م ). كانت أعظم قوة وجدت في اليمن خلال العصر الإسلامي, بالإضافة إلى أن فترة حكمها من أطول الفترات زمنا, و نفوذها الأكثر امتدادا في المناطق, و حكمها الأكثر فعالية.
6- الدولة الظهيرية في المقرانة (رداع) (1446م-1517م). انتهت الفترة الوسطى لتاريخ اليمن بوقوع الأجزاء الشمالية و الشرقية من البلاد تحت نفوذ الاستعمار العثماني التركي الأول عام 1539م, والذي امتد حتى عام 1635م. وقد تم صد هذا الاستعمار والفضل في ذلك يعود لنضال الشعب اليمني. إلا أن العثمانين رجعوا للمرة الثانية في 1872م, بينما احتل الاستعمار البريطاني مدينة عدن في 1839م, وفرضوا بشكل غير مباشر وصايتهم على بقية المناطق الجنوبية والشرقية من اليمن. التحم البريطانيون و العثمانين في نزاع حول النفوذ في اليمن, و بلغ هذا النزاع ذروته أخيرا بتوقيع المعاهدة الأولى معلنة الحدود الأولى التي جزأت شمال اليمن عن جنوبه و شرقه. واصل اليمنيون مقاومتهم للاستعمار في الجنوب و لفساد الاحتلال العثماني في الشمال, حتى اجبر العثمانين أخيرا على الانسحاب من اليمن في عام 1918م, و رزحت اليمن عندئذ تحت حكم الإمامة.
خط اليمنيون مجرى تاريخهم الحديث بإطلاق ثورة السادس و العشرين من سبتمبر عام 1962م في صنعاء, و التي أقصت نظام الحكم الأمامي. و في الرابع عشر من أكتوبر 1963م انفجر الكفاح المسلح ضد البريطانين في الجنوب, حتى أحرز الشعب انتصاره في الثلاثين من نوفمبر 1967م بإجلاء آخر جندي بريطاني من عدن.
أصبحت الثورة اليمنية الخط الفاصل بين العهد القاتم والمظلم وبين العصر الجديد التقدمي المتألق والذي شرع فيه الناس بممارسة حكمهم الذاتي في ظل الحكم الجمهوري, ومواجهة تحدي مواكبة الحياة الحديثة بعد أن حطموا قيود وسلاسل العزلة والتخلف المتوارث، بينما في الوقت نفسه العمل على الحفاظ على جذورهم التراثية والتشبث بالإمكانات الحالية والمستقبلية التي تقبع أمامهم من اجل تحقيق التنمية والتطوير جنبا إلى جنب مع الجهود الوطنية للقضاء على الآثار المتوارثة للحكم الأمامي والاستعماري والذي تجلى في تجزيء الأمة, حتى وضعت القيادة اليمنية الموحدة نهاية حاسمة لهذا الوضع الشاذ بقيادة الشاب المخلص رئيس الجمهورية / علي عبد الله صالح, بتوقيع اتفاقية الوحدة في 30 نوفمبر 1989م. وضعت هذه الاتفاقية اليمن تحت ظلال الحكم الدستوري للجمهورية اليمنية. مثَل ذلك انتصارا للحوار الديمقراطي السلمي باعتباره الوسيلة الوحيدة لتحقيق وحدة البلاد والتي أخيرا تحولت إلى واقع في 22 مايو 1990م.
وهكذا مهًدت الطريق أمام مستقبل يمني جديد, أٌطيح بواسطته على حكمين واستهل حكم دولة واحدة بتأسيس الجمهورية اليمنية.
قلب اليمنيون صفحة الظلام الأخيرة في تاريخ التقسيم والتجزيء وقدموا للعالم صورتهم الحقيقية, تاريخيا، وجغرافيا، وإنسانا، وقد قوبل هذا باحترام عالي من جميع شعوب العالم.
استمر اليمنيون بالتقدم في مسيرتهم الثورية موحدين طاقاتهم وإمكاناتهم لممارسة تجربتهم الديمقراطية الجديدة بنشر الحريات و الحقوق العامة, وانتهاج التعددية السياسية و الحزبية تحت مظلة الحكم الدستوري, والذي يكفل التداول السلمي للسلطة, والعمل نحو تأسيس دولة مؤسسات ديمقراطية جديدة والتي هي الضمانة الحقيقية لإقرار ودعم المنجزات الثورية, وتوحيد طاقات وإمكانات الشعب اليمني نحو تحقيق الأهداف الإنسانية النبيلة, والتي تفضي إلى تحقيق تنمية شاملة في كل القطاعات, بما فيها القطاع السياسي.
توضيح:-
(1) قيعان الأنهار أو الجداول والتي تجري خلالها المياه أثناء تساقط الأمطار وتدفق باتجاه الشرق إلى الصحراء الشرقية (الربع الخالي أو صحراء الربع الخالي).
(2) عاصمة العراق قبل العصر الإسلامي، والتي حكم فيها ملوك يتدحدرون من أصول يمنية (المناذرة) لعدة سنوات قبل بزوغ الإسلام في القرن السابع.
(3) مدينة فارسية مهمة كان إمبراطورات الفرس يسكنوها أحيانا قبل العصر الإسلامي.
(4) تشير كتب التاريخ العربية إلى البيزنطين الذين حكموا آسيا الصغرى, شأنهم في ذلك شأن الرومان, حيث يتدحدرون من أصول الإمبراطورية الرومانية الشرقية, بعد انقسام الإمبراطورية الرومانية و انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية أخيرا.
(5) أثيوبيا.
(6) مدينة يمنية سابقة تقع الآن في السعودية. كان شعب نجران مسيحيون بينما هيمنت الديانة اليهودية والإيمان بتعدد الإلهات على أقربائهم في الجنوب. كان اليمنيون أول من اعتنقوا الإسلام طواعية حين ظهر، وأصبح ديانة الغالبية العظمى من اليمنين حتى هذا التاريخ. إلا أن المجتمع اليهودية بقيت, حيث يبلغ عدد أفراده على الأرجح حوالي 80000 نسمة، معظمهم هاجر إلى إسرائيل في 1984م. كانت ابيسينا حينها دولة تابعة لبيزنطة, بينما كانت اليمن تابعة لإمبراطورات الفرس.
(7) الجامع الحرام, والذي يسمى أيضا بيت الله, كان العاصمة الروحية للعرب حتى قبل العصر الإسلامي.
(8) أحيانا، يتم تهجتها Closroes أو Xarius.
(9) زوروستريانس, أو عبدت النار, وهي الحالة التي كان عليها الفرس قبل مجيء الإسلام إلى بلاد فارس في القرن السابع
ارض اليمن قد استوطنت وعمرت بشكل متواصل منذ عصور عديدة
التعديل الأخير بواسطة المشرف: