سوريا اليوم
مراسل صقور الأبداع من سوريا
عمر كوش -صحيفة عمان
كاتب سوري -
أعتقد أنه من المبكر الحكم على مسار حركة التغيير التي أحدثتها الثورات العربية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، ذلك أن مرحلة جديدة من التاريخ بدأت في التشكل، وتحتاج إلى سنوات عديدة للحكم على مسارها، وتحديد مواضع النجاح والإخفاق، لكن ذلك لا يمنع من تبيان، وتلمّس، ما أنجزته، وما تمخض عن الثورات بعد أكثر من عامين على إسقاطها الأنظمة الاستبدادية الحاكمة، وما لم تتمكن من استكماله وتحقيقه، إذ ما زالت تحديات وصعوبات كثيرة تعترض طريقها، ولن يكون من السهل تماماً الخلاص من إرث وتبعات الاستبداد ومواطنه ومركباته.
ويتحكم بممكنات النجاح مدى قدرة حركة التغيير، والقوى الفاعلة فيها، على السير في طريق تحقيق أهداف الثورات، المتمحورة في الوصول إلى دولة مدنية حديثة، ديمقراطية وتعددية، تنهض على التداول السلمي للسلطة، وتسعى إلى تشييد دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان، ينتفي فيها الإقصاء والتهميش ورفض الآخر، وتسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية. إضافة إلى تحقيق تنمية إنسانية، متوازنة ومستدامة.
ولعل ثورتي تونس ومصر قطعتا شوطاً مهماً في طريق الانتقال الديمقراطي وإعادة بناء وترميم مؤسسات الدولة، مع أن المرحلة الماضية عرفت تجاذبات قوية ما بين القوى الجديدة الصاعدة وبين قوى النظام القديم أو ما يعرف بـ»الفلول». ولا شك في أنه حين تنجح الثورات الشعبية في إسقاط النظم الديكتاتورية الحاكمة، فإن فترة الانتقال المفاجئ، من حالة القمع ومصادرة الحرّيات السياسيّة والاجتماعية والثقافيّة إلى حالة الحرّيات والانفتاح، تنتج حالة من الفوضى العامة وفقدان التوازن والاستقرار، تعصف بمختلف أركان النظام والدولة، وتطاول حياة المواطنين وأمنهم. ويبرز الانفلات الأمني كسمة واضحة لتلك الفوضى، التي يعمل على إشاعتها وتسعيرها رموز وأركان النظام القديم. وقد نجحت كل من تونس ومصر في تجاوز هذه الحالة إلى حدّ كبير، لكنها لا تزال مؤثرة في بعض المواضع، وخاصة في كل من ليبيا واليمن.
ولأول مرة في التاريخ العربي الحديث صار العالم يتابع باهتمام سير الانتخابات في أكثر من دولة عربية، وينظر في نقاشاتها وحواراتها، ويترقب المهتمون نتائجها. وقد برهنت انتخابات المجلس التأسيسي في تونس، وانتخابات مجلس الشعب والرئاسة في مصر، على سلاسة في عملية الانتقال الديمقراطي، كونها اتسمت باتساع المشاركة الشعبية، وسط مناخ من الحرية والشفافية، مع بعض التجاوزات والثغرات. وعبّرت نتائجها عن الخيار الشعبي، الذي يستحق كل الاحترام والتقدير، لكن فوز أحزاب معينة فيها لا يعني أن الشعب قد منح تفويضاً مطلقاً لقيادتها، ولا يمت فوزها بصلة إلى وجود سياقات أو قناعات ايديولوجية أو دينية مسبقة كانت تحرك الناخبين في كلا البلدين، بل إن ما حركهم للمشاركة بكثافة فيها هو سعيهم لتحقيق إرادتهم، ومساهمتهم في التغيير، ورسم ملامح المرحلة المقبلة.
ومن أبرز التحديات التي تواجه مسار التحول الديمقراطي في كل من تونس ومصر وليبيا، هو الانقسام الحاصل بين القوى السياسية، الإسلامية والمدنية وسواهما. ولعله يحفزّ في بعض الأحيان قدرة هذه القوى على تكريس التوافق والانفتاح فيما بينها، بغية بناء دولة وطنية . فيما يعمق الصراع والتناحر الأيديولوجي بينها من أزمة الهوية في بلداننا العربية، التي ظهرت بشكل فاقع خلال عهود الاستبداد.
وتستلزم المرحلة الانتقالية في بلدان الثورات العربية قيام ائتلاف بين القوى الديمقراطية المتعددة، وبما يشكل رافعة أساسية لعملية التحول الديمقراطي. كما يعتبر بناء اقتصاد وطني قوي يستند إلى دورة إنتاج متكاملة، من أبرز التحديات التي تواجه بلدان الثورات العربية في المرحلة المقبلة، على اعتبار أن العامل الاقتصادي لعب دوراً مهماً في جميع الثورات. ومن ثم، فإن معالجة المشكلات الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية سيشكل المرتكز الاجتماعي وصمام الأمان لعملية التحول الديمقراطي.
غير أن نجاح مسار التحول أو التغيير يشير إلى أن قوى الثورة لم تتوقف عن الضغط على القوى الحاكمة في المرحلة الانتقالية، حيث أجبر الرفض الشعبي في تونس على تغيير الحكومة الانتقالية حتى تشكلت الحكومة المنتخبة، فيما عاشت مصر على وقع التجاذبات بين قوى الثورة والمجلس العسكري، ومع ذلك نجحت في إجراء انتخابات رئاسية بين العديد من المرشحين.
وفجّرت الثورات مختلف التكوينات السياسية، ومنها تلك التي تستلهم المرجعية الإسلامية، حيث خرج ناشطوها من عتمات غرفهم المغلقة إلى الفضاء العام، ودخل الناس أفراداً وجماعات إلى المجال السياسي، الذي كان مغلقاً ومصادراً إبان عهود الاستبداد. وطاولت التغيرات الخطاب السياسي والايديولوجي للقوى الإسلامية، بحيث بات من الممكن أن تكون الديمقراطية المرجعية الناظمة للخطاب في الممارسة وفي إدارة الصراعات والاختلافات، ما يعني رفض العنف والقبول بمخارج العملية الديمقراطية وقواعدها.
غير أن علامات استفهام كثيرة تطال خطاب القوى الإسلامية في مصر وفي تونس، وتخص مركبات وحمولات المفاهيم التي تصدر عنه، مثل الدولة المدنية والتعددية والديمقراطية والمواطنَة، التي دخلت حديثاً في قاموس هذا الخطاب وتحتاج التدقيق والنقد، من حيث طبيعة الدولة المدنية التي يتحدث عنها الإسلاميون، وماهية المواطنة التي يطرحونها، ومدى اقترابها من المساواة الكاملة بين سائر أفراد الشعب في الحقوق والواجبات. إضافة إلى علاقة الشريعة بمصادر التشريع.
وهنا تبرز أهمية تشكيل حزب جامع لكل القوى الوطنية الديمقراطية، أو على الأقل إيجاد تحالف واسع بين مختلف القوى التي تتوافق على مبادئ التعددية والديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان، بغية إعادة الثورة إلى ناسها الحقيقيين، واستكمال مهام الثورات العربية، من خلال العمل السياسي، وفق رؤى جديدة، تفترق عن الإقصاء والتهميش، وتسعى إلى بناء دولة المواطنة المتساوية، والعدالة الاجتماعية
كاتب سوري -
أعتقد أنه من المبكر الحكم على مسار حركة التغيير التي أحدثتها الثورات العربية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، ذلك أن مرحلة جديدة من التاريخ بدأت في التشكل، وتحتاج إلى سنوات عديدة للحكم على مسارها، وتحديد مواضع النجاح والإخفاق، لكن ذلك لا يمنع من تبيان، وتلمّس، ما أنجزته، وما تمخض عن الثورات بعد أكثر من عامين على إسقاطها الأنظمة الاستبدادية الحاكمة، وما لم تتمكن من استكماله وتحقيقه، إذ ما زالت تحديات وصعوبات كثيرة تعترض طريقها، ولن يكون من السهل تماماً الخلاص من إرث وتبعات الاستبداد ومواطنه ومركباته.
ويتحكم بممكنات النجاح مدى قدرة حركة التغيير، والقوى الفاعلة فيها، على السير في طريق تحقيق أهداف الثورات، المتمحورة في الوصول إلى دولة مدنية حديثة، ديمقراطية وتعددية، تنهض على التداول السلمي للسلطة، وتسعى إلى تشييد دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان، ينتفي فيها الإقصاء والتهميش ورفض الآخر، وتسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية. إضافة إلى تحقيق تنمية إنسانية، متوازنة ومستدامة.
ولعل ثورتي تونس ومصر قطعتا شوطاً مهماً في طريق الانتقال الديمقراطي وإعادة بناء وترميم مؤسسات الدولة، مع أن المرحلة الماضية عرفت تجاذبات قوية ما بين القوى الجديدة الصاعدة وبين قوى النظام القديم أو ما يعرف بـ»الفلول». ولا شك في أنه حين تنجح الثورات الشعبية في إسقاط النظم الديكتاتورية الحاكمة، فإن فترة الانتقال المفاجئ، من حالة القمع ومصادرة الحرّيات السياسيّة والاجتماعية والثقافيّة إلى حالة الحرّيات والانفتاح، تنتج حالة من الفوضى العامة وفقدان التوازن والاستقرار، تعصف بمختلف أركان النظام والدولة، وتطاول حياة المواطنين وأمنهم. ويبرز الانفلات الأمني كسمة واضحة لتلك الفوضى، التي يعمل على إشاعتها وتسعيرها رموز وأركان النظام القديم. وقد نجحت كل من تونس ومصر في تجاوز هذه الحالة إلى حدّ كبير، لكنها لا تزال مؤثرة في بعض المواضع، وخاصة في كل من ليبيا واليمن.
ولأول مرة في التاريخ العربي الحديث صار العالم يتابع باهتمام سير الانتخابات في أكثر من دولة عربية، وينظر في نقاشاتها وحواراتها، ويترقب المهتمون نتائجها. وقد برهنت انتخابات المجلس التأسيسي في تونس، وانتخابات مجلس الشعب والرئاسة في مصر، على سلاسة في عملية الانتقال الديمقراطي، كونها اتسمت باتساع المشاركة الشعبية، وسط مناخ من الحرية والشفافية، مع بعض التجاوزات والثغرات. وعبّرت نتائجها عن الخيار الشعبي، الذي يستحق كل الاحترام والتقدير، لكن فوز أحزاب معينة فيها لا يعني أن الشعب قد منح تفويضاً مطلقاً لقيادتها، ولا يمت فوزها بصلة إلى وجود سياقات أو قناعات ايديولوجية أو دينية مسبقة كانت تحرك الناخبين في كلا البلدين، بل إن ما حركهم للمشاركة بكثافة فيها هو سعيهم لتحقيق إرادتهم، ومساهمتهم في التغيير، ورسم ملامح المرحلة المقبلة.
ومن أبرز التحديات التي تواجه مسار التحول الديمقراطي في كل من تونس ومصر وليبيا، هو الانقسام الحاصل بين القوى السياسية، الإسلامية والمدنية وسواهما. ولعله يحفزّ في بعض الأحيان قدرة هذه القوى على تكريس التوافق والانفتاح فيما بينها، بغية بناء دولة وطنية . فيما يعمق الصراع والتناحر الأيديولوجي بينها من أزمة الهوية في بلداننا العربية، التي ظهرت بشكل فاقع خلال عهود الاستبداد.
وتستلزم المرحلة الانتقالية في بلدان الثورات العربية قيام ائتلاف بين القوى الديمقراطية المتعددة، وبما يشكل رافعة أساسية لعملية التحول الديمقراطي. كما يعتبر بناء اقتصاد وطني قوي يستند إلى دورة إنتاج متكاملة، من أبرز التحديات التي تواجه بلدان الثورات العربية في المرحلة المقبلة، على اعتبار أن العامل الاقتصادي لعب دوراً مهماً في جميع الثورات. ومن ثم، فإن معالجة المشكلات الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية سيشكل المرتكز الاجتماعي وصمام الأمان لعملية التحول الديمقراطي.
غير أن نجاح مسار التحول أو التغيير يشير إلى أن قوى الثورة لم تتوقف عن الضغط على القوى الحاكمة في المرحلة الانتقالية، حيث أجبر الرفض الشعبي في تونس على تغيير الحكومة الانتقالية حتى تشكلت الحكومة المنتخبة، فيما عاشت مصر على وقع التجاذبات بين قوى الثورة والمجلس العسكري، ومع ذلك نجحت في إجراء انتخابات رئاسية بين العديد من المرشحين.
وفجّرت الثورات مختلف التكوينات السياسية، ومنها تلك التي تستلهم المرجعية الإسلامية، حيث خرج ناشطوها من عتمات غرفهم المغلقة إلى الفضاء العام، ودخل الناس أفراداً وجماعات إلى المجال السياسي، الذي كان مغلقاً ومصادراً إبان عهود الاستبداد. وطاولت التغيرات الخطاب السياسي والايديولوجي للقوى الإسلامية، بحيث بات من الممكن أن تكون الديمقراطية المرجعية الناظمة للخطاب في الممارسة وفي إدارة الصراعات والاختلافات، ما يعني رفض العنف والقبول بمخارج العملية الديمقراطية وقواعدها.
غير أن علامات استفهام كثيرة تطال خطاب القوى الإسلامية في مصر وفي تونس، وتخص مركبات وحمولات المفاهيم التي تصدر عنه، مثل الدولة المدنية والتعددية والديمقراطية والمواطنَة، التي دخلت حديثاً في قاموس هذا الخطاب وتحتاج التدقيق والنقد، من حيث طبيعة الدولة المدنية التي يتحدث عنها الإسلاميون، وماهية المواطنة التي يطرحونها، ومدى اقترابها من المساواة الكاملة بين سائر أفراد الشعب في الحقوق والواجبات. إضافة إلى علاقة الشريعة بمصادر التشريع.
وهنا تبرز أهمية تشكيل حزب جامع لكل القوى الوطنية الديمقراطية، أو على الأقل إيجاد تحالف واسع بين مختلف القوى التي تتوافق على مبادئ التعددية والديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان، بغية إعادة الثورة إلى ناسها الحقيقيين، واستكمال مهام الثورات العربية، من خلال العمل السياسي، وفق رؤى جديدة، تفترق عن الإقصاء والتهميش، وتسعى إلى بناء دولة المواطنة المتساوية، والعدالة الاجتماعية