سوريا اليوم
مراسل صقور الأبداع من سوريا
أورينت نت – نبيل يوسف
�
ما إن كانت تمر قافلة قتيل من قتلى جيش الأسد حتى تستنفر الطرقات والقرى التي ستعبرها تلك القافلة بالأعلام وصور الأسد.. بالنساء والزغاريد على شرفات وأسطح البيوت يرشقن الأرز على الضريح والمشيعين، وتتعالى أصوات الهتاف بحياة القائد وتحيات الجيش، وما إن أصبحت هذه الظاهرة يومية وبأعداد أكبر لدرجة أن الجنازة قد تتسع لخمسة قتلى سوية، حتى اكتفى المشيعون بعدة سيارات تحمل علماً واحداً وصورة.. حتى إن إطلاق النار في الجنازة بات نادراً، والآن وبعد مرور عامين على الثورة يدخل القتيل قريته بسيارة الإسعاف وخلفها أو أمامها سيارة واحدة وقد تخلو الجنازة من الصور والهتافات، بل وقد يرتفع صوت الشتائم في كثير من القرى عندما يمتلك أحدهم الشجاعة والوعي لمعرفة أن هؤلاء الضحايا ما هم إلا أعداد لا تلتفت لها القيادة السياسية، وإنما هم مجرد مدافعون عن كرسي لزعيم يأبى ترك قصره ويضحي بكل ما ملك من عتاد وجنود في سبيل عناده الشخصي…. وسجلت أكثر من مئة حادثة من شق الصور والأعلام وشتم القيادة..</p> ? هنا طرطوس ..
هنا طرطوس.. المحافظة الأكثر التزاماً بنهج الأسد والأقل دخولاً في إطار الثورة بطبيعتها الديمغرافية المكونة من أكثرية علوية مؤيدة للنظام وأقليات أخرى محكومة بالجغرافية الأمنية والعسكرية الطاغية، ولا تقوم لها قائمة إلا على مستويات بسيطة غير ذات أثر، إلا أن ذلك لا يلغي أن بعض مناطق تلك المحافظة كانت بيئة حاضنة للثورة في فترة مبكرة، وهنا تبدو بانياس المدينة المتمركزة على البحر شمال طرطوس 30 كم والمحاطة بالقرى المؤيدة للنظام والتي خضعت لأقوى العمليات القمعية على اعتبار أنها تتمركز ضمن مناطق التأييد من وجهة نظر النظام، والتوتر فيها قد ينقل الجبهات من الداخل والشمال والشرق والجنوب إلى الساحل مرتع الأسد وشبيحته.
شهدت المحافظة مجموعة من محاولات التظاهر والعمليات العسكرية الثورية أحياناً في مجموعة من مناطقها “بانياس، البيضا، مدينة طرطوس” إضافة إلى تشكيل تنسيقيات وهيئات ثورية في مناطق أكثر انغلاقاً ضمن المحافظة مثل “القدموس، صافيتا، الحميدية” وهي دلائل رمزية على دخول تلك القرى في خضم الثورة وأن مهمتها في العمل الثوري شبه مستحيلة ضمن المحافظة ذات التاريخ المتجذر في تأييد الأسد وصاحبة أكبر تعداد من ضباط الجيش والأمن والمسؤولين بمدنها “الدريكيش، الشيخ بدر، بالإضافة إلى أرياف بانياس وطرطوس والقدموس وصافيتا”. طرقات طرطوس بالكامل تحتوي أعتى وأكبر الحواجز العسكرية في المنطقة من باب “الحفاظ على المحافظة من الثورة” خاصة عندما أصبحت المحافظة بهدوئها قبلة للنازحين من المنطقة الشمالية والوسطى، فهناك حواجز نجدها في مداخل طرطوس وبانياس وبقية المدن متخصصة بتفتيش النازحين وسياراتهم، إضافة إلى تمرير شاحنات الأسلحة التي تفرغ حولتها الثقيلة في القرى وعند العائلات المدنية إضافة إلى نقاط الجيش الكبرى حيث تحتوي المحافظة على ألوية دفاع جوية كبيرة للغاية نذكر هنا لواء الدفاع الجوي “الشعرة” على طريق مصياف القدموس الذي يعتبر من أقوى نقاط الدفاع الجوي في الشرق الأوسط بعتاده، إضافة إلى ألوية وكتائب المدفعية والمشاة والبحرية وغيرها من صنوف القوات العسكرية.
? النازحون في طرطوس تشبيح وترحيب
تحتوي طرطوس عدداً كبيراً من النازحين الذين يلاقون الذل والبؤس والاستفزاز والشتائم على الحواجز بينما يلاقون الترحيب والتضامن من قبل المجتمعات المحلية التي أعطاها النظام صيغة التشبيح وهي بعيدة في كثير من الأحيان عن هذه الصيغة ونخص هنا مدن “طرطوس ـ بانياس ـ القدموس ـ صافيتا التي تغلب فيها الديموغرافية اللاعلوية “سنة، اسماعيليون، مسيحيون” إضافة إلى بعض القرى العلوية التي لا تخلو من النازحين أيضاً.
? فارون من الجيش!
من المظاهر اللافتة في محافظة طرطوس خاصة في الفترة الحالية امتناع شبابها عن الالتحاق بخدمة العلم أو تلبية نداء الاحتياط في الجيش حيث يجاوز عدد الفارين العشرة آلاف والذين يتمركزون في الحارات الشعبية والجبال هرباً من دوريات الشرطة العسكرية التي تحاول زج أكبر عدد ممكن منهم في الجيش، وتعود ظاهرة الفرار إلى سببين رئيسيين أولهما رفض حمل السلاح ضد المدنيين وفي صراع يخدم النظام وهنا تبرز القوى الشبابية الرافضة لسياسة النظام والمؤيدة للثورة في مدن الساحل سالفة الذكر، وثانيهما عودة أغلب الملتحقين بالجيش إلى مقابر المنطقة. يجد شبيحة النظام في محافظة طرطوس بيئة مناسبة لاستعراض إمكانياتهم التي بات من الصعب استعراضها المباشر في مدن الداخل حيث يتباهى الشبيح أو المتطوع في الجيش أو الأمن بعتاده العسكري الكامل وسيارته “التي هي غالباً من غنائم حربه في الداخل” ويتحدى المجتمعات المحلية بما يملكه من قوة وسلاح، بينما تظهر علائم الاشمئزاز على الأهالي الذي لا حول له ولا قوة تجاه ما يشاهد، والشبيح هنا قد لا يدرك أنه شخصية مرفوضة في الكثير من مناطق الساحل وإنما يقدم نفسه كبطل تاريخي يدافع عن الوطن ويجد الكثيرين في قريته وجوارها ممن يصفقون له ويربتون على كتفه مع إيمان أغلبهم بأنه سيعود إلى مقبرة الضيعة كسواه، هذا إن لم يقتل قريباً من قريته أو في إحدى مدن الساحل وهو ما حدث في بانياس وطرطوس من حوادث استهداف للشبيحة المشهورين بجرائمهم والذين ثبتت عليهم قضايا قتل حقيقية.
تحاول فئة امتلكت الشجاعة ضبط حركة الشبيحة ومحاولة نشر الوعي بضرورة عدم الانقياد خلف النظام، إلا أن ذلك لا يجدي نفعاً حقيقياً يذكر في ظل عدم وجود فتوى دينية حقيقية تمنع ظاهرة التشبيح، وفي ظل عدم وجود وعي لدى الشباب الذين يرون مستقبلهم متأطراً في خدمة الجيش أو الفروع الأمنية والاستعلاء على الآخرين.
? طرطوس .. تحمل أسباب انهيارها!
تفرز محافظة طرطوس جدليات غريبة من نوعها، وتناقضات هائلة سببها التنوع الديموغرافي والفكري في المحافظة، فهذا الساحل الطويل بجباله يحتوي أعتى أشكال التشبيح والتأييد، وأذكى أشكال الثورة والرفض.. يحتوي التأييد الأعمى المباشر والمعارضة السرية القادرة على التواصل مع مختلف الجغرافية السورية دون أن تظهر في مناطقها بشكل مباشر…. هي طرطوس رهينة النظام والقوة العسكرية التي تحمل في داخلها أسباب انهيارها، هي المحافظة التي تدفن أبنائها وتعي رويداً رويداً حكم الإعدام الذي ينفذه النظام بها.
�
ما إن كانت تمر قافلة قتيل من قتلى جيش الأسد حتى تستنفر الطرقات والقرى التي ستعبرها تلك القافلة بالأعلام وصور الأسد.. بالنساء والزغاريد على شرفات وأسطح البيوت يرشقن الأرز على الضريح والمشيعين، وتتعالى أصوات الهتاف بحياة القائد وتحيات الجيش، وما إن أصبحت هذه الظاهرة يومية وبأعداد أكبر لدرجة أن الجنازة قد تتسع لخمسة قتلى سوية، حتى اكتفى المشيعون بعدة سيارات تحمل علماً واحداً وصورة.. حتى إن إطلاق النار في الجنازة بات نادراً، والآن وبعد مرور عامين على الثورة يدخل القتيل قريته بسيارة الإسعاف وخلفها أو أمامها سيارة واحدة وقد تخلو الجنازة من الصور والهتافات، بل وقد يرتفع صوت الشتائم في كثير من القرى عندما يمتلك أحدهم الشجاعة والوعي لمعرفة أن هؤلاء الضحايا ما هم إلا أعداد لا تلتفت لها القيادة السياسية، وإنما هم مجرد مدافعون عن كرسي لزعيم يأبى ترك قصره ويضحي بكل ما ملك من عتاد وجنود في سبيل عناده الشخصي…. وسجلت أكثر من مئة حادثة من شق الصور والأعلام وشتم القيادة..</p> ? هنا طرطوس ..
هنا طرطوس.. المحافظة الأكثر التزاماً بنهج الأسد والأقل دخولاً في إطار الثورة بطبيعتها الديمغرافية المكونة من أكثرية علوية مؤيدة للنظام وأقليات أخرى محكومة بالجغرافية الأمنية والعسكرية الطاغية، ولا تقوم لها قائمة إلا على مستويات بسيطة غير ذات أثر، إلا أن ذلك لا يلغي أن بعض مناطق تلك المحافظة كانت بيئة حاضنة للثورة في فترة مبكرة، وهنا تبدو بانياس المدينة المتمركزة على البحر شمال طرطوس 30 كم والمحاطة بالقرى المؤيدة للنظام والتي خضعت لأقوى العمليات القمعية على اعتبار أنها تتمركز ضمن مناطق التأييد من وجهة نظر النظام، والتوتر فيها قد ينقل الجبهات من الداخل والشمال والشرق والجنوب إلى الساحل مرتع الأسد وشبيحته.
شهدت المحافظة مجموعة من محاولات التظاهر والعمليات العسكرية الثورية أحياناً في مجموعة من مناطقها “بانياس، البيضا، مدينة طرطوس” إضافة إلى تشكيل تنسيقيات وهيئات ثورية في مناطق أكثر انغلاقاً ضمن المحافظة مثل “القدموس، صافيتا، الحميدية” وهي دلائل رمزية على دخول تلك القرى في خضم الثورة وأن مهمتها في العمل الثوري شبه مستحيلة ضمن المحافظة ذات التاريخ المتجذر في تأييد الأسد وصاحبة أكبر تعداد من ضباط الجيش والأمن والمسؤولين بمدنها “الدريكيش، الشيخ بدر، بالإضافة إلى أرياف بانياس وطرطوس والقدموس وصافيتا”. طرقات طرطوس بالكامل تحتوي أعتى وأكبر الحواجز العسكرية في المنطقة من باب “الحفاظ على المحافظة من الثورة” خاصة عندما أصبحت المحافظة بهدوئها قبلة للنازحين من المنطقة الشمالية والوسطى، فهناك حواجز نجدها في مداخل طرطوس وبانياس وبقية المدن متخصصة بتفتيش النازحين وسياراتهم، إضافة إلى تمرير شاحنات الأسلحة التي تفرغ حولتها الثقيلة في القرى وعند العائلات المدنية إضافة إلى نقاط الجيش الكبرى حيث تحتوي المحافظة على ألوية دفاع جوية كبيرة للغاية نذكر هنا لواء الدفاع الجوي “الشعرة” على طريق مصياف القدموس الذي يعتبر من أقوى نقاط الدفاع الجوي في الشرق الأوسط بعتاده، إضافة إلى ألوية وكتائب المدفعية والمشاة والبحرية وغيرها من صنوف القوات العسكرية.
? النازحون في طرطوس تشبيح وترحيب
تحتوي طرطوس عدداً كبيراً من النازحين الذين يلاقون الذل والبؤس والاستفزاز والشتائم على الحواجز بينما يلاقون الترحيب والتضامن من قبل المجتمعات المحلية التي أعطاها النظام صيغة التشبيح وهي بعيدة في كثير من الأحيان عن هذه الصيغة ونخص هنا مدن “طرطوس ـ بانياس ـ القدموس ـ صافيتا التي تغلب فيها الديموغرافية اللاعلوية “سنة، اسماعيليون، مسيحيون” إضافة إلى بعض القرى العلوية التي لا تخلو من النازحين أيضاً.
? فارون من الجيش!
من المظاهر اللافتة في محافظة طرطوس خاصة في الفترة الحالية امتناع شبابها عن الالتحاق بخدمة العلم أو تلبية نداء الاحتياط في الجيش حيث يجاوز عدد الفارين العشرة آلاف والذين يتمركزون في الحارات الشعبية والجبال هرباً من دوريات الشرطة العسكرية التي تحاول زج أكبر عدد ممكن منهم في الجيش، وتعود ظاهرة الفرار إلى سببين رئيسيين أولهما رفض حمل السلاح ضد المدنيين وفي صراع يخدم النظام وهنا تبرز القوى الشبابية الرافضة لسياسة النظام والمؤيدة للثورة في مدن الساحل سالفة الذكر، وثانيهما عودة أغلب الملتحقين بالجيش إلى مقابر المنطقة. يجد شبيحة النظام في محافظة طرطوس بيئة مناسبة لاستعراض إمكانياتهم التي بات من الصعب استعراضها المباشر في مدن الداخل حيث يتباهى الشبيح أو المتطوع في الجيش أو الأمن بعتاده العسكري الكامل وسيارته “التي هي غالباً من غنائم حربه في الداخل” ويتحدى المجتمعات المحلية بما يملكه من قوة وسلاح، بينما تظهر علائم الاشمئزاز على الأهالي الذي لا حول له ولا قوة تجاه ما يشاهد، والشبيح هنا قد لا يدرك أنه شخصية مرفوضة في الكثير من مناطق الساحل وإنما يقدم نفسه كبطل تاريخي يدافع عن الوطن ويجد الكثيرين في قريته وجوارها ممن يصفقون له ويربتون على كتفه مع إيمان أغلبهم بأنه سيعود إلى مقبرة الضيعة كسواه، هذا إن لم يقتل قريباً من قريته أو في إحدى مدن الساحل وهو ما حدث في بانياس وطرطوس من حوادث استهداف للشبيحة المشهورين بجرائمهم والذين ثبتت عليهم قضايا قتل حقيقية.
تحاول فئة امتلكت الشجاعة ضبط حركة الشبيحة ومحاولة نشر الوعي بضرورة عدم الانقياد خلف النظام، إلا أن ذلك لا يجدي نفعاً حقيقياً يذكر في ظل عدم وجود فتوى دينية حقيقية تمنع ظاهرة التشبيح، وفي ظل عدم وجود وعي لدى الشباب الذين يرون مستقبلهم متأطراً في خدمة الجيش أو الفروع الأمنية والاستعلاء على الآخرين.
? طرطوس .. تحمل أسباب انهيارها!
تفرز محافظة طرطوس جدليات غريبة من نوعها، وتناقضات هائلة سببها التنوع الديموغرافي والفكري في المحافظة، فهذا الساحل الطويل بجباله يحتوي أعتى أشكال التشبيح والتأييد، وأذكى أشكال الثورة والرفض.. يحتوي التأييد الأعمى المباشر والمعارضة السرية القادرة على التواصل مع مختلف الجغرافية السورية دون أن تظهر في مناطقها بشكل مباشر…. هي طرطوس رهينة النظام والقوة العسكرية التي تحمل في داخلها أسباب انهيارها، هي المحافظة التي تدفن أبنائها وتعي رويداً رويداً حكم الإعدام الذي ينفذه النظام بها.