سوريا اليوم
مراسل صقور الأبداع من سوريا
غسان المفلح : السياسة
كتب الصديق كمال اللبواني مادة شبه بحثية عن جماعة الاخوان المسلمين السورية, حول الدور والوظيفة التي تقوم بها هذه الجماعة. هذه المادة لا تنطلق من نقد موضوعي مجرد من دوافع ذاتية وعابرة, ورغم ذلك تحاول ان تؤسس لقطيعة بين جماعة الاخوان المسلمين وبين الفكر الليبرالي الذي يمثله اللبواني, كما يؤكد دائما, فهو يقول في مرثيته هذه” فحركة “الاخوان” لم تعد حركة فكرية دينية, بل أصبحت حركة سياسية بامتياز, ولم تعد تهدف الى تطوير وتحديث فهم الدين, بل للوصول الى السلطة واحتكارها باستخدام الدين. ولا يمكن اعتبارها بديلا عن الشمولية والاستبداد, بل هي تجديد له بصيغة أخرى, وهي ليست نقيضا للحركات العنيفة ( الجهادية السلفية )بل منتج عقلها, ومشرعنها, ومصدر فكرها”.
هذه القطيعة لاتخدم المشهد السوري في شيء, كما انها تؤسس لفكر ليبرالي ربما أكثر جهادية! لا يخدم الليبرالية السياسية التي يؤكد كمال انه الناطق باسمها. لن ادخل في تفاصيل هذه المادة لكنه استوقفني بعبارته التي دونتها اعلاه, حول علاقة “الاخوان” بالارهاب الذي لم يسمه كمال, بل اسماه الجهادية السلفية العنيفة, واعتبر حركة الاخوان منتجها ومشرعنها, وهذا بالتأكيد اتهام لا اساس له من الصحة ويؤسس لتلك القطيعة الفكرية والسياسية التي لا نحتاجها اليوم في الثورة السورية, كنت قد تعرضت له في مقالتين متتاليتين نشرتا في صحيفة “النهار” اللبنانية في العام 2010 بعنوان” الإخوان المسلمون والإرهاب والإسلام السياسي”. حول ربط جماعة الاخوان المسلمين بالارهاب, يمكن للقارئ العودة لهما, والردود عليهما من قبل الباحث الصديق الطاهر إبراهيم وهو احد الوجوه المعروفة في جماعة “الاخوان” في سورية.
تأسيس السياسة على الدين او تأسيس الديانة على السياسة, امر شقاقي في الديانة ذاتها وفي السياسة أيضا, ويخلق تياراته المبنية على اشتراطات دنيوية في اغلبها, لهذا ميزت سابقا ومنذ زمن بين الاسلام السياسي والاخوان المسلمين وبين الجهادية العنفية كما يسمها اللبواني, وهذا الوضع الشقاقي طبيعي, لأنه شقاق دنيوي.
ما يميز حركة “الاخوان” عن البقية الكثير, ولكن من اهمها ووفقا لسياقنا فإن “الاخوان” يعترفون بالدولة الوطنية الحديثة والمعاصرة, ويعترفون بالجغرافيا السياسية المترتبة عليها. بعكس التيارات الجهادية والاسلام السياسي الذي انتشر في الغرب اساسا. الحركات الجهادية يسوغها تفكير ما فوق الدولة الوطنية, العالم الجغرافي الاسلامي كله وطنهم, بينما الاخوان المسلمين لهم تنظيم عالمي صحيح, لكنه مؤسس بناء على قيام الدول الوطنية الحديث والمعاصر في العالم الاسلامي بعد الخلافة العثمانية, وهذا اساس متين يجعل من حركة الاخوان حركة سياسية سورية بامتياز, رغم هرمية التنظيم العالمي لهم واشتراطاته وما يمكن ان يقال عن هذا الموضوع, وبالتالي هم جزء من المشهد السياسي السوري بعجره وبجره, وليسوا مشرعين للفكر الجهادي العنفي الاممي.
من المناسب هنا التذكير ان الاسلام السياسي هو منتج معاصر جدا, وبعد تأسيس جماعة الاخوان بمصر بعقود, وهو الذي يؤسس وجوده على اعتبار ان قيام دولة الخلافة الاسلامية كمهمة حالية ومطروحة للتنفيذ, بغض النظر عن الوسائل, هذه الترسيمة كانت مشرعنا للارهاب الجهادي, وجماعة الاخوان في سورية منذ زمن ليس قليلاً تخلت عن اعتبار قيام الدولة الاسلامية مهمة حالية, وحاولت ان تؤسس فهما وسطيا مبنيا على اللااكراه وعلى النشاط الدعوي اولا, وهذا ما اتاح لها التحول لحزب سياسي, من جهة أخرى تدخل في تحالفات سياسية عابرة واكثر من عابرة على مستوى المشهد السياسي في الدولة الوطنية, وتجربة الاخوان السوريين لديها من الامثلة في تاريخها الكثير وآخرها وجودهم في المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني لقوى المعارضة, بينما ترفض جبهة النصرة الانخراط بأي تحالف سياسي معارض..ربما نتطرق الى هذا الامر في مقالة لاحقة, من هنا نجد ان الاخوان منغمسون في تفاصيل السياسة اليومية واشتراطاتها الدنيوية, وانتجوا برنامجا وطنيا للدولة المدنية, لا فرق فيها بين مواطنيها, لا دينيا ولا طائفيا ولا جنسيا ولا قوميا, ولا امتياز لاحد باعتبار دينه او طائفته او جنسه او توجهه السياسي. كما يحق في برنامجهم ورؤاهم اليومية تولي المرأة اعلى المناصب في الدولة الوطنية, وتولي اي مواطن سوري كذلك مهما كانت خلفياته الدينية والسياسية والطائفية. على هذا الاساس نقول في حوارنا معهم ان عليهم تشكيل حزب سياسي متوافق مع هذا البرنامج, حزب سياسي على المستوى الوطني واظن انهم شرعوا في تأسيس مثل هذا الحزب.
ما يمكننا من تسجيله من ملاحظات نقدية على السلوك السياسي للاصدقاء في جماعة الاخوان المسلمين يمكن ان نسجله على بقية القوى السياسية في محاولاتها الاستحواذ على القرار السياسي للمعارضة بطرق تبدو احيانا غير تنافسية بالمعنى الديمقراطي للعبارة, لكن تبقى قضية مهمة, باستثناء حزب الشعب الديمقراطي والذي يمثله الصديق جورج صبرا في المجلس الوطني, جماعة الاخوان المسلمين هي المنظمة الوحيدة والاقوى والتي تعمل كمؤسسة قدر الامكان, لذلك هذه المؤسسة يمكننا نقدها سياسيا كطرف سياسي في هذا الموقف او ذاك او في هذه الممارسة او تلك, ولسنا الآن في صدد فتح حرب ايديولوجية معها على طريقة الصديق كمال اللبوني, وكثيرا ما تعرضت نقديا في مقالاتي السابقة لهذا الموضوع.
المشكلة في الواقع ليست في الاخوان المسلمين بل ببقية المعارضة وبخاصة الشخصيات المستقلة, فهي تريد ان تستفيد من تحالفها مع الجماعة لثقلها النسبي في المعارضة وتريد من الجماعة ان تتخلى عن حجمها التمثيلي لهذه الشخصيات! تناقض لا يمكن حله بهذه الطريقة, ومثال سريع: طالما يا صديقي كمال الاخوان مشرعنة للفكر العنفي الجهادي لماذا تتحالف معها دائما, وتحالفت معهم في المجلس الوطني وانسحبت, ثم تحالفت معهم في الائتلاف وجمدت عضويتك الآن?
كنت كتبت مقالة نقدية قبل اسبوع عن”هيمنة الاخوان على المجلس الوطني” بوصفها القوة الاكبر مأسسة وتنظيما. لا اريد تكرار ما كتبته هناك, لهذا اقول للاصدقاء لا تجعلوا النقد لغة تؤسس لقطيعة بين تيارات الثورة وقواها وشخصياتها…فسورية الآن في ثورة, وشعبها يدفع دما ولا تحتاج الى هذه الشقاقات اللفظية التي سرعان ما يتم التراجع عنها, لكنها تخلق اجواء تشاحنية غير مقبولة ولا تخدم احدا!
�
* كاتب سوري
كتب الصديق كمال اللبواني مادة شبه بحثية عن جماعة الاخوان المسلمين السورية, حول الدور والوظيفة التي تقوم بها هذه الجماعة. هذه المادة لا تنطلق من نقد موضوعي مجرد من دوافع ذاتية وعابرة, ورغم ذلك تحاول ان تؤسس لقطيعة بين جماعة الاخوان المسلمين وبين الفكر الليبرالي الذي يمثله اللبواني, كما يؤكد دائما, فهو يقول في مرثيته هذه” فحركة “الاخوان” لم تعد حركة فكرية دينية, بل أصبحت حركة سياسية بامتياز, ولم تعد تهدف الى تطوير وتحديث فهم الدين, بل للوصول الى السلطة واحتكارها باستخدام الدين. ولا يمكن اعتبارها بديلا عن الشمولية والاستبداد, بل هي تجديد له بصيغة أخرى, وهي ليست نقيضا للحركات العنيفة ( الجهادية السلفية )بل منتج عقلها, ومشرعنها, ومصدر فكرها”.
هذه القطيعة لاتخدم المشهد السوري في شيء, كما انها تؤسس لفكر ليبرالي ربما أكثر جهادية! لا يخدم الليبرالية السياسية التي يؤكد كمال انه الناطق باسمها. لن ادخل في تفاصيل هذه المادة لكنه استوقفني بعبارته التي دونتها اعلاه, حول علاقة “الاخوان” بالارهاب الذي لم يسمه كمال, بل اسماه الجهادية السلفية العنيفة, واعتبر حركة الاخوان منتجها ومشرعنها, وهذا بالتأكيد اتهام لا اساس له من الصحة ويؤسس لتلك القطيعة الفكرية والسياسية التي لا نحتاجها اليوم في الثورة السورية, كنت قد تعرضت له في مقالتين متتاليتين نشرتا في صحيفة “النهار” اللبنانية في العام 2010 بعنوان” الإخوان المسلمون والإرهاب والإسلام السياسي”. حول ربط جماعة الاخوان المسلمين بالارهاب, يمكن للقارئ العودة لهما, والردود عليهما من قبل الباحث الصديق الطاهر إبراهيم وهو احد الوجوه المعروفة في جماعة “الاخوان” في سورية.
تأسيس السياسة على الدين او تأسيس الديانة على السياسة, امر شقاقي في الديانة ذاتها وفي السياسة أيضا, ويخلق تياراته المبنية على اشتراطات دنيوية في اغلبها, لهذا ميزت سابقا ومنذ زمن بين الاسلام السياسي والاخوان المسلمين وبين الجهادية العنفية كما يسمها اللبواني, وهذا الوضع الشقاقي طبيعي, لأنه شقاق دنيوي.
ما يميز حركة “الاخوان” عن البقية الكثير, ولكن من اهمها ووفقا لسياقنا فإن “الاخوان” يعترفون بالدولة الوطنية الحديثة والمعاصرة, ويعترفون بالجغرافيا السياسية المترتبة عليها. بعكس التيارات الجهادية والاسلام السياسي الذي انتشر في الغرب اساسا. الحركات الجهادية يسوغها تفكير ما فوق الدولة الوطنية, العالم الجغرافي الاسلامي كله وطنهم, بينما الاخوان المسلمين لهم تنظيم عالمي صحيح, لكنه مؤسس بناء على قيام الدول الوطنية الحديث والمعاصر في العالم الاسلامي بعد الخلافة العثمانية, وهذا اساس متين يجعل من حركة الاخوان حركة سياسية سورية بامتياز, رغم هرمية التنظيم العالمي لهم واشتراطاته وما يمكن ان يقال عن هذا الموضوع, وبالتالي هم جزء من المشهد السياسي السوري بعجره وبجره, وليسوا مشرعين للفكر الجهادي العنفي الاممي.
من المناسب هنا التذكير ان الاسلام السياسي هو منتج معاصر جدا, وبعد تأسيس جماعة الاخوان بمصر بعقود, وهو الذي يؤسس وجوده على اعتبار ان قيام دولة الخلافة الاسلامية كمهمة حالية ومطروحة للتنفيذ, بغض النظر عن الوسائل, هذه الترسيمة كانت مشرعنا للارهاب الجهادي, وجماعة الاخوان في سورية منذ زمن ليس قليلاً تخلت عن اعتبار قيام الدولة الاسلامية مهمة حالية, وحاولت ان تؤسس فهما وسطيا مبنيا على اللااكراه وعلى النشاط الدعوي اولا, وهذا ما اتاح لها التحول لحزب سياسي, من جهة أخرى تدخل في تحالفات سياسية عابرة واكثر من عابرة على مستوى المشهد السياسي في الدولة الوطنية, وتجربة الاخوان السوريين لديها من الامثلة في تاريخها الكثير وآخرها وجودهم في المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني لقوى المعارضة, بينما ترفض جبهة النصرة الانخراط بأي تحالف سياسي معارض..ربما نتطرق الى هذا الامر في مقالة لاحقة, من هنا نجد ان الاخوان منغمسون في تفاصيل السياسة اليومية واشتراطاتها الدنيوية, وانتجوا برنامجا وطنيا للدولة المدنية, لا فرق فيها بين مواطنيها, لا دينيا ولا طائفيا ولا جنسيا ولا قوميا, ولا امتياز لاحد باعتبار دينه او طائفته او جنسه او توجهه السياسي. كما يحق في برنامجهم ورؤاهم اليومية تولي المرأة اعلى المناصب في الدولة الوطنية, وتولي اي مواطن سوري كذلك مهما كانت خلفياته الدينية والسياسية والطائفية. على هذا الاساس نقول في حوارنا معهم ان عليهم تشكيل حزب سياسي متوافق مع هذا البرنامج, حزب سياسي على المستوى الوطني واظن انهم شرعوا في تأسيس مثل هذا الحزب.
ما يمكننا من تسجيله من ملاحظات نقدية على السلوك السياسي للاصدقاء في جماعة الاخوان المسلمين يمكن ان نسجله على بقية القوى السياسية في محاولاتها الاستحواذ على القرار السياسي للمعارضة بطرق تبدو احيانا غير تنافسية بالمعنى الديمقراطي للعبارة, لكن تبقى قضية مهمة, باستثناء حزب الشعب الديمقراطي والذي يمثله الصديق جورج صبرا في المجلس الوطني, جماعة الاخوان المسلمين هي المنظمة الوحيدة والاقوى والتي تعمل كمؤسسة قدر الامكان, لذلك هذه المؤسسة يمكننا نقدها سياسيا كطرف سياسي في هذا الموقف او ذاك او في هذه الممارسة او تلك, ولسنا الآن في صدد فتح حرب ايديولوجية معها على طريقة الصديق كمال اللبوني, وكثيرا ما تعرضت نقديا في مقالاتي السابقة لهذا الموضوع.
المشكلة في الواقع ليست في الاخوان المسلمين بل ببقية المعارضة وبخاصة الشخصيات المستقلة, فهي تريد ان تستفيد من تحالفها مع الجماعة لثقلها النسبي في المعارضة وتريد من الجماعة ان تتخلى عن حجمها التمثيلي لهذه الشخصيات! تناقض لا يمكن حله بهذه الطريقة, ومثال سريع: طالما يا صديقي كمال الاخوان مشرعنة للفكر العنفي الجهادي لماذا تتحالف معها دائما, وتحالفت معهم في المجلس الوطني وانسحبت, ثم تحالفت معهم في الائتلاف وجمدت عضويتك الآن?
كنت كتبت مقالة نقدية قبل اسبوع عن”هيمنة الاخوان على المجلس الوطني” بوصفها القوة الاكبر مأسسة وتنظيما. لا اريد تكرار ما كتبته هناك, لهذا اقول للاصدقاء لا تجعلوا النقد لغة تؤسس لقطيعة بين تيارات الثورة وقواها وشخصياتها…فسورية الآن في ثورة, وشعبها يدفع دما ولا تحتاج الى هذه الشقاقات اللفظية التي سرعان ما يتم التراجع عنها, لكنها تخلق اجواء تشاحنية غير مقبولة ولا تخدم احدا!
�
* كاتب سوري