سوريا اليوم
مراسل صقور الأبداع من سوريا
نيكولاس بلانفورد :� القصر وعرسال، لبنان – الاتحاد
تثير موجة من عمليات الاختطاف الانتقامية في شمال سهل البقاع مخاوف من اندلاع صراع طائفي في منطقة لا تتمتع فيها الدولة اللبنانية بنفوذ حقيقي، وحيث القانون القبلي هو السائد.
ومما يزيد الطين بلة هو توقيت هذه الاختطافات المتبادلة، ذلك أنه ما كان يمكن أن تأتي في وقت أسوأ بالنسبة للبنان – عقب استقالة حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي قبل أيام، وازدياد حالة الفوضى والتسيب، وتنامي القلق من أن تكون البلاد قد أخذت تغرق تدريجياً في الحرب الأهلية السورية
وفي ما عدا إقامة نقطتي تفتيش جديدتين تابعتين للجيش اللبناني على طرق رئيسية في شمال البقاع، فإن السلطات اللبنانية اختارت عموماً النأي بنفسها عن صراع الاختطافات رغم مخاطر التصعيد – وقبلت ربما حدود سلطة بيروت هنا.
حسن جعفر، سائق شاحنة شيعي من بلدة القصر يكسب قوت عيشه من تهريب وقود الديزل عبر الحدود بين لبنان وسوريا، تعرض لعملية اختطاف في الثالث والعشرين من مارس الماضي في منطقة «عرسال»، وهي بلدة نائية سكانها من السُنة، وتقع جوار جبال وعرة بالقرب من الحدود الشمالية الشرقية للبنان مع سوريا.
هوية الخاطفين مازالت غير معروفة، ويقول سكان عرسال إن جعفر اقتيد إلى مدينة «يبرود» في سوريا، وإنهم يبحثون عن طريقة ما تضمن إطلاق سراحه وعودته لأهله، ولكن الخاطفين يطالبون بفدية قدرها مليون دولار مقابل الإفراج عنه.
غير أن عشيرة جعفر، وهي قبيلة شيعية مستقلة تتبع تقاليد الشرف والثأر، رفضت دفع الفدية وأقدمت بدلاً من ذلك على موجة من عمليات الاختطاف الانتقامية، حيث قامت باختطاف أكثر من عشرة من أهالي عرسال. وقد تم الإفراج عن بعض الرهائن كعربون حسن نية، وبقي ستة رجال في قبضة آل جعفر.
حسن رائد، الذي تعرض ابنه حسين للخطف من قبل آل جعفر قبل نحو أسبوع، وضع وجهه بين كفيه وأجهش بالبكاء، وهو جالس على عتبة منزله في «عرسال». وقال حسن وعيناه مغرورقتان بالدموع: «لا أعرف من الذين خطفوا رجل آل جعفر، ولكنني أخشى أن يقتلوه؛ لأنهم إذا قتلوه، سيقوم آل جعفر بقتل ابني انتقاماً».
أما زوجته خولة، التي كانت تقف خلف زوجها وترتعد من شدة الغضب، فقد أخذت تنهال على آل جعفر اللعن والشتائم وقالت: «إنهم ليسوا سوى زارعي حشيش وتجار مخدرات. إذا قتلوا ابننا، فإننا سنقتلهم جميعاً».
ومن جانبه، قال علي الحجيري، عمدة عرسال، إن العلاقات مع آل جعفر كانت دائماً قائمة على الود والاحترام. ولكنه حذر من أن آل جعفر ارتكبوا خطأ عندما حمَّلوا سكان عرسال وزر الاختطاف وأخذوهم بجريرة من اختطفوا حسين جعفر. وقال في هذا الصدد: «إنني أريد أن أنصح (آل جعفر)، وأقول لهم إنني الوحيد، في الوقت الراهن، الذي يمنع الناس هنا من تصعيد الوضع أكثر»، مضيفاً «وعلى آل جعفر أن يدركوا أنه من السهل الضغط على الزناد، ولكنه ليس من السهل وقف الحرب».
ويقول آل جعفر إنهم طمأنوا رهائنهم – أو «ضيوفهم»، كما يفضلون تسميتهم – بأنه لن يصيبهم أي مكروه بغض النظر عما سيحدث لحسين جعفر.
وفي هذا السياق، قال عضو بارز في عائلة جعفر طلب عدم الكشف عن اسمه الأول لأنه مطلوب من قبل السلطات اللبنانية: «حتى في حال قُتل حسين، فإننا لن نقتل الرهائن. إن الأمر ليست له أي علاقة بالطائفية، وإنما يتعلق بشرف القبيلة». وبجواره كانت بندقية من عيار إم 16 ملقاة على الأرضية.
عائلة جعفر الصغيرة تعيش على الأطراف الغربية لمدينة القصر الحدودية المغبرة، على بعد نحو 20 ميلا إلى الشمال من عرسال في سفوح جبال مرتفعة تنتشر فيها أشجار البلوط والعرعر.
ويقول المهدي جعفر، شقيق جعفر: «ليس لدينا أي سبب لمقاتلة أهالي عرسال، وعليهم ألا يصنعوا سبباً لمقاتلتنا وإلا فإنهم سيُسحقون. علينا أن نجد حلا لهذا الوضع».
غير أن الوضع المشحون أصلا تزيد من توتره حقيقة أن آل جعفر وسكان عرسال يدعمون أطرافاً متصارعة في الحرب الأهلية السورية. ذلك أن هذه البلدة تمثل قاعدة لدعم الثوار السوريين، كما أن بعض سكان البلدة انضموا إلى صفوف المعارضة المسلحة.
وفي هذه الأثناء، فإن العديد من آل جعفر هم أعضاء في منظمة «حزب الله» الشيعية، ويقاتلون في بعض المناطق من سوريا دفاعاً عن النظام في سوريا. وحتى الآن، يقصر الجانبان معاركهمـا علـى الأراضي السوريـة. غير أن الاختطافات والاختطافات المضادة يمكـن أن تجـر الحرب إلى شمـال البقـاع في أي لحظة.
وبينما كان آل جعفر يعبرون عن تظلماتهم وشكاواهم، دوى صوت انفجارات قوية عبر المشهد من بضعة أميال داخل سوريا، حيث قامت طائرة من القوات الجوية السورية بقصف مواقع تابعة للثوار.
ويمثل دوي التفجيرات الروتيني وأزيز رصاص البنادق الرشاشة تذكيراً دائماً بالنسبة لشمال البقاع بالقرب الخطير للحرب السورية من لبنان.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«كريستيان ساينس مونيتور»
تثير موجة من عمليات الاختطاف الانتقامية في شمال سهل البقاع مخاوف من اندلاع صراع طائفي في منطقة لا تتمتع فيها الدولة اللبنانية بنفوذ حقيقي، وحيث القانون القبلي هو السائد.
ومما يزيد الطين بلة هو توقيت هذه الاختطافات المتبادلة، ذلك أنه ما كان يمكن أن تأتي في وقت أسوأ بالنسبة للبنان – عقب استقالة حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي قبل أيام، وازدياد حالة الفوضى والتسيب، وتنامي القلق من أن تكون البلاد قد أخذت تغرق تدريجياً في الحرب الأهلية السورية
وفي ما عدا إقامة نقطتي تفتيش جديدتين تابعتين للجيش اللبناني على طرق رئيسية في شمال البقاع، فإن السلطات اللبنانية اختارت عموماً النأي بنفسها عن صراع الاختطافات رغم مخاطر التصعيد – وقبلت ربما حدود سلطة بيروت هنا.
حسن جعفر، سائق شاحنة شيعي من بلدة القصر يكسب قوت عيشه من تهريب وقود الديزل عبر الحدود بين لبنان وسوريا، تعرض لعملية اختطاف في الثالث والعشرين من مارس الماضي في منطقة «عرسال»، وهي بلدة نائية سكانها من السُنة، وتقع جوار جبال وعرة بالقرب من الحدود الشمالية الشرقية للبنان مع سوريا.
هوية الخاطفين مازالت غير معروفة، ويقول سكان عرسال إن جعفر اقتيد إلى مدينة «يبرود» في سوريا، وإنهم يبحثون عن طريقة ما تضمن إطلاق سراحه وعودته لأهله، ولكن الخاطفين يطالبون بفدية قدرها مليون دولار مقابل الإفراج عنه.
غير أن عشيرة جعفر، وهي قبيلة شيعية مستقلة تتبع تقاليد الشرف والثأر، رفضت دفع الفدية وأقدمت بدلاً من ذلك على موجة من عمليات الاختطاف الانتقامية، حيث قامت باختطاف أكثر من عشرة من أهالي عرسال. وقد تم الإفراج عن بعض الرهائن كعربون حسن نية، وبقي ستة رجال في قبضة آل جعفر.
حسن رائد، الذي تعرض ابنه حسين للخطف من قبل آل جعفر قبل نحو أسبوع، وضع وجهه بين كفيه وأجهش بالبكاء، وهو جالس على عتبة منزله في «عرسال». وقال حسن وعيناه مغرورقتان بالدموع: «لا أعرف من الذين خطفوا رجل آل جعفر، ولكنني أخشى أن يقتلوه؛ لأنهم إذا قتلوه، سيقوم آل جعفر بقتل ابني انتقاماً».
أما زوجته خولة، التي كانت تقف خلف زوجها وترتعد من شدة الغضب، فقد أخذت تنهال على آل جعفر اللعن والشتائم وقالت: «إنهم ليسوا سوى زارعي حشيش وتجار مخدرات. إذا قتلوا ابننا، فإننا سنقتلهم جميعاً».
ومن جانبه، قال علي الحجيري، عمدة عرسال، إن العلاقات مع آل جعفر كانت دائماً قائمة على الود والاحترام. ولكنه حذر من أن آل جعفر ارتكبوا خطأ عندما حمَّلوا سكان عرسال وزر الاختطاف وأخذوهم بجريرة من اختطفوا حسين جعفر. وقال في هذا الصدد: «إنني أريد أن أنصح (آل جعفر)، وأقول لهم إنني الوحيد، في الوقت الراهن، الذي يمنع الناس هنا من تصعيد الوضع أكثر»، مضيفاً «وعلى آل جعفر أن يدركوا أنه من السهل الضغط على الزناد، ولكنه ليس من السهل وقف الحرب».
ويقول آل جعفر إنهم طمأنوا رهائنهم – أو «ضيوفهم»، كما يفضلون تسميتهم – بأنه لن يصيبهم أي مكروه بغض النظر عما سيحدث لحسين جعفر.
وفي هذا السياق، قال عضو بارز في عائلة جعفر طلب عدم الكشف عن اسمه الأول لأنه مطلوب من قبل السلطات اللبنانية: «حتى في حال قُتل حسين، فإننا لن نقتل الرهائن. إن الأمر ليست له أي علاقة بالطائفية، وإنما يتعلق بشرف القبيلة». وبجواره كانت بندقية من عيار إم 16 ملقاة على الأرضية.
عائلة جعفر الصغيرة تعيش على الأطراف الغربية لمدينة القصر الحدودية المغبرة، على بعد نحو 20 ميلا إلى الشمال من عرسال في سفوح جبال مرتفعة تنتشر فيها أشجار البلوط والعرعر.
ويقول المهدي جعفر، شقيق جعفر: «ليس لدينا أي سبب لمقاتلة أهالي عرسال، وعليهم ألا يصنعوا سبباً لمقاتلتنا وإلا فإنهم سيُسحقون. علينا أن نجد حلا لهذا الوضع».
غير أن الوضع المشحون أصلا تزيد من توتره حقيقة أن آل جعفر وسكان عرسال يدعمون أطرافاً متصارعة في الحرب الأهلية السورية. ذلك أن هذه البلدة تمثل قاعدة لدعم الثوار السوريين، كما أن بعض سكان البلدة انضموا إلى صفوف المعارضة المسلحة.
وفي هذه الأثناء، فإن العديد من آل جعفر هم أعضاء في منظمة «حزب الله» الشيعية، ويقاتلون في بعض المناطق من سوريا دفاعاً عن النظام في سوريا. وحتى الآن، يقصر الجانبان معاركهمـا علـى الأراضي السوريـة. غير أن الاختطافات والاختطافات المضادة يمكـن أن تجـر الحرب إلى شمـال البقـاع في أي لحظة.
وبينما كان آل جعفر يعبرون عن تظلماتهم وشكاواهم، دوى صوت انفجارات قوية عبر المشهد من بضعة أميال داخل سوريا، حيث قامت طائرة من القوات الجوية السورية بقصف مواقع تابعة للثوار.
ويمثل دوي التفجيرات الروتيني وأزيز رصاص البنادق الرشاشة تذكيراً دائماً بالنسبة لشمال البقاع بالقرب الخطير للحرب السورية من لبنان.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«كريستيان ساينس مونيتور»