سوريا اليوم
مراسل صقور الأبداع من سوريا
هيثم حميدان��� : كلنا شركاء �
�
معاذ الخطيب شخصية كسبت ثقة الشارع وحظيت بتأييده نوعاً عن كل رموز المعارضة ومنحت بعضاً من التماسك والمصداقية للخطوة المتمثلة بإنهاء حقبة “المجلس الوطني السوري” وبداية حقبة “الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”. الرجل المنبري لاقى صعوبة في التوفيق بين ماضيه الكهنوتي والبيئة الجديدة التي وجد نفسه فيها من حيث متطلبات العمل السياسي والإستقطابات والتحالفات, الإ أنّه ظل وفياً لذاته وواعيا لمكنوناتها طوال فترة وجوده على رأس الإئتلاف الوطني.
�معاذ الخطيب ذو نوايا صادقة وهو مستعد للإستقالة كذلك, فكان رجل المرحلة بإمتياز بكل عاطفيتها واضطرابها فمزاجه يتوافق مع إيقاعها وقد تكلم وعبّر عن ضميرها بصدق وشفافية مطلقة أعطته ما له من مصداقية.
�معاذ الخطيب هو صاحب المبادرة الأشهر والأقوى والأكثر أهمية بشأن التفاوض مع نظام بشار الأسد بشروط. لقد كانت المبادرة خطوة ذكية وشجاعة وتتفق مع أبسط بديهيات الديبلوماسية المتمثلة في مبدأ استمراية التفاوض “”Continuity of Negotiations وفي زمن السلم أكثر مما هوعليه في زمن الحرب. لقد ساهمت مبادرة الخطيب بتحريك قوى المعارضة ومياهها الراكدة وعززت موقع الائتلاف وسحبت الذرائع من نظام الأسد وأحرجته وحلفاءه الروس وعرته ونقلت المعارضة إلى الهجوم. لا بل أجبرت قوى المعارضة على التجمع للأتفاق على تعريف عناصرها ومرجعياتها فأدخلت بعداً فكريا جديداً لسياسة الائتلاف الخارجية لم يكن موجوا قبلها. المهم أن المبادرة بقيت في حدودها التكتيكية ولم تنقل المعارضة إلى مرحلة إجراء حوار مع النظام يتحول إلى تسوية على حساب الثورة.
�معاذ الخطيب كان الشخصية الأبرز في دفع الأجندة السياسية للثورة السورية بما فيها من اضطراب حتى مرحلة الحكومة الإنتقالية التي يمكن لها أن تعلن عن نهاية مرحلة الإئتلاف, والخطيب أيضا كان الشخصية التي عبرت لأول مرة عن الأزمة التي تمر فيها الثورة السورية.
�والخطيب كذلك صاحب الكلمة القوية في اجتماع القمة العربية 2013 بالدوحة- قطر, وبالحديث عن ديبلوماسية معاذ الخطيب فإن قوة خطابه تأتي بالتحديد من لا ديبلوماسيته. يعي الرجل بأنه ليس ديبلوماسياً وبأنه خرج عن الأعراف الديبلوماسية على حد تعبيره في مواضع معينة. ولو تلى خطابه هذا في مرحلة غير هذه المرحلة لعزل نفسه وعزل سورية كذلك, كما فعلت خطابات بشار الأسد بصاحبها. لقد تحدث الخطيب بلسان حال الشعب السوري وليس حكومته: شعب مشرد مسجون ومقصوف ومذبوح بطريقة ممنهجة وواضحة.
�جاءت كلمات معاذ الخطيب من على مقعد سورية في جامعة الدول العربية لتقف مقابل اغتصاب النظام السوري للمعنى الحقيقي المختزن في كلمات مثل الشرف والهيبة (وخصوصا هيبة الدولة) والمصداقية, وإنسحابه من الحلبة الإقليمية والدولية بشكل مهين وبسرعة فائقة دلت على هشاشة انجازاته على صعيد السياسة الخارجية طوال الأعوام العشر المنصرمة, تاركاً وراءه خاصرة حلفائه مكشوفة وعرضه للخطر عندما واجه أدنى قدر من الصعوبات الداخلية التي لم يكن يحسب لها حساب, فأضعف لديه كل الفرص التي تمكنه من المشاركة في تنظيم العلاقات الدولية للمنطقة.
�
إن الدولة بحاجة لأدنى قدر من الإجماع الداخلي لصياغة سياستها الخارجية. لقد عبرت كلمة الخطيب حالياً عن هذا الإجماع السوري المرحلي على أجندة واحدة تتمثل في إسقاط نظام الأسد مع الإعتماد على الذات, ورفض هذا الإجماع للوصاية مع شكره وانفتاحه على المساعدة الخارجية حين طالب “باسم شعبنا المظلوم بالدعم في كل صوره وأشكاله، من كل أشقائنا وأصدقائنا، ومن ذلك الحق الكامل في الدفاع عن النّفس، ومقعد سورية في هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وتجميد أموال النظام التي نهبها من شعبنا، وتخصيصها لإعادة البناء والإعمار”.
�
كما تركت كلمة الخطيب لمنظمي السياسة الخارجية لسورية المستقبل نقاطاً هادية في بعض المواضع, أهمها القوة الأخلاقية والمعنوية ورمزية الشعب السوري بالنسبة لباقي لشعوب العربية والعلاقات الدولية في المنطقة. هذه الأمور لا يجب أن تمر مرور الكرام أو أن تغييب عن بال من سيتولى دفة السياسة الخارجية ورسم استراتيجيتها في المستقبل, وهذا ما تعنى به هذه المقالة بالتحديد: مستقبل السياسة الخارجية السورية في ضوء كلمة الخطيب مع بعض التوصيات.
�
لقد دفع الشعب السوري ,كما عبّر الخطيب ثمن حريته من دمه، كما أشار إلى أن قرار الشعب السوري ينبُع من مصالحه، وبأنه يرفض وصاية أيّة جهة في اتخاذ قراره، وأن ثورته صنيعة نفسها، والشعب السوري وحده هو الذي فجّرها وهو الذي سيقرر طريقها. إن عكس ما جرى أمر حيوي, فسورية بعد أن تستتب الأمور فيها سيكون عليها استعادة ثقتها بنفسها وثقة الآخرين بها. وأن تجدد التزامها بالعمل بحيوية للدفاع عن ذاتها بذاتها, وعن المبادئ الجديدة التي ناضل الشعب السوري لتحقيقها, وأن تعود بسرعة للعبة العلاقات الدولية القائمة على التوازن التي تحقق مصالح الشعب السوري مع الأخذ بالحسبان مصالح الآخرين دون اضطهاد ودون ابتزاز كما كان يفعل النظام, إذا أنه, وكما برهنت الأحداث, لا يمكن صياغة محتوى إقليمي جديد من العلاقات دون أن تحمل روحه حسا من العدالة.
�
سورية يجب أن لا تترك شعوبا أخرى تتعرض للإضطهاد على يد أنظمتها ولكن دون تطرف بسبب صعوباتها الداخلية ودون تصدير للثورات. فبعد تنظيم قدراتها يجب أن تكون سورية جزءا هاما من محيطها ومن روح العصر, وأن تكون قلب العروبة النابض ديمقراطياً مجدداً, وإلا أصبحت خارج عملية الإجماع على تنظيم علاقات دولية مختلفة في المنطقة. وقد لمّح الخطيب إلى ضرورة التعاضد العربي في المنطقة وأشار إلى دور الجامعة العربية في المستقبل بعد إعادة تأهيلها لتعكس ذلك الإجماع من خلال التفاهم والتعاون.
�إذا كان الشعب السوري قد تألم وضحى بالآلاف من الشهداء, فإنه وبكل تأكيد لن يقبل أن تذهب تضحياته سدى دون أن يعيد لسورية, كما داخليا, خارجيا ألقها وموقعها الهام. لقد اختفى الإجماع الذي كان ينجزه العقد الاجتماعي القائم على الخوف الذي ألصق مكونات الشعب السوري قسراً في لحمة وطنية زائفة. من الحيوي للشعب السوري أن يعيد صياغة العقد الإجتماعي الجديد الذي يصنع إجماعا للآراء يمنح الدولة المقدار الكافي من القدرة للإنطلاق نحو سياسة خارجية جديدة, بعد أن جرد العنف والكذب والقسوة المتزايدة الدولة من كل مصداقية في نظر شعبها. ولن يكون الإعتدال سمة ملحوظة إلا بفضل أولئك الرجال الأحرار الذين يمتلكون القدرة على اختيار الدرب الصحيح عندما تلوح لهم إمكانية الخيار. إن أولى بوادر ذلك الاعتدال جاءت بتصريح الخطيب إيثاره “الحل السياسي، توفيراً للمزيد من الدماء والخراب.. والتعامل من خلال عدالة انتقالية وتفاهم وطنيّ وحلّ سياسي واضح، يُقصي هذا النظام عن المزيد من التوحش والخراب”.
�سورية تحتاج إلى أن تسلك دربا لم تسلكها من قبل, وهو درب طويل وجديد ويحتاج إلى مخيلة خصبة, درب لم يعتده الشعب السوري سابقاً. وهنا يمكن أن يظهر الجيل الجديد من قادة سورية التي هي بحاجة لأن تكتشفهم, وهم الذين سينجحون في صياغة رأي عام وتشكيل اجماع ليأخذوا الشعب السوري إلى المستقبل بعيداً عن الإغراق في تأمل الذات والعقلية المحلية والإنغلاق عليها وبعيدا عن التطرف, واضعين حداً لإنزلاق موقع سورية بما يتماشى مع عظمتها وصلابة إرادة نسائها ورجالها الخيرة ومبادئهم. من الحيوي أن لا تذل سورية, وأن لا تتحطم عزيمتها. وعليها أن تحدد بدقة خياراتها القومية في ظل احترامها لنفسها, ولن تنجح في تحقيق ذلك الإحترام وعكسه لاحقا في سياسة خارجية معتدلة إلا بالمصالحة الداخلية والغفران واستيعاب كل مكوناتها الداخلية في عملية بناء مقدراتها. “وكلنا ثقة بأن شعب سورية سيقرر من سيحكمه وكيف سيحكمه، سيتفاهم أبناؤه ليعيشوا مع بعضهم”. إن مسالة الذهاب إلى المستقبل وثقة الشعب السوري بنفسه وإيمانه بمستقبله وبدولته هو أمر متعلق بنتيجة الأحداث وبوضع حد للنزاع الداخلي وبالشكل الذي ستتخذه الأمور في مرحلة ما بعد نهاية المأساة مع الإتفاق بأن “الفكر المتشدد هو نتيجة الظلم والفساد وعلينا أن نعالج المقدمات” على حد تعبير الخطيب.
� حين خرج معاذ الخطيب عن الأعراف الديبلوماسية مخاطباً الشعوب العربية من فوق رؤوس القادة العرب, ومعظمهم يحكمون أنظمة شمولية بطركية, موجهاً النصائح لهم بضرورة تحصين البلاد بالعدل والإنصاف وضروة زرع الحب في كل مكان, والإشارة إلى أن الشعوب تتوق إلى المزيد من الكرامة والعدل والمساواة, تكلم الخطيب بضمير الشعب العربي مطالباً اعتماد قرار بإطلاق صراح المعتقلين” ليكون يوم انتصار الثورة السورية في كسر حلقة الظلم هو يوم فرحة لكل شعوبنا”. معاذ الخطيب رفع مستوى التحدي أمام الشعب السوري وتعهد ضمناً بأن تكون خلاصة الثورة السورية هي الدولة المدنية الديمقراطية “لشعب متمدن اكتشف نفسه مع الثورة”. إن نجح الشعب السوري في ضخ عنصر الإعتدال في مرحلة ما بعد الأسد ستكون لسورية القوة الأخلاقية والمعنوية القادرة على تشجيع الشعوب العربية الأخرى في كفاحها لنيل حريتها وتقدمها وكرامتها, وستكون مفتاحاً هاما من مفاتيح العلاقات الدولية في منطقتنا. وقد يرتكز على قوتها كذلك عملية توحيد العالم العربي برمته مع الدول الكبرى فيه. ولنتذكر كيف أن دول العالم الحر سارعت مع بعض الدول العربية إلى مد يد العون للشعب السوري في رحلة خلاصه, فإن هو خان مبادئ ثورته السلمية الديمقراطية, وإن هو تحول إلى شكل آخر من أشكال الديكتاتورية والقمع والإضطهاد فلن يجد مستقبلاً من يمد له يد العون وسنخسر ذلك التعاطف والرصيد الأخلاقي للثورة السورية برمتها.
�إن “ما يجري في سورية هو عبارة عن صراع بين الحرية والعبودية، بين العدل والظلم”. لقد عمل النظام على تفكيك النسيج الإجتماعي السوري محاولاً إيقاظ أشباح الطائفية لحرف مسار الحراك إلى حرب أهلية يستغل هو نتائجها ويكون المستفيد الوحيد منها. إن ذلك العمل الأرعن المتمثل في محاولة حل عرى التعايش الأساسية للشعب السوري ستؤدي حتماً إلى حقن روح التطرف في الواقع السوري وستقودنا إلى اليأس والبربرية. الحفاظ على اللحمة الوطنية تحد حقيقي للشعب السوري ضمن إطار إحترام الآخر وخصوصيته الدينية والثقافية.
�لم يكن أحداً ليصدق أن الحراك السوري هو مؤامرة دنيئة تحاك ضد سورية من أطراف خارجية. إنه حراك سام يتطلع أولا للثورة على الذات وصياغة روح جديدة بالإرادة الخيرة للشباب والشابات الذين يواجهون آلة الموت يوميا بروح عالية بالرغم من ظروف سورية الحالية وتركيبتها الإجتماعية, لخلق واقع جديد في بلدهم. اعتقد أن لسورية المستقبل واجب كبير اتجاه تضحيات أولئك ومن واجب الجميع الوقوف بجانب سورية لشفاء جراحها وبناء نفسها وعقد مصالحتها مع ذاتها أولا , حتى تتفرغ لاحقاً لمهامها بين أقرانها من دول العالم بروح التعاون في صياغة علاقات دولية تقوم على التعايش وإحترام حقوق الإنسان والديمقراطية.
�
ديبلوماسي سابق
�
معاذ الخطيب شخصية كسبت ثقة الشارع وحظيت بتأييده نوعاً عن كل رموز المعارضة ومنحت بعضاً من التماسك والمصداقية للخطوة المتمثلة بإنهاء حقبة “المجلس الوطني السوري” وبداية حقبة “الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”. الرجل المنبري لاقى صعوبة في التوفيق بين ماضيه الكهنوتي والبيئة الجديدة التي وجد نفسه فيها من حيث متطلبات العمل السياسي والإستقطابات والتحالفات, الإ أنّه ظل وفياً لذاته وواعيا لمكنوناتها طوال فترة وجوده على رأس الإئتلاف الوطني.
�معاذ الخطيب ذو نوايا صادقة وهو مستعد للإستقالة كذلك, فكان رجل المرحلة بإمتياز بكل عاطفيتها واضطرابها فمزاجه يتوافق مع إيقاعها وقد تكلم وعبّر عن ضميرها بصدق وشفافية مطلقة أعطته ما له من مصداقية.
�معاذ الخطيب هو صاحب المبادرة الأشهر والأقوى والأكثر أهمية بشأن التفاوض مع نظام بشار الأسد بشروط. لقد كانت المبادرة خطوة ذكية وشجاعة وتتفق مع أبسط بديهيات الديبلوماسية المتمثلة في مبدأ استمراية التفاوض “”Continuity of Negotiations وفي زمن السلم أكثر مما هوعليه في زمن الحرب. لقد ساهمت مبادرة الخطيب بتحريك قوى المعارضة ومياهها الراكدة وعززت موقع الائتلاف وسحبت الذرائع من نظام الأسد وأحرجته وحلفاءه الروس وعرته ونقلت المعارضة إلى الهجوم. لا بل أجبرت قوى المعارضة على التجمع للأتفاق على تعريف عناصرها ومرجعياتها فأدخلت بعداً فكريا جديداً لسياسة الائتلاف الخارجية لم يكن موجوا قبلها. المهم أن المبادرة بقيت في حدودها التكتيكية ولم تنقل المعارضة إلى مرحلة إجراء حوار مع النظام يتحول إلى تسوية على حساب الثورة.
�معاذ الخطيب كان الشخصية الأبرز في دفع الأجندة السياسية للثورة السورية بما فيها من اضطراب حتى مرحلة الحكومة الإنتقالية التي يمكن لها أن تعلن عن نهاية مرحلة الإئتلاف, والخطيب أيضا كان الشخصية التي عبرت لأول مرة عن الأزمة التي تمر فيها الثورة السورية.
�والخطيب كذلك صاحب الكلمة القوية في اجتماع القمة العربية 2013 بالدوحة- قطر, وبالحديث عن ديبلوماسية معاذ الخطيب فإن قوة خطابه تأتي بالتحديد من لا ديبلوماسيته. يعي الرجل بأنه ليس ديبلوماسياً وبأنه خرج عن الأعراف الديبلوماسية على حد تعبيره في مواضع معينة. ولو تلى خطابه هذا في مرحلة غير هذه المرحلة لعزل نفسه وعزل سورية كذلك, كما فعلت خطابات بشار الأسد بصاحبها. لقد تحدث الخطيب بلسان حال الشعب السوري وليس حكومته: شعب مشرد مسجون ومقصوف ومذبوح بطريقة ممنهجة وواضحة.
�جاءت كلمات معاذ الخطيب من على مقعد سورية في جامعة الدول العربية لتقف مقابل اغتصاب النظام السوري للمعنى الحقيقي المختزن في كلمات مثل الشرف والهيبة (وخصوصا هيبة الدولة) والمصداقية, وإنسحابه من الحلبة الإقليمية والدولية بشكل مهين وبسرعة فائقة دلت على هشاشة انجازاته على صعيد السياسة الخارجية طوال الأعوام العشر المنصرمة, تاركاً وراءه خاصرة حلفائه مكشوفة وعرضه للخطر عندما واجه أدنى قدر من الصعوبات الداخلية التي لم يكن يحسب لها حساب, فأضعف لديه كل الفرص التي تمكنه من المشاركة في تنظيم العلاقات الدولية للمنطقة.
�
إن الدولة بحاجة لأدنى قدر من الإجماع الداخلي لصياغة سياستها الخارجية. لقد عبرت كلمة الخطيب حالياً عن هذا الإجماع السوري المرحلي على أجندة واحدة تتمثل في إسقاط نظام الأسد مع الإعتماد على الذات, ورفض هذا الإجماع للوصاية مع شكره وانفتاحه على المساعدة الخارجية حين طالب “باسم شعبنا المظلوم بالدعم في كل صوره وأشكاله، من كل أشقائنا وأصدقائنا، ومن ذلك الحق الكامل في الدفاع عن النّفس، ومقعد سورية في هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وتجميد أموال النظام التي نهبها من شعبنا، وتخصيصها لإعادة البناء والإعمار”.
�
كما تركت كلمة الخطيب لمنظمي السياسة الخارجية لسورية المستقبل نقاطاً هادية في بعض المواضع, أهمها القوة الأخلاقية والمعنوية ورمزية الشعب السوري بالنسبة لباقي لشعوب العربية والعلاقات الدولية في المنطقة. هذه الأمور لا يجب أن تمر مرور الكرام أو أن تغييب عن بال من سيتولى دفة السياسة الخارجية ورسم استراتيجيتها في المستقبل, وهذا ما تعنى به هذه المقالة بالتحديد: مستقبل السياسة الخارجية السورية في ضوء كلمة الخطيب مع بعض التوصيات.
�
لقد دفع الشعب السوري ,كما عبّر الخطيب ثمن حريته من دمه، كما أشار إلى أن قرار الشعب السوري ينبُع من مصالحه، وبأنه يرفض وصاية أيّة جهة في اتخاذ قراره، وأن ثورته صنيعة نفسها، والشعب السوري وحده هو الذي فجّرها وهو الذي سيقرر طريقها. إن عكس ما جرى أمر حيوي, فسورية بعد أن تستتب الأمور فيها سيكون عليها استعادة ثقتها بنفسها وثقة الآخرين بها. وأن تجدد التزامها بالعمل بحيوية للدفاع عن ذاتها بذاتها, وعن المبادئ الجديدة التي ناضل الشعب السوري لتحقيقها, وأن تعود بسرعة للعبة العلاقات الدولية القائمة على التوازن التي تحقق مصالح الشعب السوري مع الأخذ بالحسبان مصالح الآخرين دون اضطهاد ودون ابتزاز كما كان يفعل النظام, إذا أنه, وكما برهنت الأحداث, لا يمكن صياغة محتوى إقليمي جديد من العلاقات دون أن تحمل روحه حسا من العدالة.
�
سورية يجب أن لا تترك شعوبا أخرى تتعرض للإضطهاد على يد أنظمتها ولكن دون تطرف بسبب صعوباتها الداخلية ودون تصدير للثورات. فبعد تنظيم قدراتها يجب أن تكون سورية جزءا هاما من محيطها ومن روح العصر, وأن تكون قلب العروبة النابض ديمقراطياً مجدداً, وإلا أصبحت خارج عملية الإجماع على تنظيم علاقات دولية مختلفة في المنطقة. وقد لمّح الخطيب إلى ضرورة التعاضد العربي في المنطقة وأشار إلى دور الجامعة العربية في المستقبل بعد إعادة تأهيلها لتعكس ذلك الإجماع من خلال التفاهم والتعاون.
�إذا كان الشعب السوري قد تألم وضحى بالآلاف من الشهداء, فإنه وبكل تأكيد لن يقبل أن تذهب تضحياته سدى دون أن يعيد لسورية, كما داخليا, خارجيا ألقها وموقعها الهام. لقد اختفى الإجماع الذي كان ينجزه العقد الاجتماعي القائم على الخوف الذي ألصق مكونات الشعب السوري قسراً في لحمة وطنية زائفة. من الحيوي للشعب السوري أن يعيد صياغة العقد الإجتماعي الجديد الذي يصنع إجماعا للآراء يمنح الدولة المقدار الكافي من القدرة للإنطلاق نحو سياسة خارجية جديدة, بعد أن جرد العنف والكذب والقسوة المتزايدة الدولة من كل مصداقية في نظر شعبها. ولن يكون الإعتدال سمة ملحوظة إلا بفضل أولئك الرجال الأحرار الذين يمتلكون القدرة على اختيار الدرب الصحيح عندما تلوح لهم إمكانية الخيار. إن أولى بوادر ذلك الاعتدال جاءت بتصريح الخطيب إيثاره “الحل السياسي، توفيراً للمزيد من الدماء والخراب.. والتعامل من خلال عدالة انتقالية وتفاهم وطنيّ وحلّ سياسي واضح، يُقصي هذا النظام عن المزيد من التوحش والخراب”.
�سورية تحتاج إلى أن تسلك دربا لم تسلكها من قبل, وهو درب طويل وجديد ويحتاج إلى مخيلة خصبة, درب لم يعتده الشعب السوري سابقاً. وهنا يمكن أن يظهر الجيل الجديد من قادة سورية التي هي بحاجة لأن تكتشفهم, وهم الذين سينجحون في صياغة رأي عام وتشكيل اجماع ليأخذوا الشعب السوري إلى المستقبل بعيداً عن الإغراق في تأمل الذات والعقلية المحلية والإنغلاق عليها وبعيدا عن التطرف, واضعين حداً لإنزلاق موقع سورية بما يتماشى مع عظمتها وصلابة إرادة نسائها ورجالها الخيرة ومبادئهم. من الحيوي أن لا تذل سورية, وأن لا تتحطم عزيمتها. وعليها أن تحدد بدقة خياراتها القومية في ظل احترامها لنفسها, ولن تنجح في تحقيق ذلك الإحترام وعكسه لاحقا في سياسة خارجية معتدلة إلا بالمصالحة الداخلية والغفران واستيعاب كل مكوناتها الداخلية في عملية بناء مقدراتها. “وكلنا ثقة بأن شعب سورية سيقرر من سيحكمه وكيف سيحكمه، سيتفاهم أبناؤه ليعيشوا مع بعضهم”. إن مسالة الذهاب إلى المستقبل وثقة الشعب السوري بنفسه وإيمانه بمستقبله وبدولته هو أمر متعلق بنتيجة الأحداث وبوضع حد للنزاع الداخلي وبالشكل الذي ستتخذه الأمور في مرحلة ما بعد نهاية المأساة مع الإتفاق بأن “الفكر المتشدد هو نتيجة الظلم والفساد وعلينا أن نعالج المقدمات” على حد تعبير الخطيب.
� حين خرج معاذ الخطيب عن الأعراف الديبلوماسية مخاطباً الشعوب العربية من فوق رؤوس القادة العرب, ومعظمهم يحكمون أنظمة شمولية بطركية, موجهاً النصائح لهم بضرورة تحصين البلاد بالعدل والإنصاف وضروة زرع الحب في كل مكان, والإشارة إلى أن الشعوب تتوق إلى المزيد من الكرامة والعدل والمساواة, تكلم الخطيب بضمير الشعب العربي مطالباً اعتماد قرار بإطلاق صراح المعتقلين” ليكون يوم انتصار الثورة السورية في كسر حلقة الظلم هو يوم فرحة لكل شعوبنا”. معاذ الخطيب رفع مستوى التحدي أمام الشعب السوري وتعهد ضمناً بأن تكون خلاصة الثورة السورية هي الدولة المدنية الديمقراطية “لشعب متمدن اكتشف نفسه مع الثورة”. إن نجح الشعب السوري في ضخ عنصر الإعتدال في مرحلة ما بعد الأسد ستكون لسورية القوة الأخلاقية والمعنوية القادرة على تشجيع الشعوب العربية الأخرى في كفاحها لنيل حريتها وتقدمها وكرامتها, وستكون مفتاحاً هاما من مفاتيح العلاقات الدولية في منطقتنا. وقد يرتكز على قوتها كذلك عملية توحيد العالم العربي برمته مع الدول الكبرى فيه. ولنتذكر كيف أن دول العالم الحر سارعت مع بعض الدول العربية إلى مد يد العون للشعب السوري في رحلة خلاصه, فإن هو خان مبادئ ثورته السلمية الديمقراطية, وإن هو تحول إلى شكل آخر من أشكال الديكتاتورية والقمع والإضطهاد فلن يجد مستقبلاً من يمد له يد العون وسنخسر ذلك التعاطف والرصيد الأخلاقي للثورة السورية برمتها.
�إن “ما يجري في سورية هو عبارة عن صراع بين الحرية والعبودية، بين العدل والظلم”. لقد عمل النظام على تفكيك النسيج الإجتماعي السوري محاولاً إيقاظ أشباح الطائفية لحرف مسار الحراك إلى حرب أهلية يستغل هو نتائجها ويكون المستفيد الوحيد منها. إن ذلك العمل الأرعن المتمثل في محاولة حل عرى التعايش الأساسية للشعب السوري ستؤدي حتماً إلى حقن روح التطرف في الواقع السوري وستقودنا إلى اليأس والبربرية. الحفاظ على اللحمة الوطنية تحد حقيقي للشعب السوري ضمن إطار إحترام الآخر وخصوصيته الدينية والثقافية.
�لم يكن أحداً ليصدق أن الحراك السوري هو مؤامرة دنيئة تحاك ضد سورية من أطراف خارجية. إنه حراك سام يتطلع أولا للثورة على الذات وصياغة روح جديدة بالإرادة الخيرة للشباب والشابات الذين يواجهون آلة الموت يوميا بروح عالية بالرغم من ظروف سورية الحالية وتركيبتها الإجتماعية, لخلق واقع جديد في بلدهم. اعتقد أن لسورية المستقبل واجب كبير اتجاه تضحيات أولئك ومن واجب الجميع الوقوف بجانب سورية لشفاء جراحها وبناء نفسها وعقد مصالحتها مع ذاتها أولا , حتى تتفرغ لاحقاً لمهامها بين أقرانها من دول العالم بروح التعاون في صياغة علاقات دولية تقوم على التعايش وإحترام حقوق الإنسان والديمقراطية.
�
ديبلوماسي سابق