سوريا اليوم
مراسل صقور الأبداع من سوريا
ميس الكريدي : كلنا شركاء
�
أغرمت بالحكايات الروسية في طفولتي ..طبيعي جدا عندما يكون الوالد ماركسيا مثقفا..
زينت أحلامي بذلك الأدب الناعم الذي يعنى بحكايات الأطفال..
مددت يدي في جيبي لأجد خمس جنيهات وزر مقطوع من معطفي ..أما الجنيهات فمن بقايا ما حملته من مصر وأما الزر فقد ذكرني بطاقية غوغتسي..غوغتسي طفل حكاية من موروثي السفياتي يوم كنت أظن بوابة العالم تفتحها المظلة الاشتراكية التي حفظت لأجلها حكايات بريست وانتحبت على أبطالها يقاومون ليحيا الوطن …..الآن بعد كل هذا..
�هل عاش الوطن ؟؟ أم متنا نحن والوطن؟؟
..غوغتسي كان يريد أن يشتري هدية عيد الأم ويعد أمام البائعة كوبيكاته الخمس والزر , ويتنهد أمام البائعة وينظر للهدية التي يريدها …وتبتسم البائعة دون أن تفهم ما أراده الصبي..هي عادتنا نحن الكبار� أن لا نفهم ..
لا أعرف ما لذي ربط بيني وبين غوغتسي هذا الصباح وحكايته التي قرأتها منذ ربع قرن.. ومازالت عينيه �على الورق تحدقان بي , وغلاف الحكاية الأخضر كأنما أتصفحها الآن وكأنني تلك الطفلة..
يجن جنون طفولتي هذه الأيام تحنو علي حكايتها وأندم لكل دقيقة فاتت يومها لم أتمسح بذيل ثوبك ماما..
ابني وابنتي هناك في عمق جرحي وأشعر إني لست أمهما وإنما طفلة شاردة تبحث عن طيفهما لنلعب معا بالطين أمام بيتنا القديم في شوارع جرمانا التي تغرق في الوحل كل شتاء …..
قرأت كثيرا بعدها وتنقلت على هوامش روايات عاطفية وسياسية� واجتماعية لكني بقيت هناك بين سريوجا وغوغتسي..
سريوجا وحكاية تكتبها امرأة استطاعت أن تعلمني الأمومة قبل أواني وأن تعيدني طفلة� وقت أحتاج نضجي..هكذا أقيم الحكايات بعمق التصاقها بوجداني..
ابني اليوم سريوجا الذي تريد أمه أن تغادره …لكنها ما فعلت وأنا فعلت..
أغلقت هاتفا بيني وبينه عصفوري الذاهب لمدرسته دون وداعي ودون انتظاري ..وعلى نفسي هطلت بكاءا ونحيبا وكفرا بحياتي…حبيبي يابني اجتهدت أن أكتم شهقتي عنك وفعلتها لكن صوت أمي عندما سحبت من يده سماعة الهاتف شق روحي فانهمرت..
لن تنفع حكاياتي يوما للطفولة …فأنا مرثاة ومرساة ألم ونواحة على نوح النائحين ..ولهم وعد منا أن نصنع لأجلهم ابتسامة..
ارتديت نظارتي الشمسية وثيابي الأقرب للثياب الرسمية وحملت كمبيوتري على كتفي وخرجت أبحث عن النسيان في باريس ..
لا أصدق عيني إني في مدينة الحلم ..لكن قلبي يعضه الشوق…ويقولون لي عهدك بالغربة قريب وأقول لهم إني من يوم ولدت في أرض الظلم غريبة ..وباريس تحترم إنسانيتي لكنها لا تسمع أنيني ولا تعرف وجعي ولا تشبه قلبي المعطر بالنعنع ..وليس فيها من يقرأ سوريتي ولا من يسألني عن طفلين من مليون طفل في بلدي سرق الشيطان طفولتهم..
على قارعة مقهى في شارل ميشيل ..ينظر إلي نادل فرنسي ربما يكون صاحب المكان ويقول ماذا تشربين لا يمكنك أن تجلسي هنا طوال بعد الظهر دون أن تشربي شيئا..
وأتساءل لماذا لم يحدث معي هذا من قبل ؟؟ هل لأن النادل الآخر _وهو جزائري أو مغربي أو تونسي _كلمني بالعربية , أم أن مظهري يوحي بالتسكع ..أم إن شحوبي ليس مرغوبا به في مدينة الغرباء؟؟
أخرج موبايلي لأحث الوقت أن يمشي ..ولو إني أخاف الليل فهو طويل جدا علي..عندي موعد في الساعة الخامسة , الساعة الآن� اثنين بعد الظهر وأنا أكتب حكايتي..والظلام يحمل لي قنوات تلفزيونية لا أفهمها والنت لم يصل بعد لحجرتي فتضيق علي دنياي بعيدا عنك وجعي وحبيبتي بلدي..لم أعد أتقن النوم من زمن ..
كلما رن هاتفي يفتح لي بابا في سدادة الصمت…..ولا أستطيع أن أكلم أحبتي فكل شيء هنا مدفوع باليورو وياحرام على ليرات أهلي اليتيمة ..كم نحن فقراء يا ولدي..
يا أطفالي الصغار هنا في السوبر ماركت تباع كل أنواع الشيكولاتة الراقية ..ويهل الطفل من مدرسته باحتفال عائلي وهناك� تتعلمون انتظار الموت وموسيقى الرصاص لأن جلادا اغتصبكم مني واغتصبني من خمسين عام..
وقفت بباب حديقة أنظر بورع القديسين متضرعة لكل السموات التي تجدي والتي لا تجدي أن يكون في ساحة القرية أرجوحة ذات شيخوخة أهزها لأصنع من حفيف حديدها جنة للطفل في غدي……
يقول لي صديقي العراقي: اخرجي من وهمك اننا بيادق في يد دول وحيتان كبار ووالله كلها كذبة ..وبلغته يكررها علي ((سيبك منها كلها قشمرة))
فليقشمروا علينا يا صاحبي …هل نملك إلا أن ننتظر نهاية لعبة القشمرة..
�
أغرمت بالحكايات الروسية في طفولتي ..طبيعي جدا عندما يكون الوالد ماركسيا مثقفا..
زينت أحلامي بذلك الأدب الناعم الذي يعنى بحكايات الأطفال..
مددت يدي في جيبي لأجد خمس جنيهات وزر مقطوع من معطفي ..أما الجنيهات فمن بقايا ما حملته من مصر وأما الزر فقد ذكرني بطاقية غوغتسي..غوغتسي طفل حكاية من موروثي السفياتي يوم كنت أظن بوابة العالم تفتحها المظلة الاشتراكية التي حفظت لأجلها حكايات بريست وانتحبت على أبطالها يقاومون ليحيا الوطن …..الآن بعد كل هذا..
�هل عاش الوطن ؟؟ أم متنا نحن والوطن؟؟
..غوغتسي كان يريد أن يشتري هدية عيد الأم ويعد أمام البائعة كوبيكاته الخمس والزر , ويتنهد أمام البائعة وينظر للهدية التي يريدها …وتبتسم البائعة دون أن تفهم ما أراده الصبي..هي عادتنا نحن الكبار� أن لا نفهم ..
لا أعرف ما لذي ربط بيني وبين غوغتسي هذا الصباح وحكايته التي قرأتها منذ ربع قرن.. ومازالت عينيه �على الورق تحدقان بي , وغلاف الحكاية الأخضر كأنما أتصفحها الآن وكأنني تلك الطفلة..
يجن جنون طفولتي هذه الأيام تحنو علي حكايتها وأندم لكل دقيقة فاتت يومها لم أتمسح بذيل ثوبك ماما..
ابني وابنتي هناك في عمق جرحي وأشعر إني لست أمهما وإنما طفلة شاردة تبحث عن طيفهما لنلعب معا بالطين أمام بيتنا القديم في شوارع جرمانا التي تغرق في الوحل كل شتاء …..
قرأت كثيرا بعدها وتنقلت على هوامش روايات عاطفية وسياسية� واجتماعية لكني بقيت هناك بين سريوجا وغوغتسي..
سريوجا وحكاية تكتبها امرأة استطاعت أن تعلمني الأمومة قبل أواني وأن تعيدني طفلة� وقت أحتاج نضجي..هكذا أقيم الحكايات بعمق التصاقها بوجداني..
ابني اليوم سريوجا الذي تريد أمه أن تغادره …لكنها ما فعلت وأنا فعلت..
أغلقت هاتفا بيني وبينه عصفوري الذاهب لمدرسته دون وداعي ودون انتظاري ..وعلى نفسي هطلت بكاءا ونحيبا وكفرا بحياتي…حبيبي يابني اجتهدت أن أكتم شهقتي عنك وفعلتها لكن صوت أمي عندما سحبت من يده سماعة الهاتف شق روحي فانهمرت..
لن تنفع حكاياتي يوما للطفولة …فأنا مرثاة ومرساة ألم ونواحة على نوح النائحين ..ولهم وعد منا أن نصنع لأجلهم ابتسامة..
ارتديت نظارتي الشمسية وثيابي الأقرب للثياب الرسمية وحملت كمبيوتري على كتفي وخرجت أبحث عن النسيان في باريس ..
لا أصدق عيني إني في مدينة الحلم ..لكن قلبي يعضه الشوق…ويقولون لي عهدك بالغربة قريب وأقول لهم إني من يوم ولدت في أرض الظلم غريبة ..وباريس تحترم إنسانيتي لكنها لا تسمع أنيني ولا تعرف وجعي ولا تشبه قلبي المعطر بالنعنع ..وليس فيها من يقرأ سوريتي ولا من يسألني عن طفلين من مليون طفل في بلدي سرق الشيطان طفولتهم..
على قارعة مقهى في شارل ميشيل ..ينظر إلي نادل فرنسي ربما يكون صاحب المكان ويقول ماذا تشربين لا يمكنك أن تجلسي هنا طوال بعد الظهر دون أن تشربي شيئا..
وأتساءل لماذا لم يحدث معي هذا من قبل ؟؟ هل لأن النادل الآخر _وهو جزائري أو مغربي أو تونسي _كلمني بالعربية , أم أن مظهري يوحي بالتسكع ..أم إن شحوبي ليس مرغوبا به في مدينة الغرباء؟؟
أخرج موبايلي لأحث الوقت أن يمشي ..ولو إني أخاف الليل فهو طويل جدا علي..عندي موعد في الساعة الخامسة , الساعة الآن� اثنين بعد الظهر وأنا أكتب حكايتي..والظلام يحمل لي قنوات تلفزيونية لا أفهمها والنت لم يصل بعد لحجرتي فتضيق علي دنياي بعيدا عنك وجعي وحبيبتي بلدي..لم أعد أتقن النوم من زمن ..
كلما رن هاتفي يفتح لي بابا في سدادة الصمت…..ولا أستطيع أن أكلم أحبتي فكل شيء هنا مدفوع باليورو وياحرام على ليرات أهلي اليتيمة ..كم نحن فقراء يا ولدي..
يا أطفالي الصغار هنا في السوبر ماركت تباع كل أنواع الشيكولاتة الراقية ..ويهل الطفل من مدرسته باحتفال عائلي وهناك� تتعلمون انتظار الموت وموسيقى الرصاص لأن جلادا اغتصبكم مني واغتصبني من خمسين عام..
وقفت بباب حديقة أنظر بورع القديسين متضرعة لكل السموات التي تجدي والتي لا تجدي أن يكون في ساحة القرية أرجوحة ذات شيخوخة أهزها لأصنع من حفيف حديدها جنة للطفل في غدي……
يقول لي صديقي العراقي: اخرجي من وهمك اننا بيادق في يد دول وحيتان كبار ووالله كلها كذبة ..وبلغته يكررها علي ((سيبك منها كلها قشمرة))
فليقشمروا علينا يا صاحبي …هل نملك إلا أن ننتظر نهاية لعبة القشمرة..