الرد على الموضوع


                          وجاءت العشر

             

هاهي العشر الأواخر من رمضان على الأبواب ،

ها هي خلاصة رمضان ،و زبدة رمضان ، و تاج رمضان قد قدمت .


فيا ترى كيف نستقبلها ؟ 

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص هذه العشر الأواخر بعدة أعمال . 

 

ففي الصحيحين من حديث عائشة : 

( كان رسول الله إذا دخلت العشر شد مئزره و أحيا ليله و أيقظ أهله )

و لفظ لمسلم : ( أحيا ليله و أيقظ أهله ) 


و لها عند مسلم : ( كان رسول الله يجتهد في العشر ما لا يجتهد غي غيرها ) 


و لها في الصحيحين : ( أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ). 


و في الصحيحين من حديث أبي هريرة :

( نهى رسول الله عن الوصال في الصوم فقال له رجل من المسلمين :


إنك تواصل يا رسول الله ؟ 

قال : و أيكم مثلي إني أبيت عند ربي يطعمني و يسقيني ). 

 

فمن هذه الأحاديث نرى أن النبي كان يجتهد بالأعمال التالية : 

1- أيقاظ أهله : و ما ذاك إلا شفقة و رحمة بهم حتى لا يفوتهم هذا الخير في هذه الليالي العشر . 


2- إحياء الليل : فإنه إذا كان رمضان كان يقوم و ينام ، 

حتى إذا ما دخلت العشر الأواخر أحيا الليل كله أو جله ،

فقد أخرج أصحاب السنن بإسناد صحيح من حديث أبي ذر رضي الله عنه :

(صمنا مع رسول الله في رمضان فلم يقم بنا شيئا منه حتى بقي سبع ليال ، 

فقام بنا السابعة حتى مضى نحو من ثلث الليل ،

ثم كانت التي تليها ... حتى كانت الثالثة فجمع أهله

و اجتمع الناس فقام حتى خشينا الفلاح . 

فقلت : و ما الفلاح ؟ قال : السحور . 


3- شد المئزر : و المراد به اعتزال النساء كما فسره سفيان الثوري و غيره . 


4- الاعتكاف : و هو لزوم المسجد للعبادة و تفريغ القلب للتفكر و الاعتبار . 


5- الوصال : وهو أنه صلى الله عليه و سلم كان لا يأكل شيئا أبدا لمدة أيام 

وهذا من خصائصه 

.ففي الصحيحين من حديث ابن عمر أن رسول الله واصل في رمضان 


فواصل الناس فنهاهم ، فقيل : إنك تواصل ،

فقال : ((إني لست مثلكم إني أُطعم و أُسقى)) ،

ولهما من حديث أبي هريرة (( و أيكم مثلي ، إني أبيت يطعمني ربي و يسقيني))


و عند مسلم من حديث أنس (( أن النبي نهاهم عن الوصال فأبوا أن ينتهوا ،

واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا اللهال 

فقال : ( لو تأخر لزتكم ) كالمنكل لهم .


وفي لفظ عند مسلم (( لو مد الشهر لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم ..))


فمن هذه الأحاديث نعلم أن الرسول كان يواصل الصيام في العشر الأواخر 

بدليل أنهم رأوا اللهال و هذا لا يكون إلا في آخر الشهر .

وأيضا شدة حرص الصحابة على الإقتداء به .

وأيضا أن المراد بالإطعام و السقاء ليس هو طعام وسقاء حقيقي

(( بل المراد ما يغذيه الله لنبيه من معارف و ما يفيض على قلبه

من لذة مناجاته و قرة عينه بقربه و تنعمه بحبه و الشوق إليه 


و توابع ذلك من الأحوال التي هي غذاء القلب و نعيم الروح

و قرة العين و بهجة النفوس و الروح و القلب 

بما هو أعظم غذاء و أجوده و أنفعه

حتى يغني عن غذاء الأجسام مدة من الزمن


و كما قيل 

لها أحاديث من ذكرك تشغلها *** عن الشراب و تلهيها عن الزاد 

لها بوجهك نور تستضيء به *** و من حديثك في أعقابها حادي 

إذا شكت من كلال السير أوعدها *** روح القدوم فتحيا عند ميعاد 

 

و من له أدنى تجربة و شوق يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب و الروح 

عن كثير من الغذاء الحيواني ،

و لا سيما المسرور الفرحان الظافر بمطلوبه الذي قرت عينه بمحبوبه ،

و تنعم بقربه ، و الرضى عنه ، و ألطاف محبوبه و هداياه

و تحفه تصل إليه كل وقت ، ومحبوبه حفي به ، 

معتنٍ بأمره ، مكرم له غاية الإكرام مع المحبة التامة له ،

أفليس في هذا أعظم غذاء لهذا المحب ؟ 

 

فكيف بالحبيب الذي لا أجل منه و أعظم ،

و لا أجمل و لا أكمل و لا أعظم إحسانا إذا امتلأ قلب المحب بحبه ،

و ملك حبه جميع أجزاء قلبه و جوارحه و تمكن حبه منه أعظم تمكن ،

وهذا حاله مع حبيبه ، أفليس هذا المحب عند حبيبه يطعمه و يسقيه ليلا و نهارا ؟

و لهذا قال (( إني أظل عند ربي يطعمني و يسقيني ))

و لو كان ذلك طعاما و شرابا للفم ، لما كان صائما فضلا عن كونه مواصلا )) اهـ . 


كلام ابن القيم من الزاد 

 

ترى أيه الأحبة : لماذا يفعل رسول الله كل هذا ؟ 

إنه يطلب تلك الليلة الزاهية ، تلك الليلة البهية ، ليلة القدر ،

ليلة نزول القرآن ، ليلة خير من ألف شهر . 

نعم إنها ليلة القدر : التي من قامها إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه

(كما في البخاري من حديث أبي هريرة ). 


إنها ليلة القدر التي إن وفقت لقيامها كتب لك كأنك عبدت الله أكثر من ( 83 ) عاما . 


إنها ليلة القدر : ليلة عتق و مباهاة ، وخدم و مناجاة ، و قربة و مصافاة . 

 

وآه لنا أن فاتتنا هذه الليلة . 

وا حسرتاه إن فاتتنا ليلة القدر . 

و كيف لا يتحسر من قد فاتته المغفرة ،

من فاته عبادة أكثر من ثلاث و ثمانين عاما ، 

إن من تفوته فهو المحروم ، وهو المطرود . 


عند ابن ماجة ( قال في صحيح الترغيب و الترهيب : حسن ) 

( إن هذا الشهر قد حضركم فيه ليلة خير من ألف شهر ، 

من حرمها فقد حرم الخير كله ، ولا يحرم خيرها إلا محروم ) 

 

إنها ليلة القدر

التي كان رسولنا يحث الصحابة على التماسها حثا شديدا . 

أيه الأحبة : 

إن إدراك ليلة القدر- و الله - لهو أمر سهل – على من سهل الله عليه –

و ما ذاك ألا بأن نقوم العشر الأواخر كلها و بهذا نضمن إدراك ليلة القدر بإذن الله . 

 

أيها الأحبة : 

أن قيام الليل هو دأب الصالحين و شعار المتقين و تاج الزاهدين ،

كم وردت فيه من آيات و أحاديث ،

وكم ذكرت فيه من فضائل ،

فكيف إذا كان في رمضان ، وفي العشر الأواخر منه حيث ليلة القدر . 

 

ماذا فاته من فاته قيام الليل ،

أما لكم همة تنافسون الحسن و الفضيل و سفيان . 

أما لكم همة كهمة التابعي أبي إدريس الخولاني 


حيث كان يقوم حتى تتورم قدماها و يقول :

و الله لننافسن أصحاب محمد على محمد صلى الله عليه وسلم

و حتى يعلموا أنهم خلفوا ورآهم رجالا . 

  

يا أيها الراقد كم ترقد *** قم يا حبيبا قد دنا الموعد 

و خذ من الليل و ساعاته *** حظا إذا هجع الرقد 

من نام حتى ينقي ليله *** لم يبلغ المنزل أو يجهد 

قل لذوي الألباب أهل التقى *** قنطرة العرض لكم موعد 

 

آه يا مسكين لو رأيت أقواما تركوا لذيذ النوم 

ففازوا بليلة القدر فهم في قبورهم منعمين ،

وغدا بين الحور العين جذلين ، وفي الجنان مخلدين .


آه لو رأيت من ترك قيام الليل ،

فهو في قبره ما بين حسرة و لوعة . 

يا عبد الله اهجر فراشك ، فإن الفرش غدا أمامك 

 

اهجر فراشك جوف الليل و ارم به *** ففي القبور إذا فوافيتها فرش 

ما شئت إن شئتها فرشا مرقشة *** أو رمضة فوقها السمومة الرقُشُ( الأفاعي ) 

هذا ينام قرير العين نائما *** و ذا عليه سخين العين ينتهش 

شتان بينهما وبين حالهما *** هل يستوي الري في الأحشاء و العطش 

قاموا و نمنا و كل في تقلبه *** لنفسه جاهدا يسعى و يجتوش 

ألئك الناس إن عد الكرام فهم *** و إن ترد دبشا فنحن ذا دبش


فيا عبد الله 

إن أردت لحاق السادة ، فاترك مخاللة الوسادة . 

 

يا ثقيل النوم : أما تنبهت ، الجنة فوقك تزخرف ، 

و النار تحتك توقد ، و القبر إلى جنبك يحفر ، 

و لربما يكون الكفن قد جهز . 

 

يا عبد الله : 

أمامك الجواهر و الدرر، أمامك ليلة القدر ،

فعلام تضيع الأعمار في الطين و المدر . 

 

يا طويل النوم : 

بادر قبل أن يفوتك ( تتجافى جنوبهم ) 

فتأتي يوم القيامة فلا تجد

( فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين ). 

 

فيا أخي : و الله أن العمر كله قصير ، فكيف بعشر ليال . 

آلا تستحق ليلة القدر أن نضحي من أجلها بعشر ليال فقط .


غدا يا عبد الله عندما يوفى الناس أعمالهم تحمد قيامك و صيامك . 

غدا يا عبد الله تفرح بتهجدك و صلاتك ، حين يتحسر أهل الغفلة . 

اللهم إنا نسأل أن تجعلنا من من يوفق قيام لليلة القدر و أنت أكرم الأكرم .         


عودة
أعلى