الدكتورة هدى
.:: إدارية الأقـسـام العامـة ::.
السلام عليكم
زائرينا الكرام
هاهو رمضان يمر عليك في كل عام.. وأنت فيه على احدى الحالين: اما أن تكون من المتزودين من خيراته ونفحاته.. الفائزين بثمرته الغالية ( العتق من النار ) واما أن تكون من المحرومين.. الغافلين.. الذين انصرم رمضان ولم يتزودوا من نفحاته ومن كان هذا حاله فهو المحروم حقاً...
الحمد لله الّذي زيَّن الشهور برمضان. وأودع فيه عظيم كرمه وواسع الغفران. وخصّ عباده المؤمنين بليلة القدر من سائر الأزمان. وأصلِّي وأسلِّم على النّبيّ من عدنان. وعلى آله وأصحابه وتابعيهم في الهدى والفرقان
في هذه الدّنيا سوقان.. سوقٌ فانيةٌ، بضائعها وما فيها إنّما هو للتّمتع في هذه الدّنيا أيّامًا معدودةً، وهي سوقٌ يغشاها الصّغير والكبير ويتنافس في حطامها الجميع.
وأما السوق الأخرى، فهي: السوق الباقية.. بضاعتها: طاعة الله -تعالى-.. وذكره -تبارك وتعالى-: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا
وكم هو غريبٌ أنّ هذه السوق لا يغشاها الا القليلون، وأمّا أكثر العباد فقد غفلوا عن بضاعتها.
كم هو محرومٌ من أقبل على تلك السّوق الفانية وغفل عن هذه السّوق الباقية.. وما علم هذا المحروم ومن هو مثلُه في الحرمان أنّه سيأتي يوم تصبح فيه بضائع هذه السّوق الباقية في غاية الغلاء بل لا يحصلها الا من أخذ حظه قبل الممات.. تلك هي التّجارة الرّابحة (تجارة الأعمال الصّالحة) فأين أنت منها؟.
إيّاك أن تكون من أولئك الّذين أتقنوا التجارة في متاع الدّنيا الزّائل.. وفشلوا في التّجارة الرابحة.. والبضاعة النّفيسة (الأعمال الصّالحة).
أتاك شهر التّجارة الرابحة..
ها أنت تستقبل شهر الرّحمة.. والغفران.. شهر موسم الصّالحات..
هل أنت من المبادرين الى الخيرات؟ وأنت تستنشق عبير الشّهر الزّاكي (شهر رمضان)؟
المبادرة الى الخيرات والصّالحات كنزٌ غالٍّ قليلٌ أولئك الّذين عرفوا غلاء قيمته..
"كم يضيع الأدمي من ساعاتٍ يفوته فيها الثّواب الجزيل وهذه الأيام مثل المزرعة، فكأنّه قيل للانسان: كلما بذرت حبة أخرجنا لك ألف كُرّ (مكيال ضخم) فهل يجوز للعاقل أن يتوقف في البذر ويتوانى؟" ابن الجوزي.
العجل... العجل.. البَدَار..البَدار.. قبل حلول قاطع الأعمار.. وهاذم الَّلذاذات والأوطار.. (الموت)
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
قال سعيد بن جبير -رحمه الله-: "سارعوا بالأعمال الصّالحة"، {إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} قال:"لذنوبكم".
قال رسول الله: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم. يصبح الرّجل مؤمنًا ويمسي كافرًا أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرضٍ من الدّنيا» [رواه مسلم 118].
أتاك شهر رمضان.. شهر سوق الأعمال الصّالحة قائمة فيه.. فبادر أخي.. وسارع في اغتنام أيامه.. لعلك لا تحيا لتدرك رمضانًا آخر.. قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: "كلّ شيءٍ من الخير يُبادر به".
هي أيام الطّاعات.. فلا تنقضي وحظك منها قليلًا.. فإيّاك أن تكون غدًا من النّادمين على ضياعها.. فلا تخلطنها بدنس المعاصي..
من فاته الزّرع في وقت البذار فما*** تراه يحصد الا الهمّ والنّدما
طوبى لمن كانت التّقوى بضاعتُه***في شهره وبحبل الله معتصما
غنيمة رمضان الغالية... العشر الأواخر
يمرُّ شهر رمضان المبارك بخيراته.. ونفحاته.. ويحمل بين طياته تلك اللؤلؤة النّادرة في عقده النّفيس.. (العشر الأواخر).
فيا لله وما فيها من الخيرات! ويا لله وما فيها من البركات!
لقد كان الص!الحون يعدّون الأيام عدًّا.. شوقًا لذلك الذّيل الزّاهي.. والخاتمة العطرة.. (العشر الأواخر من رمضان).
قال الإمام ابن رجب -رحمه الله-: "المحبون تطول عليهم الليالي فيعدونها عدًّا لانتظار ليالي العشر في كل عام، فاذا ظفروا بها نالوا مطلوبهم، وخدموا محبوبهم".
ها هو رمضان يمرُّ عليك في كلّ عامٍ.. وأنت فيه على احدى الحالين: إمّا أن تكون من المتزودين من خيراته ونفحاته.. الفائزين بثمرته الغالية (العتق من النّار)، وإمّا أن تكون من المحرومين.. الغافلين.. الّذين انصرم رمضان ولم يتزودوا من نفحاته ومن كان هذا حاله فهو المحروم حقًّا.
إن أغلى ما في هذا الشّهر المبارك تلك الايام المباركة (العشر الأواخر) وأغلى شيءٍ في (العشر الأواخر) تلك الليلة الجليلة (ليلة القدر).
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: «دخل رمضان فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: إنّ هذا الشّهر قد حضركم وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حُرِمها فقد حُرِم الخير كلّه، ولا يحرم خيرها إلا محرومٌ» [رواه ابن ماجه1341 وقال الألباني: حسن صحيح].
تلك هي (العشر الأواخر) من شهر الرّحمة.. والغفران.. من فاز بنفحاتها فهو الفائز حقًّا.. المفلح حقًّا.. السّعيد حقًّا..
كيف تحيا في نفحات العشر الأواخر من رمضان؟
إن لتلك العشر الأواخر بهاءُ وسناءُ الأيام الطّاهرة الَّلذان جعلهما الله -تعالى- لتلك المواسم الصّالحة شهر رمضان.. يوم الجمعة.. أيام العشر من ذي الحجة.. يوم عرفة... شهر الله المحرم.. يوم عاشوراء..
تلك هي مواسم الطّاعات تمرُّ عليك في كلّ عامٍ فهل تذكرت شرفها؟! هل غنمت الصّالحات فيها؟!
هناك الكثيرون من النّاس تمرُّ عليهم هذه المواسم وهم غافلون عن شرفها وفضلها ولا تجد فيهم من يحاسب نفسه على تفريطها واضاعتها لخيرات تلك المواسم، ولكن تجد هذا المحروم عارفًا.. متيقظًا لكلّ مالٍ يدخل جيبه متى دخل؟ ومتى خرج؟ وكم كان مقداره؟ وكم بقي منه؟
ها هي أيام العشر الفاضلة تزفُّ اليك لتقول لك: خذ نصيبك منّي قبل أن أرحل!
لقد مرت عليك هذه الغنيمة الباردة كثيرًا فكيف كنت تحيا أيامها؟ هل كنت فيها من العابدين المجتهدين؟ هل كنت فيها من المنقطعين عن الدنيا؟
إن أيام العشر الأواخر من هذا الشهر المبارك أيام جعلها الله -تعالى- فرصةً للعباد.. ليدركوا بها الدّرجات العالية عنده.. وينالوا بها خير الدّنيا والآخرة..
فلا غرابة اذا كان هذا حالها أن يجتهد فيها نبيّنا ما لا يجتهده في غيرها من الأيام وهو الّذي قد غُفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم، إذا دخل العشر، أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر» [رواه مسلم 1174]، وفي رواية لمسلم: عن عائشة -رضي الله عنها-: «كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره» [رواه مسلم 1175].
قال الإمام ابن حجر -رحمه الله-: "وفي الحديث الحرص على مداومة القيام في العشر الأخير، إشارة إلى الحث على تجويد الخاتمة".
ذاك هو نبيّك كان حريصًا على خير تلك الأيام وهو الأسوة الحسنة لأمّته {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
قال سفيان الثّوري -رحمه الله-: "أحب الي إذا دخل العشر الأواخر أن يتجهد بالليل، ويجتهد فيه، وينهض أهله وولده إلى الصّلاة إن أطاقوا ذلك".
أخي: كم وكم من النّاس تجدهم مفرطين مضيعين لخير هذه الأيام باللهو والعبث فتجدهم يستقبلونها استقبال مودع لرمضان وقد تجد بعضهم يحدث نفسه بالعودة إلى أيام اللهو والتّمتع باللذات المحرمة.
كم هم مساكين هؤلاء الّذين لم يتنبهوا الى هذه الغنيمة الإلهية الّتي جعلها الله -تعالى- خاتمةً جميلةً لأيام الشّهر المبارك (رمضان).. إن مثل العشر الأواخر في رمضان كمثل قوم شهدوا وليمةً فقدم لهم فيها ما لذّ وطاب من أنواع الطّعام ثمّ قدِّم لهم في نهاية وليمتهم أطيب مما قدِّم لهم في بدايتها فقدِّمت لهم أطباق الحلواء والفاكهة ولذائذ المحليات.. ليختموا وليمتهم بخير ختام.
كذاك العشر الأواخر فان من ضيعها فهو كمن شهد بداية تلك الوليمة وغاب عن نهايتها ففاتته نلك اللذائذ.. فإذا حدَّثه من شهدها ندم على أن لا يكون فيمن أصاب منها.
تجد الكثيرين من النّاس في أيام العشر الأواخر منصرفين للإعداد لأيام العيد حتى تضيع عليه تلك الأيام الغالية وهو مشغولٌ بالتّجول في الأسواق.
بإمكانك أن تعد ما تحتاج إليه من حاجيات العيد قبل دخول العشر الأواخر فإنّ في الوقت متسعٌ للتّفرغ لتلك الأيام المباركة وليس ذلك بالصّعب ولكن الكثيرين تعودوا أن يشغلوا أنفسهم بذلك في تلك الأيام المباركة مع العلم بأن الّذي يدخل السّوق في بداية رمضان يقضي حاجاته بكلّ ارتياحٍ، بعيدًا عن مشقة الزّحام، وما يترتب على ذلك من المفاسد الشّرعيّة، من اختلاطٍ، ونظرٍ محرمٍ وغير ذلك فلو فكر الكثيرون في ذلك لذهب عن الأسواق الزّحام، وتلك المفاسد الّتي تحدث غالبًا في نهاية الشّهر.
فلتجعل هذه العشر الأواخر خاتمةً حسنةً لشهر صومك. عسى الله -تعالى- أن يجعلك من أهل الخواتم الحسنة يوم لقائه.
لقد كان الصّالحون اذا دخلت العشر الأواخر من رمضان تهيأوا لها واستقبلوها بالطّهارة ظاهرًا وباطنًا، قال الإمام ابن جرير -رحمه الله-: "كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر".
وكان إبراهيم النّخعي -رحمه الله- يغتسل في العشر كلّ ليلةٍ.
أيعجزك أن تجتهد في عبادة ربّك -تعالى- عشرة أيام؟
إن اجتهدت في هذه الأيام العشر أدركت من الأجر والثّواب والخير الشّيء الكثير، فلا تحرم أخي نفسك هذا الخير وأنت تستطيع إدراكه فبإمكانك أخي إدراك خير هذه الأيام ولو بالاجتهاد القليل إن أخلصت لربّك -تعالى-..
إذا دخلت عليك أيام العشر فلتستقبلها بنيّةٍ صحيحةٍ عازمةٍ على اغتنامها وفعل الخيرات في أيامها.. وسل الله -تعالى- أن يعينك على ذلك..
وما التّوفيق إلا من عند الله -تعالى-، فهو نعم من سئل ونعم من أعطى -تبارك وتعالى-..
. هل جربت الاعتكاف؟
تسمع عن الاعتكاف كثيرًا.. فهل جربت مرة من المرات هذه السّنّة العظيمة؟
الاعتكاف من سنن الهدى التي كان النبي يفعلها، وواظب عليه حتى قبضه الله تعالى إليه. عن عائشة -رضي الله عنها-: «أنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفّاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده» [رواه البخاري 2026 ومسلم 1172].
أخي: إن أحلى ما في الاعتكاف أنّك تخلو بربّك -تعالى- فتتلذذ بمناجاته ودعائه.. فتحيا حياةً جديدةً بعيدةً عن أكدار الدّنيا ومشاغلها.
لا يعرف لذّة الاعتكاف الا من ذاقه.. فجربه أخي فستجد له حلاوة يلازمك شهدها عامك كلّه.
ومن فوائد الاعتكاف: تزكية النّفس وتطهيرها من أدرانها.. فإن من لزم باب ربّه -تعالى-عشرة أيام متوالية في بيت من بيوته -تعالى-، وفي شهره المبارك وفي العشر المباركة من الشهر المبارك فإن ذلك كافٍ في تطهير قلب المعتكف ونافعٌ له أن هو حافظ على تلك الآثار الطّيبة الّتي تنتج عن الاعتكاف من خشوعٍ، وخضوعٍ لله -تعالى-، وإقبالٍ، وحلاوةِ ذكرٍ، وتجريدٍ للعبادة..
ومن فوائده: تحري ليلة القدر، وهي أغلى ما في العشر الأواخر، ومن أجلها اعتكف المعتكف.. قالت عائشة -رضي الله عنها-:كان رسول الله يجاور في العشر الأواخر من رمضان. ويقول: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» رواه البخاري
فإن المعتكف من أكثر النّاس حظًّا من نفحات تلك الليلة المباركة، فيصادفها المعتكف قانتًا.. عابدًا.. ذاكرًا لله -تعالى-.. مع ما هو من الاستكانة والتّضرع والخضوع لله -تعالى-.
هذه بعض الثّمرات الّتي تجنيها من اعتكافك في هذه الأيّام المباركة.. وهنالك من الثّمرات ما لا يستطيع القلم وصفها من جلائل وأسرار هذه السّنّة المباركة..
فلتكن دومًا ذا عزيمةٍ صادقةٍ، وأحسن العزم ما كان في طاعة الله -تعالى-، فانفض عن كاهلك غبار الكسل.. وجرب هذا الدّواء العجيب (الاعتكاف) وليس من سمع أو رأى كمن جرب ونفعني الله وإيّاك بطاعاته..
لؤلؤة العشر الأواخر (ليلة القدر)
أخي المسلم: لقد أكرم الله -تعالى- أمّة محمّدٍ بليلة القدر، فكان العمل فيها خيرًا من العمل في ألف شهر.
أخي: هذه الليلة أمل المؤمنين.. وغاية الصّالحين..
فهل أنت أخي من الحريصين على خيرها؟
فيا لله كم في هذه الليلة المباركة من الخيرات والنّفحات {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3].
قال النّخعي -رحمه الله-: "العمل فيها خيرٌ من العمل في ألف شهر".
وقد وصف الله -تعالى- هذه الليلة بأنّها سلامٌ {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5].
قال قتادة -رحمه الله-: "إنّما هي بركة كلّها وخيرٌ الى مطلع الفجر"
وقال الضّحاك -رحمه الله-: "لا يقدرّ الله في تلك الليلة إلا السّلامة وفي سائر الليالي يقضي بالبلايا والسّلامة"، وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "إذا كان ليلة القدر لم تزل الملائكة تخفق بأجنحتها بالسّلام من الله والرّحمة من لدن صلاة المغرب إلى طلوع الفجر".
أنّها ليلة نزول الملائكة.. ليلة الخيرات.. ليلة النّفحات.. ليلة العتق من النّار.. ليلة الرحمة..
من فأتته هذه الليلة فهو المحروم حقًّا قال: «من حُرِمها فقد حُرِم الخير كلّه، ولا يحرم خيرها إلا محرومٌ» [رواه ابن ماجه1341 وقال الألباني: حسن صحيح]
ولعظمة هذه الليلة كان الصالحون يتهيأون لها ويستقبلونها كما يستقبلون الأعياد، كان لتميم الدّاري -رضي الله عنه- حلّةٌ اشتراها بألف درهم كان يلبسها في الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر.
وكان ثابت البناني وحميد الطّويل -رحمهما الله - يلبسان أحسن ثيابهما ويتطيبان، ويطيبون المسجد بأنواع الطّيب، في الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر.
ألا تحب أن تكون من المغفور لهم؟ ألا تحب أن تنال خيري الدّنيا والآخرة؟
إنّ ليلة القدر ليلة دعاء.. ليلة طلب الحاجات من ملك الملوك.. الغنيّ.. من بيده خزائن السماوات والأرض.. وقد سألت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- النّبيّ فقالت: «قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي اللهمّ إنّك عفوٌّ كريمٌ تحبّ العفو فاعفُ عنّي» [رواه التّرمذي 3513 وصححه الألباني].
اجعل طلب الغفران والعفو في تلك الليلة في مقدمة دعائك.. وسل الله -تعالى- المعافاة في الدّنيا والآخرة.. ولا تدخرنّ دعاءً فيه صلاحك من خير الدّنيا والآخرة..
ليلة القدر فرصة غالية في عمرك..فلا تمرن عليك وأنت غافلٌ.
وهل ترجو أخي من صيامك الا غفران الذّنوب.. والسّعادة في الدّنيا والآخرة؟
فإذا فاتتك أخي ليلة القدر فأي فائدة استفدتها من صومك؟
ليلة القدر ما هي إلا منحة إلهية، وعطيَّة ربانية ادخرها الله -تعالى- لعباده الصّائمين في نهاية صومهم وجعلني الله وإيّاك أخي من المقبولين في شهر الصّيام.. ومن المحظوظين بليلة القدر والتّمام.. ومن الهانئين في الدّارين على الدّوام..
وفى الختام لا يسعنى سوى الدعاء لكم وربنا يتقبل منا ومنكم صالح الاعمال
زائرينا الكرام
هاهو رمضان يمر عليك في كل عام.. وأنت فيه على احدى الحالين: اما أن تكون من المتزودين من خيراته ونفحاته.. الفائزين بثمرته الغالية ( العتق من النار ) واما أن تكون من المحرومين.. الغافلين.. الذين انصرم رمضان ولم يتزودوا من نفحاته ومن كان هذا حاله فهو المحروم حقاً...
الحمد لله الّذي زيَّن الشهور برمضان. وأودع فيه عظيم كرمه وواسع الغفران. وخصّ عباده المؤمنين بليلة القدر من سائر الأزمان. وأصلِّي وأسلِّم على النّبيّ من عدنان. وعلى آله وأصحابه وتابعيهم في الهدى والفرقان
في هذه الدّنيا سوقان.. سوقٌ فانيةٌ، بضائعها وما فيها إنّما هو للتّمتع في هذه الدّنيا أيّامًا معدودةً، وهي سوقٌ يغشاها الصّغير والكبير ويتنافس في حطامها الجميع.
وأما السوق الأخرى، فهي: السوق الباقية.. بضاعتها: طاعة الله -تعالى-.. وذكره -تبارك وتعالى-: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا
وكم هو غريبٌ أنّ هذه السوق لا يغشاها الا القليلون، وأمّا أكثر العباد فقد غفلوا عن بضاعتها.
كم هو محرومٌ من أقبل على تلك السّوق الفانية وغفل عن هذه السّوق الباقية.. وما علم هذا المحروم ومن هو مثلُه في الحرمان أنّه سيأتي يوم تصبح فيه بضائع هذه السّوق الباقية في غاية الغلاء بل لا يحصلها الا من أخذ حظه قبل الممات.. تلك هي التّجارة الرّابحة (تجارة الأعمال الصّالحة) فأين أنت منها؟.
إيّاك أن تكون من أولئك الّذين أتقنوا التجارة في متاع الدّنيا الزّائل.. وفشلوا في التّجارة الرابحة.. والبضاعة النّفيسة (الأعمال الصّالحة).
أتاك شهر التّجارة الرابحة..
ها أنت تستقبل شهر الرّحمة.. والغفران.. شهر موسم الصّالحات..
هل أنت من المبادرين الى الخيرات؟ وأنت تستنشق عبير الشّهر الزّاكي (شهر رمضان)؟
المبادرة الى الخيرات والصّالحات كنزٌ غالٍّ قليلٌ أولئك الّذين عرفوا غلاء قيمته..
"كم يضيع الأدمي من ساعاتٍ يفوته فيها الثّواب الجزيل وهذه الأيام مثل المزرعة، فكأنّه قيل للانسان: كلما بذرت حبة أخرجنا لك ألف كُرّ (مكيال ضخم) فهل يجوز للعاقل أن يتوقف في البذر ويتوانى؟" ابن الجوزي.
العجل... العجل.. البَدَار..البَدار.. قبل حلول قاطع الأعمار.. وهاذم الَّلذاذات والأوطار.. (الموت)
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
قال سعيد بن جبير -رحمه الله-: "سارعوا بالأعمال الصّالحة"، {إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} قال:"لذنوبكم".
قال رسول الله: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم. يصبح الرّجل مؤمنًا ويمسي كافرًا أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرضٍ من الدّنيا» [رواه مسلم 118].
أتاك شهر رمضان.. شهر سوق الأعمال الصّالحة قائمة فيه.. فبادر أخي.. وسارع في اغتنام أيامه.. لعلك لا تحيا لتدرك رمضانًا آخر.. قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: "كلّ شيءٍ من الخير يُبادر به".
هي أيام الطّاعات.. فلا تنقضي وحظك منها قليلًا.. فإيّاك أن تكون غدًا من النّادمين على ضياعها.. فلا تخلطنها بدنس المعاصي..
من فاته الزّرع في وقت البذار فما*** تراه يحصد الا الهمّ والنّدما
طوبى لمن كانت التّقوى بضاعتُه***في شهره وبحبل الله معتصما
غنيمة رمضان الغالية... العشر الأواخر
يمرُّ شهر رمضان المبارك بخيراته.. ونفحاته.. ويحمل بين طياته تلك اللؤلؤة النّادرة في عقده النّفيس.. (العشر الأواخر).
فيا لله وما فيها من الخيرات! ويا لله وما فيها من البركات!
لقد كان الص!الحون يعدّون الأيام عدًّا.. شوقًا لذلك الذّيل الزّاهي.. والخاتمة العطرة.. (العشر الأواخر من رمضان).
قال الإمام ابن رجب -رحمه الله-: "المحبون تطول عليهم الليالي فيعدونها عدًّا لانتظار ليالي العشر في كل عام، فاذا ظفروا بها نالوا مطلوبهم، وخدموا محبوبهم".
ها هو رمضان يمرُّ عليك في كلّ عامٍ.. وأنت فيه على احدى الحالين: إمّا أن تكون من المتزودين من خيراته ونفحاته.. الفائزين بثمرته الغالية (العتق من النّار)، وإمّا أن تكون من المحرومين.. الغافلين.. الّذين انصرم رمضان ولم يتزودوا من نفحاته ومن كان هذا حاله فهو المحروم حقًّا.
إن أغلى ما في هذا الشّهر المبارك تلك الايام المباركة (العشر الأواخر) وأغلى شيءٍ في (العشر الأواخر) تلك الليلة الجليلة (ليلة القدر).
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: «دخل رمضان فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: إنّ هذا الشّهر قد حضركم وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حُرِمها فقد حُرِم الخير كلّه، ولا يحرم خيرها إلا محرومٌ» [رواه ابن ماجه1341 وقال الألباني: حسن صحيح].
تلك هي (العشر الأواخر) من شهر الرّحمة.. والغفران.. من فاز بنفحاتها فهو الفائز حقًّا.. المفلح حقًّا.. السّعيد حقًّا..
كيف تحيا في نفحات العشر الأواخر من رمضان؟
إن لتلك العشر الأواخر بهاءُ وسناءُ الأيام الطّاهرة الَّلذان جعلهما الله -تعالى- لتلك المواسم الصّالحة شهر رمضان.. يوم الجمعة.. أيام العشر من ذي الحجة.. يوم عرفة... شهر الله المحرم.. يوم عاشوراء..
تلك هي مواسم الطّاعات تمرُّ عليك في كلّ عامٍ فهل تذكرت شرفها؟! هل غنمت الصّالحات فيها؟!
هناك الكثيرون من النّاس تمرُّ عليهم هذه المواسم وهم غافلون عن شرفها وفضلها ولا تجد فيهم من يحاسب نفسه على تفريطها واضاعتها لخيرات تلك المواسم، ولكن تجد هذا المحروم عارفًا.. متيقظًا لكلّ مالٍ يدخل جيبه متى دخل؟ ومتى خرج؟ وكم كان مقداره؟ وكم بقي منه؟
ها هي أيام العشر الفاضلة تزفُّ اليك لتقول لك: خذ نصيبك منّي قبل أن أرحل!
لقد مرت عليك هذه الغنيمة الباردة كثيرًا فكيف كنت تحيا أيامها؟ هل كنت فيها من العابدين المجتهدين؟ هل كنت فيها من المنقطعين عن الدنيا؟
إن أيام العشر الأواخر من هذا الشهر المبارك أيام جعلها الله -تعالى- فرصةً للعباد.. ليدركوا بها الدّرجات العالية عنده.. وينالوا بها خير الدّنيا والآخرة..
فلا غرابة اذا كان هذا حالها أن يجتهد فيها نبيّنا ما لا يجتهده في غيرها من الأيام وهو الّذي قد غُفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم، إذا دخل العشر، أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر» [رواه مسلم 1174]، وفي رواية لمسلم: عن عائشة -رضي الله عنها-: «كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره» [رواه مسلم 1175].
قال الإمام ابن حجر -رحمه الله-: "وفي الحديث الحرص على مداومة القيام في العشر الأخير، إشارة إلى الحث على تجويد الخاتمة".
ذاك هو نبيّك كان حريصًا على خير تلك الأيام وهو الأسوة الحسنة لأمّته {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
قال سفيان الثّوري -رحمه الله-: "أحب الي إذا دخل العشر الأواخر أن يتجهد بالليل، ويجتهد فيه، وينهض أهله وولده إلى الصّلاة إن أطاقوا ذلك".
أخي: كم وكم من النّاس تجدهم مفرطين مضيعين لخير هذه الأيام باللهو والعبث فتجدهم يستقبلونها استقبال مودع لرمضان وقد تجد بعضهم يحدث نفسه بالعودة إلى أيام اللهو والتّمتع باللذات المحرمة.
كم هم مساكين هؤلاء الّذين لم يتنبهوا الى هذه الغنيمة الإلهية الّتي جعلها الله -تعالى- خاتمةً جميلةً لأيام الشّهر المبارك (رمضان).. إن مثل العشر الأواخر في رمضان كمثل قوم شهدوا وليمةً فقدم لهم فيها ما لذّ وطاب من أنواع الطّعام ثمّ قدِّم لهم في نهاية وليمتهم أطيب مما قدِّم لهم في بدايتها فقدِّمت لهم أطباق الحلواء والفاكهة ولذائذ المحليات.. ليختموا وليمتهم بخير ختام.
كذاك العشر الأواخر فان من ضيعها فهو كمن شهد بداية تلك الوليمة وغاب عن نهايتها ففاتته نلك اللذائذ.. فإذا حدَّثه من شهدها ندم على أن لا يكون فيمن أصاب منها.
تجد الكثيرين من النّاس في أيام العشر الأواخر منصرفين للإعداد لأيام العيد حتى تضيع عليه تلك الأيام الغالية وهو مشغولٌ بالتّجول في الأسواق.
بإمكانك أن تعد ما تحتاج إليه من حاجيات العيد قبل دخول العشر الأواخر فإنّ في الوقت متسعٌ للتّفرغ لتلك الأيام المباركة وليس ذلك بالصّعب ولكن الكثيرين تعودوا أن يشغلوا أنفسهم بذلك في تلك الأيام المباركة مع العلم بأن الّذي يدخل السّوق في بداية رمضان يقضي حاجاته بكلّ ارتياحٍ، بعيدًا عن مشقة الزّحام، وما يترتب على ذلك من المفاسد الشّرعيّة، من اختلاطٍ، ونظرٍ محرمٍ وغير ذلك فلو فكر الكثيرون في ذلك لذهب عن الأسواق الزّحام، وتلك المفاسد الّتي تحدث غالبًا في نهاية الشّهر.
فلتجعل هذه العشر الأواخر خاتمةً حسنةً لشهر صومك. عسى الله -تعالى- أن يجعلك من أهل الخواتم الحسنة يوم لقائه.
لقد كان الصّالحون اذا دخلت العشر الأواخر من رمضان تهيأوا لها واستقبلوها بالطّهارة ظاهرًا وباطنًا، قال الإمام ابن جرير -رحمه الله-: "كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر".
وكان إبراهيم النّخعي -رحمه الله- يغتسل في العشر كلّ ليلةٍ.
أيعجزك أن تجتهد في عبادة ربّك -تعالى- عشرة أيام؟
إن اجتهدت في هذه الأيام العشر أدركت من الأجر والثّواب والخير الشّيء الكثير، فلا تحرم أخي نفسك هذا الخير وأنت تستطيع إدراكه فبإمكانك أخي إدراك خير هذه الأيام ولو بالاجتهاد القليل إن أخلصت لربّك -تعالى-..
إذا دخلت عليك أيام العشر فلتستقبلها بنيّةٍ صحيحةٍ عازمةٍ على اغتنامها وفعل الخيرات في أيامها.. وسل الله -تعالى- أن يعينك على ذلك..
وما التّوفيق إلا من عند الله -تعالى-، فهو نعم من سئل ونعم من أعطى -تبارك وتعالى-..
. هل جربت الاعتكاف؟
تسمع عن الاعتكاف كثيرًا.. فهل جربت مرة من المرات هذه السّنّة العظيمة؟
الاعتكاف من سنن الهدى التي كان النبي يفعلها، وواظب عليه حتى قبضه الله تعالى إليه. عن عائشة -رضي الله عنها-: «أنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفّاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده» [رواه البخاري 2026 ومسلم 1172].
أخي: إن أحلى ما في الاعتكاف أنّك تخلو بربّك -تعالى- فتتلذذ بمناجاته ودعائه.. فتحيا حياةً جديدةً بعيدةً عن أكدار الدّنيا ومشاغلها.
لا يعرف لذّة الاعتكاف الا من ذاقه.. فجربه أخي فستجد له حلاوة يلازمك شهدها عامك كلّه.
ومن فوائد الاعتكاف: تزكية النّفس وتطهيرها من أدرانها.. فإن من لزم باب ربّه -تعالى-عشرة أيام متوالية في بيت من بيوته -تعالى-، وفي شهره المبارك وفي العشر المباركة من الشهر المبارك فإن ذلك كافٍ في تطهير قلب المعتكف ونافعٌ له أن هو حافظ على تلك الآثار الطّيبة الّتي تنتج عن الاعتكاف من خشوعٍ، وخضوعٍ لله -تعالى-، وإقبالٍ، وحلاوةِ ذكرٍ، وتجريدٍ للعبادة..
ومن فوائده: تحري ليلة القدر، وهي أغلى ما في العشر الأواخر، ومن أجلها اعتكف المعتكف.. قالت عائشة -رضي الله عنها-:كان رسول الله يجاور في العشر الأواخر من رمضان. ويقول: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» رواه البخاري
فإن المعتكف من أكثر النّاس حظًّا من نفحات تلك الليلة المباركة، فيصادفها المعتكف قانتًا.. عابدًا.. ذاكرًا لله -تعالى-.. مع ما هو من الاستكانة والتّضرع والخضوع لله -تعالى-.
هذه بعض الثّمرات الّتي تجنيها من اعتكافك في هذه الأيّام المباركة.. وهنالك من الثّمرات ما لا يستطيع القلم وصفها من جلائل وأسرار هذه السّنّة المباركة..
فلتكن دومًا ذا عزيمةٍ صادقةٍ، وأحسن العزم ما كان في طاعة الله -تعالى-، فانفض عن كاهلك غبار الكسل.. وجرب هذا الدّواء العجيب (الاعتكاف) وليس من سمع أو رأى كمن جرب ونفعني الله وإيّاك بطاعاته..
لؤلؤة العشر الأواخر (ليلة القدر)
أخي المسلم: لقد أكرم الله -تعالى- أمّة محمّدٍ بليلة القدر، فكان العمل فيها خيرًا من العمل في ألف شهر.
أخي: هذه الليلة أمل المؤمنين.. وغاية الصّالحين..
فهل أنت أخي من الحريصين على خيرها؟
فيا لله كم في هذه الليلة المباركة من الخيرات والنّفحات {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3].
قال النّخعي -رحمه الله-: "العمل فيها خيرٌ من العمل في ألف شهر".
وقد وصف الله -تعالى- هذه الليلة بأنّها سلامٌ {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5].
قال قتادة -رحمه الله-: "إنّما هي بركة كلّها وخيرٌ الى مطلع الفجر"
وقال الضّحاك -رحمه الله-: "لا يقدرّ الله في تلك الليلة إلا السّلامة وفي سائر الليالي يقضي بالبلايا والسّلامة"، وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "إذا كان ليلة القدر لم تزل الملائكة تخفق بأجنحتها بالسّلام من الله والرّحمة من لدن صلاة المغرب إلى طلوع الفجر".
أنّها ليلة نزول الملائكة.. ليلة الخيرات.. ليلة النّفحات.. ليلة العتق من النّار.. ليلة الرحمة..
من فأتته هذه الليلة فهو المحروم حقًّا قال: «من حُرِمها فقد حُرِم الخير كلّه، ولا يحرم خيرها إلا محرومٌ» [رواه ابن ماجه1341 وقال الألباني: حسن صحيح]
ولعظمة هذه الليلة كان الصالحون يتهيأون لها ويستقبلونها كما يستقبلون الأعياد، كان لتميم الدّاري -رضي الله عنه- حلّةٌ اشتراها بألف درهم كان يلبسها في الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر.
وكان ثابت البناني وحميد الطّويل -رحمهما الله - يلبسان أحسن ثيابهما ويتطيبان، ويطيبون المسجد بأنواع الطّيب، في الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر.
ألا تحب أن تكون من المغفور لهم؟ ألا تحب أن تنال خيري الدّنيا والآخرة؟
إنّ ليلة القدر ليلة دعاء.. ليلة طلب الحاجات من ملك الملوك.. الغنيّ.. من بيده خزائن السماوات والأرض.. وقد سألت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- النّبيّ فقالت: «قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي اللهمّ إنّك عفوٌّ كريمٌ تحبّ العفو فاعفُ عنّي» [رواه التّرمذي 3513 وصححه الألباني].
اجعل طلب الغفران والعفو في تلك الليلة في مقدمة دعائك.. وسل الله -تعالى- المعافاة في الدّنيا والآخرة.. ولا تدخرنّ دعاءً فيه صلاحك من خير الدّنيا والآخرة..
ليلة القدر فرصة غالية في عمرك..فلا تمرن عليك وأنت غافلٌ.
وهل ترجو أخي من صيامك الا غفران الذّنوب.. والسّعادة في الدّنيا والآخرة؟
فإذا فاتتك أخي ليلة القدر فأي فائدة استفدتها من صومك؟
ليلة القدر ما هي إلا منحة إلهية، وعطيَّة ربانية ادخرها الله -تعالى- لعباده الصّائمين في نهاية صومهم وجعلني الله وإيّاك أخي من المقبولين في شهر الصّيام.. ومن المحظوظين بليلة القدر والتّمام.. ومن الهانئين في الدّارين على الدّوام..
وفى الختام لا يسعنى سوى الدعاء لكم وربنا يتقبل منا ومنكم صالح الاعمال