أسئلة الأعضاء
عضوية طرح الأسئلة
التفاصيل
المؤلف:
لستُ من هواة التقليب في الأوراق الشخصية لأناس رحلوا عن الحياة لأجل تحقيق انفراد صحفي أو بعثرة أسرار أناسٍ نحبهم، بقدر ما هو بحث عن ذلك الزمن الجميل الذي طوى رغمًا عنا، وفرّ من عمرنا رغمًا عنا، ولم يعد مرة أخرى.
رسائل تختبئ في حقائب قديمة، أو بين ركام كراكيب متربة، أو ملقاة بإهمال في "السندرة"، أو ملقاة على الأرض في حجرة مهجورة، أو موضوعة على "رف" نسيه أصحاب البيت من سنواتٍ طوال... لكن التقليب فيها.. إمساكها باليد.. مجرد مرور العين عليها؛ يفتح آلافًا من الضحكات والأحزان والدمعات والصور.
الأوراق هي التي يتعرى الإنسان أمامها متجردًا من كل شيء ليبوح بما لا يستطيع أن يقوله لأحد.. وهو ما لاحظته مثلاً في الرسائل المتبادلة بين إحسان عبد القدوس وروز اليوسف.. تحس أن إحسان صاحب المقالات الساخنة التي فجرت قضية الأسلحة الفاسدة، وصاحب المقال الشهير "الجمعية السرية التي تحكم مصر" عن رجال ثورة يوليو، وصاحب الروايات التي لا تحصى؛ بعالمها القصصي الخاص بها؛ بأشخاصها الذين يتحكم في مصيرهم إحسان وحده؛ تحس أنه طفل صغير يركض على شاطئ نهر وهو يكتب إلى أمه: (... كنتُ أراكِ جميلة طول عمري، وما زلتُ حتى اليوم أراكِ بضفائر طويلة في لون الذهب، وبشرتك في لون اللبن المخلوط بعصير الورد، وعيناكِ في لون الربيع تنبضان بالحياة والحنان، وشفتاكِ فيهما رحمة وكبرياء.. ما زلت تضحكين كطفلة، وما زلت تتحدثين كصبية لم تنزل بعد إلى زحام الحياة، وما زلت تعاملين الناس في تواضع وسذاجة )… إنها قصة حب بين ابن وأمه، فهو يتغزل في عينيها وشفتيها وحنانها.
كذلك البطل القائم مقام يوسف صديق صاحب الشرارة الأولى التي اندلعت في ثورة 23 يوليو 1952 والذي لولاه ما ارتدت مصر ثوب حريتها؛ تجده يكتب إلى زوجته سنة 1936: (إنني تعبت من إرسال قبلاتي إليك –وأود أن أقبلك فعلاً– فليس القول كالعمل.. إذن سنبدأ شهر العسل من جديد، وسنبدأ حياتنا الزوجية من جديد، فكل ما مضى لا أعترف أنا به، ولا أسجله على نفسي مهما كان فيه من مزايا، وعليكِ أن تعتبري نفسك الآن خطيبتي، وأن موعد زفافنا هو أول يوليو 1936 لا 4 إبريل 1935...). هو شاعر وأديب وفارس من ضباط مصر الأحرار الذي أشعل شمعة الحرية ومضى لا يريد جاهًا ولا مالاً.. ولكن ظلت سيرته الحسنة.
كذلك تجد الرئيس الراحل أنور السادات يكتب إلى أولاده بكل خفة دم : (وحشتوني يا غجر يا أولاد الغجر.. سأفسحكم بسيارة عمكم جمال..)
وتُصدم حين تطلع على رسائل أشهر رئيس مخابرات عربي يكتبها من المعتقل لأولاده، فإذا بها مليئة بذكر الله سبحانه وتعالى وآيات كتابه الكريم، رغم أننا لم نقرأ عن صلاح نصر إلا قصصًا مليئة بالنساء والتجسس والفضائح. إن هناك حياة أخرى لهؤلاء الناس قد تكون هي الحقيقة التي لا نعرفها.. والتي تتضح من الرسائل الخاصة بهم.. ولا أعرف من الذي فعل بصلاح نصر كل هذا؟!
أما المفاجأة فكانت في رسائل محمد كريم مخرج كل أفلام محمد عبد الوهاب، ويوسف وهبي الذي يطلب ألف ليرة سلف ودين من محمد كريم، وكتابات كريم إلى فكري أباظة وكامل الشناوي والشيخ محمد رفعت وغيرهم... حوالي 24 رسالة تلخص تاريخ السينما المصرية.
وفي الحقيقة فإن مسألة الرسائل في الأدب العربي شغلت كثيرين من المفكرين والكتاب.. ولعل من مميزات هذا العصر أنه لم تكن هناك أدوات اتصال مثل الهاتف المحمول والـ SMS، وإلا ما وجدت هذه الرسائل الجميلة.. دعونا نعود إلى زمننا الجميل، ونستمتع بحكاياته من خلال الأوراق الخاصة التي تحملها الصفحات المقبلة....).
المؤلف:
لستُ من هواة التقليب في الأوراق الشخصية لأناس رحلوا عن الحياة لأجل تحقيق انفراد صحفي أو بعثرة أسرار أناسٍ نحبهم، بقدر ما هو بحث عن ذلك الزمن الجميل الذي طوى رغمًا عنا، وفرّ من عمرنا رغمًا عنا، ولم يعد مرة أخرى.
رسائل تختبئ في حقائب قديمة، أو بين ركام كراكيب متربة، أو ملقاة بإهمال في "السندرة"، أو ملقاة على الأرض في حجرة مهجورة، أو موضوعة على "رف" نسيه أصحاب البيت من سنواتٍ طوال... لكن التقليب فيها.. إمساكها باليد.. مجرد مرور العين عليها؛ يفتح آلافًا من الضحكات والأحزان والدمعات والصور.
الأوراق هي التي يتعرى الإنسان أمامها متجردًا من كل شيء ليبوح بما لا يستطيع أن يقوله لأحد.. وهو ما لاحظته مثلاً في الرسائل المتبادلة بين إحسان عبد القدوس وروز اليوسف.. تحس أن إحسان صاحب المقالات الساخنة التي فجرت قضية الأسلحة الفاسدة، وصاحب المقال الشهير "الجمعية السرية التي تحكم مصر" عن رجال ثورة يوليو، وصاحب الروايات التي لا تحصى؛ بعالمها القصصي الخاص بها؛ بأشخاصها الذين يتحكم في مصيرهم إحسان وحده؛ تحس أنه طفل صغير يركض على شاطئ نهر وهو يكتب إلى أمه: (... كنتُ أراكِ جميلة طول عمري، وما زلتُ حتى اليوم أراكِ بضفائر طويلة في لون الذهب، وبشرتك في لون اللبن المخلوط بعصير الورد، وعيناكِ في لون الربيع تنبضان بالحياة والحنان، وشفتاكِ فيهما رحمة وكبرياء.. ما زلت تضحكين كطفلة، وما زلت تتحدثين كصبية لم تنزل بعد إلى زحام الحياة، وما زلت تعاملين الناس في تواضع وسذاجة )… إنها قصة حب بين ابن وأمه، فهو يتغزل في عينيها وشفتيها وحنانها.
كذلك البطل القائم مقام يوسف صديق صاحب الشرارة الأولى التي اندلعت في ثورة 23 يوليو 1952 والذي لولاه ما ارتدت مصر ثوب حريتها؛ تجده يكتب إلى زوجته سنة 1936: (إنني تعبت من إرسال قبلاتي إليك –وأود أن أقبلك فعلاً– فليس القول كالعمل.. إذن سنبدأ شهر العسل من جديد، وسنبدأ حياتنا الزوجية من جديد، فكل ما مضى لا أعترف أنا به، ولا أسجله على نفسي مهما كان فيه من مزايا، وعليكِ أن تعتبري نفسك الآن خطيبتي، وأن موعد زفافنا هو أول يوليو 1936 لا 4 إبريل 1935...). هو شاعر وأديب وفارس من ضباط مصر الأحرار الذي أشعل شمعة الحرية ومضى لا يريد جاهًا ولا مالاً.. ولكن ظلت سيرته الحسنة.
كذلك تجد الرئيس الراحل أنور السادات يكتب إلى أولاده بكل خفة دم : (وحشتوني يا غجر يا أولاد الغجر.. سأفسحكم بسيارة عمكم جمال..)
وتُصدم حين تطلع على رسائل أشهر رئيس مخابرات عربي يكتبها من المعتقل لأولاده، فإذا بها مليئة بذكر الله سبحانه وتعالى وآيات كتابه الكريم، رغم أننا لم نقرأ عن صلاح نصر إلا قصصًا مليئة بالنساء والتجسس والفضائح. إن هناك حياة أخرى لهؤلاء الناس قد تكون هي الحقيقة التي لا نعرفها.. والتي تتضح من الرسائل الخاصة بهم.. ولا أعرف من الذي فعل بصلاح نصر كل هذا؟!
أما المفاجأة فكانت في رسائل محمد كريم مخرج كل أفلام محمد عبد الوهاب، ويوسف وهبي الذي يطلب ألف ليرة سلف ودين من محمد كريم، وكتابات كريم إلى فكري أباظة وكامل الشناوي والشيخ محمد رفعت وغيرهم... حوالي 24 رسالة تلخص تاريخ السينما المصرية.
وفي الحقيقة فإن مسألة الرسائل في الأدب العربي شغلت كثيرين من المفكرين والكتاب.. ولعل من مميزات هذا العصر أنه لم تكن هناك أدوات اتصال مثل الهاتف المحمول والـ SMS، وإلا ما وجدت هذه الرسائل الجميلة.. دعونا نعود إلى زمننا الجميل، ونستمتع بحكاياته من خلال الأوراق الخاصة التي تحملها الصفحات المقبلة....).
التعديل الأخير بواسطة المشرف: