سوريا اليوم
مراسل صقور الأبداع من سوريا
جهاد الزين -النهار</p>
المرحلة الثالثة (الجهادية) بعد المرحلتين الأولى (المدنية) والثانية (العسكرة) في الأزمة السورية ستدفع نحو المزيد من الالتزام الروسي والصيني بسبب تفاقم ارتباط الوضع السوري بأوضاعهما الداخلية كما تكشف تقارير جادة في الصحافتين الروسية والصينية.
الثورة السورية “بمعناها الأول” أي كمعبّرة مدنية عن تطلّع قطاعات شبابية متنوّرة من الطبقة الوسطى للتخلص من نظام الاستبداد تُقتل للمرة الثالثة: الأولى على يد النظام في مرحلة التعبيرات السلمية عبر قمعه لها، والثانية عندما اتُخذ القرار الغربي الإقليمي الخبيث بعسكرتها رهانا على إسقاط سريع للنظام مما أدّى إلى تغيير جوهري في طبيعة القوى التي تقودها من نخبة ذات امتداد شعبي وحاملة لتطلّعات ديموقراطية وحداثية إلى ميليشيات تستقطب رعّاعا من الهامش الاجتماعي الريفي والمديني ولو ببعض قيادات من ضباط منشقّين، وتسقط الآن للمرة الثالثة مع تحولّها الخطير جدا، أي تحوّل كل سوريا، إلى “جوهرة” تاج الإرهاب الجهادي الذي بدأ يلتهم حتى قوى مرحلة العسكرة الأولى مع الاشتباكات البادئة بين الجهاديّين و”الجيش السوري الحر”.
إعلان حركة طالبان الباكستانية إرسال مقاتلين إلى سوريا هو الفصل الجديد من تحوّل سوريا إلى مركز الجهادية العالمية بالمعنى الذي كانت عليه أفغانستان في الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم. لكن هذه الدينامية – التي تدخل في تغذيتها عناصر “لعبة أمم” غربية خبيثة – لا تعني تعبيرها عن حركية “من داخل إلى خارج” بل أيضا وفي الوقت نفسه حركية “من خارج إلى داخل”. وهذا هو بعد أساسي كان منذ بداية الأزمة السورية عنصرا استراتيجيا في الموقفين الروسي والصيني لم يولَ الأهمية التي يستحقها بل لم يولَ الاعتراف الذي يستحقه.
في تقرير نشرته صحيفة “شن بو” الصادرة في هونغ كونغ في الثالث من تموز الجاري عن معلومات من مصادر رسمية صينية أن ناشطين “انفصاليين” من إقليم “سينكيانغ” (تركستان الشرقية) الصيني التحقوا بصفوف المقاتلين في سوريا ضد النظام “حيث تلقّوا تدريبات جسدية ونفسية قبل أن يعودوا إلى بلادهم لممارسة أعمال إرهابية”. التقرير يتحدث أساسا عن المواجهات الإتنية التي اندلعت في السادس والعشرين من حزيران المنصرم بين قوميتي الهان (الكبرى على مستوى الصين) وقومية “الإيغور” المسلمة في منطقة “طورفان” داخل الإقليم، وأن السلطات الصينية قد استنفرت مجهودات وقيادات أساسية لمواجهة الموقف الذي تنظر إليه على أنه يزداد ارتباطا بالوضع الخارجي.
أما صحيفة “نيفازيسّيمايا” الصادرة في موسكو فنشرت في الحادي عشر من حزيران الماضي تقريرا عن الأوضاع في جمهورية داغستان (أو بلاد الجبال كما يسمّونها في روسيا) يعرض للوجود الدائم للإسلاميين الجهاديّين في هذه الجمهورية ذات الأكثرية المسلمة (السنّية ككل الإسلام الروسي) والمتفاقم منذ الحرب في الشيشان التي حسمها فلاديمير بوتين بعنف في أول صعوده إلى السلطة. الرئيس بوتين قام مؤخّراً بحملة تغييرات غير مسبوقة بين الطاقم الحاكم في داغستان. هذا الطاقم بسبب فساده، حسب التقرير، كان يقيم علاقات مصالح مع الجهاديين. وقد قام بوتين بتغيير رئيس الجمهورية ومعه تغيير 26 رئيس بلدية نافذٍ من أصل 52 بلدية في كل الجمهورية. الذي دفع الرئيس الروسي إلى الاستعجال في هذه الإجراءات وتعزيز البنية الأمنية هناك هو خوفه من أي أعمال إرهابية تقوم بها المجموعات الجهادية خلال الألعاب الأولمبية الشتائية المقرّرة عام 2014 في “سوتشي” القريبة من داغستان في القوقاز.
كل من لديه الوقت والرغبة بفتح خريطة روسيا سيجد بسهولة أن الموانئ الروسية على بحر قزوين في داغستان هي أقرب الموانئ التي يمكن عبرها توصيل كل أنواع المعدّات العسكرية أو غير العسكرية إلى الموانئ الإيرانية القريبة على البحر نفسه مما يعني وصولها إلى دمشق عبر الاتصال المباشر الذي بات قائما على “الهلال الشيعي” بين إيران والعراق وسوريا. وهو طريق “أسهل” من بعض الوجوه لأنه لا يمر بالحواجز البحرية التركية في البحرين الأسود والمتوسط خصوصا أن تركيا منخرطة بشكل عميق في الصراع السوري.
ثَبُت أكثر فأكثر أن الموقف الروسي غير تكتيكي في الصراع على سوريا كذلك بنسبة مختلفة الموقف الصيني. كلاهما استراتيجي. لكن المرحلة الثالثة (الجهادية) في سوريا ستدفع نحو المزيد من الالتزام الروسي والصيني بسبب تفاقم ارتباط الوضع السوري بأوضاعهما الداخلية. كان يجب “حضور” المؤتمر الصحافي الذي جمع الرئيس الروسي مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خلال زيارة بوتين قبل فترة إلى لندن لكي نستمع إلى لحظة “درامية” في الحوار العلني بينهما كما في فيلم سينمائي.
كاميرون: النظام الذي يقتل شعبه مصيره السقوط ولا شرعية له.
بوتين: هل تريدوننا أن ندعم من يقطع أجساد البشر ويأكلها؟!
لهذا “سوريا الكبرى”، أي سوريا الصراع الدولي والإقليمي على سوريا، تمتدُّ حدودُها السياسية والأمنية الفعلية على “خط طول” من داغستان إلى سينكيانغ مرورا ببيشاور حيث الامتداد “الجهادي” و على “خط عرض” من الناقورة إلى طهران حيث الامتداد “الشيعي”.
باختصار: مجتمعاتنا في خطرشديد.
المرحلة الثالثة (الجهادية) بعد المرحلتين الأولى (المدنية) والثانية (العسكرة) في الأزمة السورية ستدفع نحو المزيد من الالتزام الروسي والصيني بسبب تفاقم ارتباط الوضع السوري بأوضاعهما الداخلية كما تكشف تقارير جادة في الصحافتين الروسية والصينية.
الثورة السورية “بمعناها الأول” أي كمعبّرة مدنية عن تطلّع قطاعات شبابية متنوّرة من الطبقة الوسطى للتخلص من نظام الاستبداد تُقتل للمرة الثالثة: الأولى على يد النظام في مرحلة التعبيرات السلمية عبر قمعه لها، والثانية عندما اتُخذ القرار الغربي الإقليمي الخبيث بعسكرتها رهانا على إسقاط سريع للنظام مما أدّى إلى تغيير جوهري في طبيعة القوى التي تقودها من نخبة ذات امتداد شعبي وحاملة لتطلّعات ديموقراطية وحداثية إلى ميليشيات تستقطب رعّاعا من الهامش الاجتماعي الريفي والمديني ولو ببعض قيادات من ضباط منشقّين، وتسقط الآن للمرة الثالثة مع تحولّها الخطير جدا، أي تحوّل كل سوريا، إلى “جوهرة” تاج الإرهاب الجهادي الذي بدأ يلتهم حتى قوى مرحلة العسكرة الأولى مع الاشتباكات البادئة بين الجهاديّين و”الجيش السوري الحر”.
إعلان حركة طالبان الباكستانية إرسال مقاتلين إلى سوريا هو الفصل الجديد من تحوّل سوريا إلى مركز الجهادية العالمية بالمعنى الذي كانت عليه أفغانستان في الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم. لكن هذه الدينامية – التي تدخل في تغذيتها عناصر “لعبة أمم” غربية خبيثة – لا تعني تعبيرها عن حركية “من داخل إلى خارج” بل أيضا وفي الوقت نفسه حركية “من خارج إلى داخل”. وهذا هو بعد أساسي كان منذ بداية الأزمة السورية عنصرا استراتيجيا في الموقفين الروسي والصيني لم يولَ الأهمية التي يستحقها بل لم يولَ الاعتراف الذي يستحقه.
في تقرير نشرته صحيفة “شن بو” الصادرة في هونغ كونغ في الثالث من تموز الجاري عن معلومات من مصادر رسمية صينية أن ناشطين “انفصاليين” من إقليم “سينكيانغ” (تركستان الشرقية) الصيني التحقوا بصفوف المقاتلين في سوريا ضد النظام “حيث تلقّوا تدريبات جسدية ونفسية قبل أن يعودوا إلى بلادهم لممارسة أعمال إرهابية”. التقرير يتحدث أساسا عن المواجهات الإتنية التي اندلعت في السادس والعشرين من حزيران المنصرم بين قوميتي الهان (الكبرى على مستوى الصين) وقومية “الإيغور” المسلمة في منطقة “طورفان” داخل الإقليم، وأن السلطات الصينية قد استنفرت مجهودات وقيادات أساسية لمواجهة الموقف الذي تنظر إليه على أنه يزداد ارتباطا بالوضع الخارجي.
أما صحيفة “نيفازيسّيمايا” الصادرة في موسكو فنشرت في الحادي عشر من حزيران الماضي تقريرا عن الأوضاع في جمهورية داغستان (أو بلاد الجبال كما يسمّونها في روسيا) يعرض للوجود الدائم للإسلاميين الجهاديّين في هذه الجمهورية ذات الأكثرية المسلمة (السنّية ككل الإسلام الروسي) والمتفاقم منذ الحرب في الشيشان التي حسمها فلاديمير بوتين بعنف في أول صعوده إلى السلطة. الرئيس بوتين قام مؤخّراً بحملة تغييرات غير مسبوقة بين الطاقم الحاكم في داغستان. هذا الطاقم بسبب فساده، حسب التقرير، كان يقيم علاقات مصالح مع الجهاديين. وقد قام بوتين بتغيير رئيس الجمهورية ومعه تغيير 26 رئيس بلدية نافذٍ من أصل 52 بلدية في كل الجمهورية. الذي دفع الرئيس الروسي إلى الاستعجال في هذه الإجراءات وتعزيز البنية الأمنية هناك هو خوفه من أي أعمال إرهابية تقوم بها المجموعات الجهادية خلال الألعاب الأولمبية الشتائية المقرّرة عام 2014 في “سوتشي” القريبة من داغستان في القوقاز.
كل من لديه الوقت والرغبة بفتح خريطة روسيا سيجد بسهولة أن الموانئ الروسية على بحر قزوين في داغستان هي أقرب الموانئ التي يمكن عبرها توصيل كل أنواع المعدّات العسكرية أو غير العسكرية إلى الموانئ الإيرانية القريبة على البحر نفسه مما يعني وصولها إلى دمشق عبر الاتصال المباشر الذي بات قائما على “الهلال الشيعي” بين إيران والعراق وسوريا. وهو طريق “أسهل” من بعض الوجوه لأنه لا يمر بالحواجز البحرية التركية في البحرين الأسود والمتوسط خصوصا أن تركيا منخرطة بشكل عميق في الصراع السوري.
ثَبُت أكثر فأكثر أن الموقف الروسي غير تكتيكي في الصراع على سوريا كذلك بنسبة مختلفة الموقف الصيني. كلاهما استراتيجي. لكن المرحلة الثالثة (الجهادية) في سوريا ستدفع نحو المزيد من الالتزام الروسي والصيني بسبب تفاقم ارتباط الوضع السوري بأوضاعهما الداخلية. كان يجب “حضور” المؤتمر الصحافي الذي جمع الرئيس الروسي مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خلال زيارة بوتين قبل فترة إلى لندن لكي نستمع إلى لحظة “درامية” في الحوار العلني بينهما كما في فيلم سينمائي.
كاميرون: النظام الذي يقتل شعبه مصيره السقوط ولا شرعية له.
بوتين: هل تريدوننا أن ندعم من يقطع أجساد البشر ويأكلها؟!
لهذا “سوريا الكبرى”، أي سوريا الصراع الدولي والإقليمي على سوريا، تمتدُّ حدودُها السياسية والأمنية الفعلية على “خط طول” من داغستان إلى سينكيانغ مرورا ببيشاور حيث الامتداد “الجهادي” و على “خط عرض” من الناقورة إلى طهران حيث الامتداد “الشيعي”.
باختصار: مجتمعاتنا في خطرشديد.