حلمك الإيماني في رمضان
لقد كان سلفنا الصالح يحيوا بطموح يُحركهم فى الطريق إلى الله، ولم يعيشوا هكذا سدىً .. فقد كان لكل واحدٍ منهم هدف إيماني، يسعى جاهدًا لتحقيقه .. هيا بنا نرى بعضًا من هذه الأحلام لعلها تُعلي همتنا في رمضان هذه العام، فنُبلغ فيه ما لم نبُلغ من قبل ..
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال “ما مات عمر رضي الله عنه حتى سرد الصوم” .. لقد كان حلم عمر رضي الله عنه أن لا يموت إلا وقد صام السنة كلها إلا الأيام المحرمة، ولم يمت إلا بعد تحقيق أمنيته.
وقال رجل لحاتم الأصم : ما تشتهي ؟ قال : أشتهي عافية يوم إلى الليل قلت له : أليست الأيام كلها عافية ؟ قال : إن عافية يومي أن لا أعصي الله فيه … ونحن نتمنى رمضان بلا ذنوب، فلا نفعل فيه أي مُخالفة أو أي شيء يُغضب الله ..
نتمنى أن نمضي أيامنا في طاعة الرحمن فقط ..
قال صالح المري : قلت لعطاء السليمي ما تشتهي فبكى فقال أشتهي والله يا أبا بشر أن أكون رمادا لا يجتمع منه سفة أبدا في الدنيا ولا في الآخرة قال صالح فأبكاني والله وعلمت أنه إنما أراد النجاة من عسر يوم الحساب .. ونحن نرجو الله أن نُكتب عنده من أهل الجنة الذين يدخلونها من غير حساب ولا سابقة عذاب.
وهذا طلق بن حبيب كان لا يركع إذا افتتح القراءة من البقرة حتى يبلغ العنكبوت وكان يقول إني أشتهي أن أقوم حتى يشتكي صلبي ..
قال أبو عبد الله الأنطاكي: ما أغبط أحدا إلا من عرف مولاه، وأشتهي أن لا أموت حتى أعرفه معرفة العارفين الذين يستحيونه لا معرفة التصديق … وأنت بحاجة لأن تعرف ربك حق المعرفة، معرفة تُوجب الحياء منه .. عندما تشعر بمدى فضله عليك وكم أنت مقصر في حقه.
قال مالك بن دينار : وددت أنَّ الله إذا جمع الخلائق يوم القيامة يقول لي يا مالك فأقول لبيك فيأذن لي أن أسجد بين يديه سجدة فأعرف أنه قد رضي عني فيقول : يا مالك كن اليوم ترابا … لو قلبك يسجد سجدة لا يقوم بعدها أبدًا ويمُنّ الله عليك بحُسن الخاتمة.
قيل لعطاء السليمي : ما تشتهي ؟ فقال : أشتهي أن أبكي حتى لا أقدر على أن أبكي، فكان يبكي الليل والنهار وكانت دموعه سائلة على وجهه … وما أحوجنا لهذه الأمنية، مع قسوة قلوبنا وجفاف عيوننا ..
فاللهم ارزقنا البكاء من خشيتك وارزقنا عينًا من خشيتك مدرارة.
هذه كانت أحلام السلف الصالح .. وأنت ما حلمك الإيماني؟؟
تعالوا نضع أحلامنا الإيمانية لرمضان هذا العام ..
عسى الله أن يُبلغنا بصدق نيتنا، ما لا تستطيع جوارحنا ولا أنفسنا أن تُبلغه ..
قال الحسن “تمنوا وتمنوا فلما فاتهم جدوا”، أي إن الإنسان يتمنى ولكن لا يستطيع أن يُحقق أمنيته إلا بالاجتهاد .. فيدفعك ذلك للجد والاجتهاد في العمل في رمضان ..
1) العتق من النار .. قال النبي “إن لله تعالى عتقاء في كل يوم وليلة لكل عبد منهم دعوة مستجابة” [صحيح الجامع (2169)] .. وقال “إن لله عند كل فطر عتقاء وذلك في كل ليلة” [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني] .. فلتُكثر من الدعاء بأن يعتقك الله من النيران وبالأخص عند الافطار.
2) المغفرة .. وأمامك ثلاث فرص لتحقيق هذه الأمنية، الصيام والقيام والعشر الأواخر من رمضان .. قال “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه . ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه . ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” [متفق عليه]
3) أن تخرج من رمضان بجبال من الحسنـــات .. قال تعالى { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] .. فعليك أن تجتهد أشد الاجتهاد في الليالي الوترية، ومن الممكن أن تُكتب لك ليلة القدر هذا العام بألف عام.
4) أن تخرج من رمضان بقلب سليــــم .. بلا غش أو غل أو حقد أو بغضاء ولا أي من هذه الآفات.
5) أن نُبلغ حُسن الخاتمة .. مع كثرة الفتن في زماننا التي تُضيق عليك الحياة، نُكثر من سؤال الله حُسن الخاتمة .. فاللهم إن أردت بقومٍ فتنة، فاقبضنا إليك غير مفتونين.
6) أن ألقى ربي بعمل فذ كأعمال السلف .. أعمل بعملهم من حبي لهم، والمرء مع من أحب .. قال سعيد بن المسيب : ماتركت الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة وكان سعيد بن جبير يختم القرآن في ليلتين وكان الأسود يقوم حتى يخضر ويصفر وحج ثمانين حجة .. وقيل لعمرو بن هانيء : لا نرى لسانك يفتر من الذكر فكم تسبح كل يوم ؟ قال : مائة ألف إلا ما تخطيء الأصابع.
7) أن أكون أكثر حبًا لله .. أتمنى من كل قلبي أن أُبلغ منزلة المحبة عنده وأصير “حبيب الرحمن”،فسأتحبب له بأي شيء يحبه ..
قال رسول الله “أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل” [متفق عليه]، فتبدأ من الآن بالمداومة على عمل وإن كان قليلاً .. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله أي العمل أحب إلى الله تعالى ؟ قال “الصلاة على وقتها”[متفق عليه]، فتهُب للصف الأول في الصلاة فور سماع النداء .. قال رسول الله “كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم” [متفق عليه]، فلا يُفارق هذا الذكر لسانك، بنية أن يُحبك الله عز وجل.
8) أن أكون أكثر شوقًا، أكثر إخلاصًا ،أكثر توكلًا ،أكثر صدقًا وإيماناً ..
فعليك أن تصُوم صيام مُحب .. أن تُصلى صلاة مُشتاق .. تقرأ قراءة مُحتسب مُتحبب .. تدعو دعاء مُستحي .. تتوب توبة تقية .. تجتهد اجتهادًا صادقًا .. تُداوي قلبك ببلسم الرضا .. تسجد وتقترب بما يُحِب، فتُحَب .. تتصدق بِصدقة مُوقِن.
اللهم بلِّغنا مما يُرضيك آمالنا ..
اللهم بلِّغنا رمضان وارزقنا فيه حُسن الصيام وحُسن القيام وحُسن العمل الصالح الذي يُرضيك عنا يـــا رحيم يا رحمن،،
التعديل الأخير بواسطة المشرف: