سوريا اليوم
مراسل صقور الأبداع من سوريا
أجرى الحوار: رئيس التحرير: علي قاسم- مدير التحرير خالد الأشهب
أكد السيد الرئيس بشار الأسد أن تجربة الاخوان المسلمين في الحكم فاشلة قبل أن تبدأ، لأن هذا النوع من الحكم لا يتوافق مع طبيعة الناس، مبيناً أن مشروع الاخوان هو مشروع منافق يهدف لخلق فتنة في العالم العربي، فهم أول من طرح في سورية المفهوم الطائفي ومشروع الفتنة منذ السبعينيات.
وقال الرئيس الأسد في حوار خاص مع صحيفة «الثورة»: إن الدول المتآمرة على سورية استخدمت كل ما لديها من أدوات معنوية ومادية ونفسية وسيكولوجية ولم يبق أمامها سوى التدخل المباشر وهذا الشيء أكبر بكثير من أن يصلوا إليه.
وشدد الرئيس الأسد على أن الشعب السوري أثبت بالواقع وبالتفاصيل أنه شعب حي بكل ما تعنيه الكلمة، مشيراً إلى أن التسامح ضروري في حل الأزمات الوطنية شرط أن يكون شعبياً وليس رسمياً.
الرئيس الأسد أكد أن الإرهاب كالسرطان عندما تضربه بمبضع الجراح دون استئصال ينتشر بسرعة أكبر في الجسد لذلك لابد من استئصاله لا ضربه، منوهاً بأن أي ثورة حقيقية هي ثورة داخلية صرفة ولا علاقة لها بالخارج من قريب ولا من بعيد.
*
* السؤال الأول:
بما أننا نحن في أزمة، ففي الأزمات عادة – وتحديداً في هذه الأزمة – تتردد عبارة الوطن يتسع للجميع لكن سورية لم تتسع لجميع أبنائها، ما الذي حصل حتى وصلنا إلى هذه النتيجة؟
** السيد الرئيس:
بداية أريد أن أرحب بكم في مكتبي، وأنا سعيد بأن يكون هذا اللقاء بمناسبة الذكرى الخمسين لانطلاق جريدة «الثورة» وهذه المناسبة غالية على كل سوري وطني بغض النظر عن انتماءاته الحزبية.. فأهلا وسهلاً بكم..
نحن أحياناً ننظر للوطن كأنه تواجد لمجموعة أشخاص في بقعة جغرافية أو أرض كاملة متكاملة.. بينما الوطن حقيقة هو انتماء. والانتماء يعني ثقافة ومن ثمّ الانتماء والثقافة كلاهما يشكل الهوية..
عندما يكون انتماؤنا واحداً يكون وطننا واحداً وعندها يتسع للجميع، وسأوضح لك ماذا يعني ذلك.. عندما خرج الاستعمار من سورية لم يخرج ليتركنا نتحرر.. بل خرج ليستعمرنا بطريقة أخرى والطريقة الأخرى بحاجة لوسائل اخرى وجديدة ومختلفة. أحد أهم هذه الوسائل هي خلق الفتنة للوصول الى التقسيم والتجزئة. التجزئة ليست حدوداً برية يرسمها الاستعمار وفقط. فهذا ليس هو الأساس، التجزئة الحقيقية والأخطر هي تجزئة الهوية، فعندما نكون جميعاً على أرض واحدة لكن هوياتنا مختلفة، هذا يعني أن هناك أوطاناً مجزأة داخل ما نظنه وطناً واحداً.. لأن كل مجموعة ثقافية ستنعزل عن الآخرين ويصبح لها وطنها الخاص..
عندما يحصل ذلك تقول إن الوطن لا يتسع للجميع. بهذا المفهوم يمكن لك القول إن الاستعمار نجح الى حد ما في خلق مجموعات منعزلة اقصائية ترفض الآخرين وتعتبر أن فكرها وانتماءها هو الصحيح وبالتالي هو الوطن، وكل انتماء آخر لا يجوز.
هذا النجاح لم يحصل في ليلة وضحاها بل كان على مراحل عدة، ونعتقد أن أولى تلك المراحل عندما سقطت الدولة الأموية، ذلك لأنه في حينها تم اللعب على الهويات وخلق شروخ داخل مجتمعاتنا مع نسف لكل مشترك فسقطت الدولة الأموية وبعدها العباسية في التاريخ القديم وسقطت بعدها فلسطين في التاريخ الحديث.
اعتقد أن هذه الشروخ التي نرى نتائجها الآن في تاريخنا المعاصر بدأت مع نشأة الإخوان المسلمين، وتعززت بعد الاستقلال من خلال الدور السيئ الذي لعبوه في عدد من الدول العربية ومنها سورية. فخلقوا أول شرخ أساسي بين العروبة والإسلام، وحاولوا خلق وطنين: وطن للإسلاميين ووطن للقوميين.
استمرت محاولات الفكر الاستعماري عبر مراحل مختلفة منها الحرب على لبنان والتي كانت تهدف لخلق وطن للمسلمين وآخر للمسيحيين.. وبدأت تنكشف بعدها نتائج ما يقوم به الإخوان المسلمون على الأرض، وأهم وأخطر تلك النتائج كان وجود القاعدة الذي لم يبخل الغرب عليها بالدعم، على خلفية الثورة الإسلامية في إيران.. ثورة أتت كي تدعم القضية الفلسطينية التي هي جوهر الهوية بالنسبة للعرب، فتحركوا ليخلقوا الفتنة هذه المرة بين السنة والشيعة وليضربوا العلاقة بين العرب والفرس، أخيراً جاءت أحداث 11 أيلول ومع غزو أفغانستان والعراق تكرست هذه الشروخ بين التكفيريين وكل الطوائف الإسلامية.
بمعنى: كلما ازدادت الفتنة داخل الوطن الواحد ولو جزئياً يضيق الوطن ولا يتسع للجميع، بالمقابل سورية ما زالت وطناً يتسع للجميع وإلا لما صمدنا في وجه الفتنة التي أرادوا لها أن تطل برأسها في بعض المناطق كبؤر مطوقة.. لقد تمكنا من الصمود لأن هناك وعياً شعبياً في سورية تمكن حتى الآن من درء النجاح الكامل لهذه الفتنة.
إذاً سورية وطن يتسع لجميع أبنائه، ذلك لا يعني أننا يجب ألا نقلق من هذه البؤر لأنها إذا استمرت دون حصارها ستتوسع ويأتي يوم تكون سورية وطناً لا يتسع للجميع.
*
* السؤال الثاني:
سيادة الرئيس.. نحن اليوم في الذكرى الخمسين لإصدار العدد الأول من جريدة الثورة.. منذ البداية قلتم إن ما يجري في سورية ليس ثورة.. بالتأكيد أنا أجزم بأنكم اعتمدتم على قاعدة فكرية لما قلتموه واسمح لي سيادة الرئيس أن أستعير هنا ما قاله الوزير الروسي سيرغي لافروف في لقائه مع أول وفد سوري معارض ذهب إلى موسكو وقدموا أنفسهم على أنهم ثوار.. قال لهم بالحرف: إذا كنتم ثورة وثوار فما حاجتكم إلى الخارج..؟! هناك مقولة تاريخية بأنه لا نظام في العالم يصمد أمام ثورة شعب.. أنا شخصياً أجزم بأن هذا الكلام صحيح.. أنتم سيادة الرئيس لماذا قلتم إنها ليست ثورة منذ البداية؟
** السيد الرئيس:
أولاً: من منطلق أي سياق تاريخي موجود في العالم، فإن أي ثورة حقيقية هي ثورة داخلية صرفة ولا علاقة لها بالخارج من قريب ولا من بعيد.
خذ أمثلة كثيرة على ذلك.. الثورة الروسية والفرنسية وحتى الإيرانية. إن الثورات الحقيقية هي ثورات شعبية لها عوامل داخلية بحتة، فيها جانب عفوي، ويتزعمها نخب فكرية وايديولوجية، وتفاصيل أخرى..
بينما ما حصل في سورية ومنذ البداية كان العامل الخارجي واضحاً فيه، وهذا ما حاولوا إخفاءه وأصبح اليوم واضحاً بشكل مطلق..
وها نحن نسمع تصريحات من الخارج حول ما الذي يجب أو لا يجب فعله في سورية من حلول أو غيرها..
ثانياً: إن الثورة التي تتحدث عنها والتي تعبر صحيفتكم عنها بشكلها الحقيقي وأنا أتحدث هنا عن ثورة 1963، هي ثورة سورية أتت لتعزز الوطن والمجتمع والإنسان، أتت لتنشر العلم والمعرفة عبر بناء الآلاف من المدارس، والنور عبر بنائها لخطوط وشبكات الكهرباء في الريف قبل المدينة. ولتعزز الوضع الاقتصادي في سورية عبر خلق فرص عمل للجميع كل حسب كفاءته، قامت ثورة آذار لتدعم الشعب بشرائحه الواسعة.. فلاحين وعمالاً وحرفيين. أتت هذه الثورة لتبني جيشاً عقائدياً خاض أشرس المعارك وصمد في أصعب الظروف وانتصر في 73 وهذا ما نراه حتى اليوم منذ 50 عاماً مضت.. قد يكون هذا الظرف هو الأصعب وها هو الجيش يثبت أن بناءه على أسس ثورية وقيم فكرية هو ما حصنه مع الشعب للخوض فيما يجري في سورية اليوم.. الثورة أتت من أجل أن يبنى الإنسان والوطن لا من أجل تدميرهما. فكيف لنا أن نقارن هذه بتلك وكيف يمكن أن نسمي ما تمر به سورية اليوم ثورة..؟! هذا المفهوم الذي أرادوا لنا أن نصدقه قد سقط منذ البداية.
* مداخلة: لكن سيادة الرئيس ألا تعتقدون أن هناك من هم في الداخل صدقوا فكرة الثورة وساهموا واحتضنوا ما جرى في سورية في البدايات حتى وإن صورها البعض بؤراً صغيرة داخلية لكنها كانت موجودة؟
** السيد الرئيس:
تماماً.. وهنا نعود لموضوع الهوية.. من تتحدث عنهم نوعان: نوع انسلخ عن هويته تماماً وذهب باتجاه الحلم الغربي فهو مبهور بالغرب بكل ما فيه حتى في مساوئه… ونوع آخر.. انسلخ عن هويته باتجاه مناقض تماماً ونحى باتجاه التطرف الديني.. وهو الأخطر.
كلاهما تطرف.. نعم هناك الكثير من الأشياء التي يجب أن نستفيد منها من حضارة الغرب وتقدمه وهذا شيء بديهي، لكن أن ننبهر بالغرب وننسلخ عن هويتنا فهذا تطرف أيضاً من نوع آخر.
إن الهوية الأصلية العربية هي هوية معتدلة في كل شيء اجتماعياً وثقافياً وسياسياً ودينياً، لأنها تمثل تمازج حضارات عبر آلاف السنين فمن البديهي أن تكون معتدلة.. عندما يحاول الخارج أن يمزق هذه الهوية بأحد الاتجاهين السابقين المتناقضين هو ما يخلق هذه البؤر التي تتحدث عنها. وهذا ما أخشاه دائماً.. التطرف الديني كالتطرف بالالتحاق بالغرب، كلاهما مدمر للهوية وهذا التدمير هو الذي أدى إلى اضطرابات كالتي نراها في سورية وحتى في دول أخرى.. فالمشكلة ليست في سورية فقط.. ربما كان العامل الخارجي في سورية هو الأقوى من باقي الدول، لكن العامل الذي تتحدث عنه موجود في المنطقة بشكل عام وأضف إليه في سورية العامل الخارجي.
* السؤال الثالث:
لكن سيادة الرئيس.. ألم تتغير وتتبدل وربما تتطور مفاهيم وأشكال الثورات عما سبق في التاريخ. أو مقارنة بثورات فرنسا أو روسيا وبالتالي اعتبار ما يجري الآن في سورية هو ثورة لكن بمفاهيم مختلفة أو متبدلة، فليس شرطاً أن تتبع الثورات عبر التاريخ نفس الطريقة والمنهج والأسلوب؟
** السيد الرئيس:
كل شيء في العالم يتبدل لكن هناك ثوابت إنسانية ومبدئية. المبادئ لا تتبدل، لذلك الأديان لا تتبدل، مع أنها تتعامل مع المتغيرات، ما يتبدل هو الآليات والتفاصيل لكن الجوهر والمبدأ لا يتغيران.. وسأذهب معك إلى نهاية الفكرة، فلو وقعنا في فخ تسمية أن ما يجري في سورية هو ثورة، وبأنه حتى الأسس والمبادئ تتبدل، علينا إذاً أن نقبل أن أفعال إسرائيل ضد الفلسطينيين هي ثورة إسرائيلية على الظلم الفلسطيني، أو أن نقبل أن أمريكا قامت بثورة على أفغانستان والعراق، ولم تقم باحتلال أو غزو.. ألم يرجعوا لمثل تلك الأفكار في إعلامهم قبل غزو العراق؟..
وعليه: أن نقبل، كما يسمونه وكما تقول، بقراءة معاصرة للأمور وبأن الأمور تتبدل لا يعني أن ننسف المفاهيم من جذورها.
الغرب وإعلامه يحاولون جاهدين أن يوقعونا في الفخ الذي يسعى دائماً لقلب الحقائق، أنا أقول إن الأمور قُلبت جذرياً نعم.. وقلب الحق باطلاً والباطل حقاً وساهم في ذلك بعض الممارسات السياسية التي دُعمت بغطاء إعلامي لشرعنتها شعبياً… كل ذلك ممكن أن يكون قد حصل لكن لا يعني بالمطلق أن ننقلب معهم ومع إعلامهم.
*
* السؤال الرابع:
ومع ذلك، سيدي الرئيس، أحياناً في الخارج هناك من اعتبرها ثورة. وما زال يردد أنها ثورة. وأيضاً جزء من الداخل في سورية اعتبرها ثورة. إشكالية حقيقية حتى هذه اللحظة تحتاج إلى بعض التفاصيل؟
** السيد الرئيس:
تصحيحاً لسؤالك حتى الإعلام الغربي المعادي مع تصريحات بعض الغربيين المعادين لسورية لم يتمكنوا من تجاوز حقيقة أنها لم تكن ثورة. لم يعودوا يذكرون كلمة ثورة، يتحدثون الآن عن الإرهاب. هم انتقلوا إلى مرحلة أخرى. التمييز بين إرهابي جيد وإرهابي سيئ بنفس الطريقة الأمريكية، لكن كلمة ثورة لم تعد مذكورة، فمن البديهي أن يكون معظم السوريين في الداخل والخارج قد تمكنوا من رؤية هذا الشيء. وهذا نرى نتائجه في سورية، ولكن دائماً هناك مجموعات من الناس لا يمكن أن تراه لأسباب مختلفة. البعض من هؤلاء ربما يحمل نفس فكر هؤلاء الإرهابيين، الفكر التكفيري المتطرف، فهذا من الطبيعي أن يعتقد أن ما يحصل هو ثورة لأنه يحمل نفس الأفكار والإيديولوجيا. وهناك البعض ممن أصابه العمى العقلي، فهو وإن رأى بعينه فهو لا يرى بعقله. هؤلاء لا فائدة منهم، لكن هذه المجموعات هي مجموعات محدودة الآن. في كل الأحوال، لا يهمنا أن نركز كثيراً على الخارج، فكل ما يحصل في سورية مرتبط بمن يعيش في الداخل الآن. من يعيش في الداخل هو العامل الذي يؤثر مباشرة فيما يحصل في سورية. الشعب السوري الآن هو الذي يخوض المعركة، وهو الذي يحقق الصمود.
* السؤال الخامس:
ننتقل إلى محور له علاقة مباشرة ولكن في إطار مختلف، أقرينا جميعاً، وأقر حتى على المستوى الخارجي أن هناك من يقاتل من جنسيات غير سورية وهذا القتال يبدو أنه في بعض الفترات وصلت أرقامه إلى عشرات الآلاف حسب الإحصائيات الغربية على الأقل وليست فقط الإحصائيات السورية. سؤالي الأول سيدي الرئيس بالنسبة لهذه النقطة: ما تفسيركم لتحويل سورية إلى أرض للجهاد، كيف ولماذا خلال هذه الفترة الوجيزة من الزمن؟
** السيد الرئيس:
سورية لم تتحول إلى أرض للجهاد.. الجهاد هو جهاد من أجل الخير، هو بناء وتطوير ودفاع عن الوطن والرسالة، وكل ما نزل في الأديان السماوية وفي كتبها من أجل الحق والعدل والمساواة… ما يحصل في سورية هو نقيض لمفهوم الجهاد أصلاً. وإذا أردنا أن نقول إن سورية تحولت إلى أرض… نستطيع أن نستبدل كلمة جهاد بأرض للإرهاب.. إن ما يحصل الآن هو تحويل سورية إلى أرض للإرهاب.. وهذا له أسباب عديدة ومختلفة، فالإرهاب بحد ذاته ينمو ويتكاثر في تربة خصبة اسمها الفوضى، حيثما ترى الفوضى ترى الإرهاب ينمو بشكل تلقائي، عندما ضعفت الدولة في أفغانستان نما الإرهاب، وكذلك في العراق على خلفية الغزو، وعندما حاولوا إضعاف سورية، فالفوضى بحد ذاتها هي عامل جذب للإرهاب، لكن ليس هذا هو العامل الوحيد.. فهناك دول خارجية تساعد هذا الإرهاب لأسباب عدة: أولها هو أن ذلك سيؤدي إلى تآكل عوامل القوة والمناعة الموجودة تاريخياً في سورية سواء على المستوى الدولي بمواقفها ومقاومتها، أو على مستوى المجتمع بمناحيه الثقافية والفكرية وبالتالي وحدته الوطنية، أو على مستوى البنية التحتية والاقتصاد والخدمات التي دأبت الدولة على تقديمها للمواطن. ومن ثم فإن أعداء سورية سيكونون سعداء جداً بأن يروها تدمّر ولو على المدى الطويل..
هناك سبب آخر أيضاً لجعل بعض الدول الغربية تدعم الإرهاب في سورية وهو أنها تعتقد أن هذه المجموعات الإرهابية التكفيرية التي شكلت لها هاجساً أمنياً على مدى عقود ستأتي إلى سورية وتقتل، وبالتالي يتخلصون منها وينقلون المعركة من دولهم ومناطق نفوذهم إلى سورية فيتخلصون منها دفعة واحدة، ويضعفون سورية الدولة أيضاً.
– مداخلة: لكن سيدي الرئيس، ليس كل من يقاتل في سورية تحت راية هذه الجماعات هو غير سوري، نعم هناك عشرات الآلاف من غير السوريين لكننا شاهدنا سورياً يأكل قلب أخيه السوري. ما الذي أوصلنا إلى هنا؟!
* السيد الرئيس:
في الكثير من الجلسات التي كنا نتحدث فيها عن الأزمة كنت أبدأ بالقول إن ما يحصل في سورية هو أزمة أخلاق قبل أن أتحدث عن التطرف والتكفير والعامل الخارجي وغيرها… لأن كل ذلك لا يمكن أن يخترق مجتمعك وأنت متحصن بالأخلاق..
عندما تعاني أزمة أخلاق تسمح بالتدخل الخارجي في شؤون بلدك.. يتحكم بك المال والحقد وتتحول إلى مرتزقة، تغيب مبادئك الوطنية.. وبالتالي عندما تفقد أخلاقك تفقد إنسانيتك، وعندها تتحول إلى مخلوق آخر، لا أقول حيوان، لأن الحيوان لا يأكل لحم أخيه إلا إن تضوّر جوعاً، الحيوان لا يأكل لحم أخيه حقداً، عندما تفقد مبادئك وأخلاقك تفقد المفهوم الحقيقي لدينك، فالأديان التي أتت لتعزز الإنسانية من خلال الأخلاق لا يمكن أن تكون نفسها من يتستر هؤلاء خلفها لقطع رؤوس اخوتهم وأكل قلوب أشقائهم..
عندما نفقد الممارسة الدينية الحقة بأخلاقها ومبادئها كما حصل مع بعض التيارات، يتحول الدين إلى قشور، وبالتالي يمكن لأي شخص أن يقوم بعمل كهذا، لأنه يعتقد أن هذا هو الدين، والدين منه براء.
– مداخلة: قلتم «يأكل لحم أخيه حقداً» هل نحن أمام غريزة الحقد؟
** السيد الرئيس:
على عكس العقائد الصحيحة سواء الدينية أو الاجتماعية التي تُبنى على العقل، فإن العقائد المشوهة المنحرفة تجعل الإنسان يحقد على أخيه الإنسان إن خالفه بالمعتقد، وبالتالي الحاقد – نعم – يفقد عقله ويدفعه حقده، ولا أقول غريزته، لأن يأكل قلب إنسان آخر أو أن يقطع رأسه.
والغريزة الإنسانية أساسها الفطرة وليس الحقد، والفطرة خيّرة لا حاقدة.. أما ضعف المبادئ والأخلاق والعقائد الخاطئة المنحرفة فهي التي تدفع الإنسان بعيداً عن العقل.
*
* السؤال السادس:
أعود إلى وصفكم للجهاد بمعناه الحقيقي والإيجابي، لكن سيدي الرئيس المعنى السائد والأكثر شيوعاً للجهاد هو القتل والاقتتال… ما العمل؟
** السيد الرئيس:
العمل هو أن يعودوا للقرآن الكريم، فكلام الله واضح بيّن، الإسلام دين تسامح ورحمة، تلك الكلمة التي ذكرت في القرآن عشرات المرات، الدين الإسلامي أتى من أجل تعزيز إنسانية الإنسان وترسيخ الرحمة والمحبة ونبذ القتل.. ألم يقل رسول الله (ص) في الحديث الشريف «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق». القرآن واضح، والحديث الشريف واضح وكلاهما يحضّ على المحبة والتسامح وإحقاق الحق والعدل والإنسانية.. ليس ذلك فقط، فمن يتشبه بالرسول عليه الصلاة والسلام عليه أولاً أن يستذكر ممارساته في حياته كإنسان قبل أن يكون نبياً وبعد النبوة وكلها كانت مبنية على الأخلاق الإنسانية أساساً.
وأنا أسألك وأسأل كل من سيقرأ هذه الكلمات: هل ما يقوم به هؤلاء التكفيريون الوهابيون يشبه بأي شكل من الأشكال ما كان يمارسه رسولنا الكريم خلال حياته كاملة قبل الرسالة وبعدها..؟
تحدثت كثيراً حول هذه النقطة تحديداً مع عدد من رجال الدين في سورية وبلاد الشام، أن هناك جانباً نفتقده في التأهيل الديني ويجب التركيز عليه بكل المستويات سواء لعلماء الدين أو لطلابه، وهو حياة الرسول الكريم، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يأت لينقل كلام الله فقط أو حتى كي ينقل كلامه على شكل أحاديث فقط، بل أتى كي ينقل ممارسة تجسد هذا الدين..
إذاً، لو عدنا للقرآن الكريم والحديث الشريف والسنة النبوية وحياة الرسول الكريم بأخلاقه وإنسانيته، لما وجدنا سوى نقيض ما يقوم به هؤلاء.
* السؤال السابع:
على من تقع مسؤولية هذه الدعوة للعودة إلى القرآن الكريم وسلوك الرسول؟
** السيد الرئيس:
عندما يخرج من قلب المجتمع شخص سارق أو مجرم أو متطرف، فهي مسؤولية المجتمع عموماً، لكن أول من يتحمل المسؤولية في المجتمع هي الدولة لأنها مسؤولة عن كل القطاعات بما فيها القطاع الديني. لكن الدولة تتشارك المسؤولية أيضاً مع المؤسسات الدينية، مع وزارة الأوقاف، المعاهد، المدارس الشرعية، والكليات المختلفة خاصة تلك التي رخصت مؤخراً .. وبالتالي لابد من التعمق في تأهيل هذه الطواقم جميعها كي نصل إلى المفاهيم الصحيحة للدين ونركز على جوهره بدلاً من أن نترك المجال للأفكار المتطرفة بالتسلل إلى عقول بعض ابنائنا لانها تتمسك بقشور الدين لا بجوهره.
* السؤال الثامن:
البعض يتحدث عن أن الدولة تتحمل الجزء الأكبر من هذه المسؤولية. إن هذه البيئة الدينية المتطرفة نوعاً ما، نمت امام أعين السلطة ويضربون مثالاً على ذلك أولاً بالمدارس الدينية التي لم تتم متابعتها، ولم توضع لها المناهج الصحيحة بإقامة العدد الكبير من الجوامع، وأخطر ما يطرح اليوم ان هناك من بنى الجوامع لكي يتهرب من دفع الضرائب؟
** السيد الرئيس:
الكثيرون ممن التقيتهم خلال هذه الأزمة قالوا لي شيئاً مشابهاً بأن الدولة أخطأت عندما سمحت بهذه المدارس الدينية، وها نحن اليوم نرى النتيجة.
هذا الكلام غير صحيح… بل على العكس تماماً… خلال كل هذه الأزمة لم يحصل لدينا مشكلة واحدة تسببت فيها أي مؤسسة من المؤسسات الدينية وهذا موضوع هام جداً يجب التركيز عليه بل فوق ذلك كانت هذه المؤسسات الأكثر فهماً لجذور المشكلة والاكثر التزاماً بضبط الأمور.
في إحدى مقابلاتي السابقة تحدثت عن رجال الدين ودورهم، لكنني الآن أتحدث عن كل المؤسسات الدينية .. والتي لم يخرج منها مظاهرة واحدة تدعو للفوضى أو تنادي بالطائفية.
لأصحح لك ما جرى… إن الجزء الأكبر من الذين خرجوا من المساجد في البدايات وهم يهتفون «الله أكبر» بمظاهرات لخلق الفوضى هم أساساً لا يعرفون شيئاً عن الدين، لا أقول إنهم ضعيفو الإيمان وإنما فعلاً لا يعرفون شيئاً عن الدين، وأما البعض الآخر فهو يعرف الجامع لكنه لا يعرف الصلاة، وتواجد في الجامع يوم الجمعة كي يخرج وهو يهتف «الله أكبر».
إن قارنا كل ذلك بالمؤسسات الدينية فالعكس تماماً هو الصحيح، فهذه المؤسسات كان لها دور هام، وكانت موجودة منذ عشرات السنين لكن تم تعزيزها ونشرها بشكل أكبر ليس في السنوات الماضية بل منذ الثمانينيات على خلفية أزمة الإخوان.. تلك الأزمة فتحت أعين الدولة في حينها على وجوب الاهتمام بشكل أكبر بالقطاع الديني لأن الكثير من السوريين أيام الإخوان المسلمين في السبعينيات والثمانينيات غُرر بهم بسبب ضعف الوعي الديني لديهم فاستغل الإخوان المسلمون هذه الثغرة ودخلوا إلى شرائح مختلفة في المجتمع سواء رجال الدين أو غيرهم. واعتقد الناس حينها أن هذه المجموعة جاءت كي تعزز الدين في المجتمع مقابل الدولة «الملحدة» التي تقف ضد الدين فكان لابد من تعزيز الوعي الديني…
وبالتالي من كل ما سبق أنا أعتقد بأنه وعلى خلفية هذه الأزمة يجب أن نهتم أكثر بالمدارس الدينية وبالقطاع الديني بشكل عام وليس العكس.
*
* السؤال التاسع:
سيادة الرئيس، فتنة طائفية ضربت لبنان منذ عقود، ومثيلتها ضربت العراق بعد غزوه… ألم نكن بصورة أن ما يجري في دول الجوار قادم إلينا لا محالة.. وماذا فعلنا في مواجهة ذلك؟
** السيد الرئيس:
طبعاً وبديهي، ولولا هذه الرؤية لما وقفنا ضد الكثير من السياسات الخارجية الغربية التي اعتقدنا أنها تؤدي للفوضى وهذا الشيء ثبت فعلاً، وأحد تلك الأمثلة هو موقفنا الرافض للحرب في العراق… كنا حاسمين جداً على الرغم من كل التهديدات الأمريكية الخطيرة حينها، وعلى الرغم من المغريات الكبيرة بالمقابل أيضاً… قلنا «لا» وبوضوح حينها فنحن بالمبدأ ضد أي عدوان على أي دولة شقيقة أو صديقة ليس فقط خوفاًَ على العراق الشقيق بل بسبب معرفتنا للنتائج الكارثية التي ستؤول إليها هذه الحرب، قبل ذلك عبرنا عن قلقنا من الحرب على أفغانستان، وأنا كنت أقول بشكل واضح للمسؤولين الأمريكيين بعد أحداث 11 أيلول عندما كانوا يزورون سورية ويقولون إنهم سيهاجمون الإرهابيين وسيضربونهم في كل مكان، وكانوا حينها يفترضون أننا سعيدين بهذا الكلام لأن سورية أول من دعت ومنذ الـ 85 إلى تعريف واضح للإرهاب وتشكيل تحالف دولي ضده ولم يهتم أحد بذلك في حينها لأنهم لم يكونوا قد ذاقوا معنى الإرهاب في دولهم، كنت أقول للمسؤولين الأمريكيين إن الحرب على أفغانستان ستعزز الإرهاب وتنشره.. فالإرهاب كالسرطان عندما تضربه بمبضع الجراح دون استئصال ينتشر بسرعة أكبر في الجسد. فلا بد من استئصاله لا ضربه، والإرهاب لا يستأصل بالحرب وحدها.. بل بالثقافة والتعليم والتواصل وحتى الاقتصاد.
لم يسمعوا، وما زلنا نعاني من تداعيات حرب أفغانستان، أو لم يريدوا أن يسمعوا لأنهم أعادوا نفس الكرة في العراق، ووقفنا نفس الموقف وقلنا لهم إن الوضع في العراق سيتحول إلى أزمة طائفية وسينحو باتجاه التقسيم، وها نحن نرى النزعات التقسيمية في العراق شئنا أم أبينا. نفس الشيء قبل كل هذه الأحداث، عام 1976 دخلنا إلى لبنان لأن تداعيات الحرب أثرت على سورية منذ اليوم الأول.. دخلنا لنحمي لبنان نعم، لكن لنحمي سورية أيضاً.
إذاً جواباً على سؤالك.. كنا نرى كل هذه الأشياء ونقف ضدها ونتدخل حين يجب ونستطيع التدخل لكن بنفس الوقت أنت لست معزولاً عن الجوار، ولا يمكن لك أن تعزل نفسك. ما حصل قد حصل، وكنا نجاهد خلال السنوات الأخيرة – وخاصة بعد الحرب على العراق – كي نمنع قدر المستطاع تداعيات ما يحصل خارجياً على الداخل السوري، لكنك تستطيع أن تمنع جزئياً أو تؤخر بعض الوقت ولا يمكن لك أن تمنع جميع التداعيات كل الوقت… وفعلاً بدأت البؤر المتطرفة في سورية تظهر بعد 2004، في البداية كانت بؤراً غير سورية لكن مع الوقت تحول جزء ليس باليسير منها إلى بؤر سورية للأسف.
*
* السؤال العاشر:
إذا كان هناك محاولات منذ بداية الأزمة وربما قبلها لجر سورية للمفاهيم الطائفية، وبعد سنتين ونيف وجدوا شاهداً على ما أرادوا بموضوع مشاركة حزب الله وما أثير حوله وأنه بصراحة جاء لنصرة طائفة بعينها.. ما ردكم؟
** السيد الرئيس:
في هــذه المنطقة هم جربوا كل الوسائل .. استعماراً مباشراً أو غير مباشر، تهديداً ووعيداً، محاولات اختراق أمنية – ثقافية…. إلخ.. كل شيء وبقيت سورية عائقاً في وجه كل ما خططوا له. وبعد الاحداث التي شهدتها بعض الدول العربية في الفترة الاخيرة.. تخيلوا أن الفرصة سانحة الآن لضرب سورية بهدف ضرب المحور المقاوم في المنطقة .. الأساس الآن هو تغيير تعريف ووجه وصفات العدو والحليف، فتتحول إسرائيل الى عدو غير مرئي – لا نراه – هذا إذا لم تتحول الى صديق عند البعض، وتتحول المقاومة الى عدو … وبالتالي بدلاً من أن ننظر إلى المقاومة كفعل وحركة وتيار لمقاومة إسرائيل يجهدون الآن لجعل الجميع ينظر إليها على أنها هي العدو عبر تحويلها من مشروع مقاومة إلى مشروع طائفي، هذا هو الحل الوحيد والأخير المتبقي لديهم لضرب مفهوم ومحور مقاومة إسرائيل. وعليه حاولوا أن يشوّشوا على النظرة الواعية للشعب السوري وفشلوا كما فشلوا في كل ما حاولوا به سابقاً … افترضوا أن تصوير المقاومة لدى الشارع السوري بهذه الطريقة وتحويلها الى عدو، سيؤثر على مبادئنا وعلى المقاومة، وبالتالي توهموا أنهم بذلك يجعلوننا نشعر بنوع من التردد والتراجع أو الخوف من تداعيات طروحات منحرفة كهذه. وهذا ما لم ولن يحصل.
الحقيقة الواضحة بالنسبة لنا وللمقاومة ولكل من يقف معنا، أن الهدف واضح .. والطريق واضح.. يستطيعون أن يطرحوا ما يشاؤون في الخارج، لكن نحن سنصل الى ما نريده – سواء بمفهومنا للمقاومة أو بأوضاعنا الداخلية – سنصل إليه بطريقتنا ودون تردد، فليتكلموا كما يشاؤون، ونحن سنفعل ما نراه في مصلحة سورية.
* السؤال الحادي عشر (مداخلة):
هل كنا بحاجة لكل ذلك؟ أي لوجود عناصر من حزب الله تقاتل معنا؟
** السيد الرئيس:
هذه ليست أول مرة أسأل فيها هذا السؤال وجوابي واضح جداً: الجيش السوري يقاتل في كثير من المناطق في سورية، ولو أردنا أي جهة لكنا قادرين على جلب العديد .. ولكن موضوع القصير مرتبط بموضوع المقاومة أكثر من ارتباطه بالوضع الداخلي السوري.. القصير ليست بالأهمية الاستراتيجية التي أرادوا أن يظهروها بها..
* الصحفي (مقاطعاً):
* لكن الغرب أظهرها بأنها معركة المعارك..
* السيد الرئيس:
تماماً .. لأنها تعني موضوعاً مشتركاً .. موضوعاً داخلياً سورياً ولكنها تعني المقاومة أيضاً، خاصة أنها منطقة حدودية تتعلق بالحديقة الخلفية للمقاومة .. المقاومة لا يمكن أن تكون قوية من دون عمق حقيقي لها .. فسورية هي عمق المقاومة وهذا المكان من الناحية الجغرافية استراتيجي بالنسبة لعلاقة سورية بلبنان وتحديداً بالمقاومة .. في هذه الحال ضرورة وجود المقاومة لتخوض المعركة المرتبطة بها، كما هي مرتبطة بسورية، نعم، هو شيء ضروري، ولن نتردد ولا نخفي هذا الشيء ولا نخجل به .. لذلك أنا قلت إذا كنا بحاجة للمقاومة لماذا احتجناها في القصير ولم نحتجها في دمشق أو حلب أو في باقي المناطق؟ هذا الكلام مبالغ فيه.. نحن لدينا جيش ولدينا الآن دفاع وطني يقاتل مع الجيش وأعداده كبيرة .. لا تستطيع أي جهة خارجية أن تؤمّن لنا هذا العدد الذي يقاتل بشكل مواز للقوات المسلحة ويحقق فكرة أنه رديف حقيقي للجيش.
*
* السؤال الثاني عشر:
رغم كل ما تفضلتم به إلا أن هناك أشخاصاً من المعارضة أو من غيرها وخاصة في الخارج يروجون أن ما يجري هو صراع طائفي وأن الدولة هي من خلق هذه البنية الطائفية لمصلحتها؟
** السيد الرئيس:
أن تساهم الدولة في خلق البنية الطائفية يعني أن تساهم في تقسيم المجتمع السوري.. يعني أن تسعى الدولة إلى تقسيم الوطن.. هل هذا يتوافق مع المعارك التي نخوضها في مختلف المناطق لكي نوحد سورية؟ الوضع الديمغرافي في سورية ونوعية المعارك تناقض تماماً هذه الفكرة وهذا الطرح يناقض تماماً مصلحة الدولة، فكل دولة لها مصلحة في أن تكون الدولة موحدة وقوية والوضع الاجتماعي مرتاحاً لكي ترتاح الدولة وبالتالي هذا الكلام يناقض تماماً هذا المبدأ، إن البنية الطائفية تدفع الدولة إلى السقوط وليس الانتصار، فإذا كانت الدولة ذات فكر وطني فهي تجاهد لعدم الوصول إلى ذلك من أجل وحدة المجتمع وضمانه وبالتالي ضمان قوتها.. بقليل من المنطق لا يوجد دولة تسعى بهذا الاتجاه إلا إن كانت دولة جاهلة وسورية ليست كذلك..
* مداخلة:
لنوضح أكثر سيادة الرئيس .. هناك اتهامات غربية لكم بأنه عندما بدأت الاحتجاجات قمتم وبحنكة شديدة بالإيحاء للأقليات بأنها مهددة وبالتالي تم التفافها حولكم وعليه يحمّلون الرئيس السوري مسؤولية إحداث شرخ في المجتمع؟
* السيد الرئيس:
لو كان هذا الكلام صحيحاً لكنا وصلنا فوراً إلى الحرب الأهلية ولسقطت الدولة .. لأننا لو تكلمنا بهذا المنطق وهو منطق نرفضه في سورية، أي الأقليات والأكثريات، ولكن إذا افترضنا أننا نريد أن نسير بهذا المنطق أو أن نتحدث من خلاله فلا يمكن لأقليات أن تحمي دولة .. الدولة تصمد بأكثريات .. ليس بالضرورة أكثريات قومية أو أكثريات طائفية أو أكثريات دينية.. وإنما أكثريات شعبية وما دامت الدولة صمدت وصمد معها الشعب فهذا يعني أن الأكثرية صمدت وليس الأقلية .. فهذا يؤكد أن أكثرية الشعب هي التي دعمت الدولة وهنا عندما نتحدث عن أكثرية الشعب لابد أن تشمل كل الطوائف .. لا يمكن أن نشكل أكثرية الشعب من أقليات .. فإذاً هذا ينسف كل تلك الاتهامات. يمكنك أن تلاحظ أن المشروع الغربي دائماً يُبنى على هذه النقطة حتى أيام الاستعمار الفرنسي.. كيف قسّموا سورية؟ قسموها إلى مناطق تُبنى على الأقليات .. دولة العلويين، دولة الدروز، دمشق، حلب… إلخ، ولكن بشكل أساسي اعتمدوا على فكرة الأقليات. في ذلك الوقت أي منذ حوالي تسعين عاماً كان لأجدادنا وعي بأن هذا الموضوع خطير فهل من المعقول بعد كل تجاربنا اليوم أن نكون أقل وعياً من أجدادنا؟.. أيضاً هذا يناقض المنطق. فهذه التجربة مرت بها سورية وفشلت مع أنهم طبعوا عملة وأوجدوا وثائق، وبالتالي من المستحيل أن تنجح اليوم .. هذا الكلام لا يمكن أن ينجح إلا إذا تعزز الفكر التكفيري في سورية أو حكم الإخوان المسلمون أو تعزز فكرهم في سورية.. عندها تحصل الفتنة كما نرى الآن في دول عربية وعندها تتقسم البلد وهذا لن يكون.
*
* السؤال الثالث عشر:
لكن الاتهامات للدولة بخلق بنية طائفية لم تأتِ فقط من أصحاب فكر متطرف وما شابه، بل نسمعها أيضاً على ألسنة بعض المثقفين الذين يقدمون أنفسهم كعلمانيين؟
** السيد الرئيس:
للأسف نعم، إن أكثر الطروحات الطائفية التي نسمعها الآن لا تأتي فقط من التكفيريين المتطرفين بل تصدر أيضاً ممن يدّعون بأنهم علمانيون.. نحن اليوم أمام مجموعتين تتحدثان بالطائفية: الأولى تسمي نفسها علمانية رغم أننا قلنا مراراً أن العلمانية هي ليست ضد الدين بل هي حرية ممارسة الأديان والثانية هي من الجهلة الذين يدّعون الدين ولا يعرفون جوهره،المهم أن الكتلة الأكبر من المتدينين الواعين لجوهر الدين لا تتحدث بالطائفية لأنهم يعلمون تماماً كما نعلم جميعاً أن الطائفية هي نقيض الدين.
إذاً ما يجمع بين الفئة الأولى التي تدعي الثقافة والعلمانية حسب مفهومها، وبين الفئة الثانية التي تدعي فهم الدين وجوهره.. هو في الحقيقة الجهل، والجهل بالدين تحديداً.. لأن الجهل بالدين هو الذي يؤدي الى فكرة الطائفية، وأنا لا أقول المذهبية هنا، فهناك فرق واضح بين المفهومين فالمذهب أساسه فكري.. عندما أتى الأئمة الكبار في ذلك الوقت قدموا لنا فكراً كي نُغني معرفتنا بالدين، فالفكر يأتي ليعزز الدين ويغنيه مع الوقت، لم يقدموا لنا طائفية نتبعها بل مذاهب نعمق فكرنا وديننا وحياتنا عبرها، مدارس فكرية أغنت الدين وأغنت الفكر الديني وأغنت الممارسة.
من لا يعرف الدين هو فقط من يتحدث بالطائفية لأن الطائفية بالنسبة له حلت محل الدين، وهذا شيء خطير ومدمر، بعد كل ذلك لا نستغرب من تلك الفئات التي تحدثت عنها والتي تتباهى بالعلمانية وهي لا تعرف معنى العلمانية ولا معنى الدين، أن تتحدث بالطائفية.
* السؤال الرابع عشر:
في كل هذه المفاهيم المغلوطة والممارسة المنحرفة الطارئة على مجتمعنا من قتل وذبح إلى طائفية وتقسيم.. هل نحن أمام بداية خسارة المشروع القومي العربي لمصلحة التعصب والتكفير؟
** السيد الرئيس:
إن الهوية العربية مهددة من ثلاثة عوامل: الأول هو الانسلاخ عن الهوية العربية باتجاه الغرب تماما، والثاني هو الانسلاخ المضاد باتجاه التطرف، والعامل الثالث هو أداء الحكومات العربية المتعاقبة الذي أدى عند البعض إلى الابتعاد عن المفهوم العربي برمته، وهذا خاطئ، هذه العوامل الثلاثة وجهت ضربات قاسية للمشروع القومي العربي، لم يمت ولم يخسر تماماً حتى الآن وهذا بات واضحاً في المزاج الشعبي لأن الحالة الشعبية العامة لم تتغير ولم تبدل هويتها، تأثرت نعم ببعض بؤر التفتت في بعض الأماكن لكن المجتمع العربي لن ينهار بل على العكس.. لأن المشروع القومي هو فكرة انتماء للقومية وبالتالي للعروبة.
*السؤال الخامس عشر:
سيدي الرئيس.. منذ بدايات الأحداث في سورية كان هناك دعوات في تركيا للتعامل مع الإخوان المسلمين تحديداً.. وكان هناك رفض سوري قاطع لهذا التعاون أو التعامل معهم كجهة سياسية سورية.. الآن نحن في الطريق إلى جنيف، وقد أعلنت سورية انها ذاهبة إلى جنيف ودون شروط مسبقة.. هل سنتحاور مع الإخوان المسلمين؟
** السيد الرئيس:
نحن نتعامل مع أي طرف، وبالمناسبة نحن تحاورنا مع الإخوان المسلمين بعد أن ضربوا في سورية عام 1982.. تحاورنا معهم في الثمانينيات.. نحن نتحاور من منطلق أن الحوار ربما يعيد الطرف الآخر إلى الموقع الصحيح.. إلى الموقع الوطني.. إذا كان يريد أن يتحدث عن الإسلام فليعد إلى الإسلام الصحيح.. إلى المكان الصحيح لكل ما يتعلق بنا كسوريين، فهذه الحوارات لم تتوقف وكان هناك عدة محاولات ولكن في كل مرة كنّا نكتشف أن الإخوان المسلمين لم يتخلوا عن منطق النفاق بكل بساطة.. لم يتخلوا عن هدف وحيد وهو السيطرة والحكم ولم يكن في يوم من الأيام هدفهم الوطن أو الدين.. من جانب آخر نحن نتحاور معهم كأشخاص وليس كحزب لأن مبدأ الحزب الديني مرفوض بالنسبة لنا.. وهذا واضح في الدستور الجديد.. وفي قوانين الأحزاب لا يفهمنّ أحد أننا ضد الدين على الاطلاق.. بالعكس نحن مع الدين ولكن الدين هو دعوة.. بالتالي هو عمل دعوي.. وهو أكبر من القضايا الإنسانية اليومية.. الدين لكل البشرية ولا يرتبط بفئة محدودة.. الدين أتى من أجل كل الإنسانية وليس من أجل فئة محدودة.. وبناءً على كل ذلك فالدين بموقعه أرقى من التفاصيل الإنسانية التي فيها الكثير من المساوئ والموبقات والانحرافات والأهواء المختلفة.. عندما نأتي بهذا الدين ونضعه في حزب فنحن نقزّمه.. لذلك نحن ضد هذا المبدأ لأن الدين كما قلنا أتى ليعزز الأخلاق.. وعندما تتعزز الأخلاق تتعزز السياسة والأحزاب والاقتصاد وكل شيء ويزدهر الوطن.. فإذاً ولأجل ما سبق نحن لا نعترف بهم كحزب أصلاً وضد هذا المبدأ، ولكن بممارساتهم هم إرهابيون قاموا بقتل الآلاف من السوريين.. نحن لا ننسى ذلك.. والقيادات التي قامت بأعمال القتل هي نفسها موجودة الآن في الخارج لم تتغير.. فإذاً نحن سنحاور الجميع مع معرفتنا المسبقة بالتوجهات الحقيقية لهؤلاء ومع معرفتنا المسبقة بأن الأمل بتبدل من بُني على عقيدة عمرها أقل من قرن بقليل لن يتغير اليوم ويصبح فجأة وطنياً ومعتدلاً في إسلامه ويحمل الكثير من الصفات الأخلاقية الأخرى.. رغم ذلك كانت هناك بعض القيادات الإخوانية التي حاورناها في الثمانينيات وعادوا إلى سورية لكن بصفتهم الشخصية، بقيت لديهم عقائدهم الدينية ونحن نحترمها ولا توجد لدينا مشكلة معهم ماداموا عادوا وساهموا في بناء الوطن لا بتخريبه.. الأهم من ذلك أن أي حوار مع أي جهة، كما قلت في أكثر من مناسبة، سيعود للاستفتاء الشعبي وبالتالي لا يمكن للشعب إلا أن يختار ما هو صحيح بالنسبة للوطن من نتائج أي حوار مع أي جهة.
* السؤال السادس عشر:
على ذكر الإخوان ورؤيتكم وتوصيفكم لهم، كيف يتابع الرئيس الأسد ما يجري في مصر هذه الساعات؟
** السيد الرئيس:
ما يحصل في مصر وبكل بساطة هو سقوط لما يسمى الإسلام السياسي، هو سقوط لهذا النوع من الحكم والذي حاول الإخوان إقناع الناس به ليس فقط في مصر.. بكل الأحوال أعود وأكرر أننا لا نقبل أن ينزل الإسلام لمستوى السياسة لأن الدين أعلى من السياسة، الدعوة الدينية يجب أن تستمر بشكل مستقل ومنفصل، خاصة أن الحكم له شوارعه الضيقة والتفافاته التي يجب ألا يأتي إليها الدين، هذه التجربة فشلت وسقطت وبسرعة كبيرة ذلك لأنها خاطئة منذ البداية، وما بُني على مبدأ خاطئ لا بد أن يسقط، نعم نظرتنا إلى الإخوان تنطبق الآن على ما يحصل في مصر، ومن يأتي بالدين ليستخدمه لمصلحة السياسة، أو لمصلحة فئة دون أخرى سيسقط وفي أي مكان في العالم.
* السؤال السابع عشر:
هل خدع الإخوان المسلمون الشعب المصري أم إن الشعب المصري صحا فجأة واكتشف حقيقة الإخوان المسلمين؟
** السيد الرئيس:
عندما تتحدث عن مصر والعراق وسورية فأنت تتحدث عن دول تقع في مناطق استراتيجية من العالم ومتجذرة في التاريخ والأرض منذ آلاف السنين وبالتالي لدى شعوبها الكثير من مخزون الوعي والمعرفة، وهذه الشعوب لا تخدع، خاصة عندما تمتلك الحضارة والثقافة المجتمعية والإنسانية، لأنك أصلاً تستطيع خداع بعض الناس لبعض الوقت لكن لا يمكنك خداع كل الناس كل الوقت، فما بالك بالشعب المصري الذي يحمل حضارة آلاف السنين وفكراً قومياً عربياً واضحاً؟! ربما ما حصل منذ عام كان ردة فعل طبيعية بالنسبة له مقارنة بالحكم السابق.. لكن وبعد عام كامل تكشفت الصورة للشعب المصري، وساعدهم أداء الإخوان المسلمين – على ما يبدو – لكشف الأكاذيب التي نطق بها الإخوان في بداية الثورة الشعبية في مصر.. الشعب المصري شعب عريق استطاع أن يكشف الأمور بسرعة وهذا ما حصل..
* مداخلة: وهذه سرعة قياسية خلال عام واحد؟
* * السيد الرئيس:
طبعاً والفضل فيها للإخوان.
*مداخلة: هل نستطيع أن نقول إن تجربة الإخوان في الحكم تجربة فاشلة؟
** السيد الرئيس:
بالنسبة لنا كنّا نراها فاشلة قبل أن تبدأ، هذا النوع من الحكم فاشل لأنه لا يتوافق مع طبيعة الناس.
مشروع الإخوان هو مشروع منافق، يهدف حقيقة لخلق فتنة في العالم العربي، فهم أول من طرح في سورية المفهوم الطائفي ومشروع الفتنة الطائفية منذ السبعينيات، حينها لم نكن نعرف كلمة طائفية أو نتحدث بها، لم نسمع عنها ولم نكن نفهم الطوائف حتى كمفاهيم.. هم أول من طرحها في بلادنا.. فهم إذاً مشروع فتنة، والفتنة لا يمكن لها أن تستمر في مجتمعات واعية.. لذلك كنا نرى دائماً أن مشروعهم فاشل قبل أن يبدأ.
* مداخلة:
هناك من يقول إن واحداً من الأسباب العديدة لما يجري في الشارع المصري اليوم هو قطع العلاقات مع سورية، ورويترز كانت قد ذكرت نقلاً عن مصادر عسكرية أن موقف المؤسسة العسكرية بدأ يتغير بعد تصريحات مرسي أثناء اجتماعه الكبير مع المعارضة السورية.
** السيد الرئيس:
أنا لا أريد أن أتحدث نيابة عن المصريين لكن أقول لك عندما قطع محمد مرسي العلاقة مع سورية قبل أسابيع كان هناك اتصالات مع الجانب السوري للوصول إلى حل وسط وهذا ما كشف عنه وزير الخارجية السيد وليد المعلم في مؤتمره الصحفي الأخير، وذلك يعني أن في الدولة المصرية من هو ضد هذا القرار، لأنه قرار خاطئ وهذا ما قاله مثقفون وإعلاميون مصريون كبار هاجموا هذا القرار بشكل واضح لأن العلاقة الاستراتيجية بين البلدين قديمة جداً، فالفراعنة منذ آلاف السنين كان لديهم وعي للعلاقة الاستراتيجية بين سورية ومصر عسكرياً وسياسياً، ولذلك كانت حروب المصريين مع الحثيين في قادش في عام 1280 ق.م كانت في حمص عند القصير في حينها.. ذلك أن الحثيين كانوا يعرفون أهمية العلاقة مع سورية بالنسبة لهم وهم الذين كانوا يتوضعون بالأناضول.. وبنفس الوقت كان الفراعنة يعلمون ذلك أيضاً أي أهمية العلاقة الاستراتيجية مع سورية لأنها عمق مصر، وانتهت الحرب – دون منتصر – باتفاقية من أقدم الاتفاقيات في التاريخ بين الحثيين والفراعنة، هذا كان عام 1280 ق.م فكيف عرف الفراعنة هذا الموضوع ولم يفهمه شخص يعيش في القرن الحادي والعشرين؟! إنه جهل مخجل.
* السؤال الثامن عشر:
تحدثنا عن الحوار.. وهيّأنا الأرضية.. وأطلقنا البرنامج السياسي.. وبدأنا بخطوات فعلية.. حتى في جنيف تبنينا الموقف.. بالإطار العام الحوار يبقى شأناً سياسياً بنسب كبيرة، أريد أن أسأل عن الشأن الإنساني، وهو التسامح والمسامحة ويدخل معهما إطار المصالحة أيضاً.. هناك من يسأل سيادة الرئيس، كيف لنا أن نسامح بشقين داخلياً وخارجياً؟
** السيد الرئيس:
بالنسبة للشق الداخلي وهو الأهم بالنسبة لي بهذا الموضوع.. نحن أحياناً نضع الأمور في سلة واحدة.. فهناك من خرب ولم يقتل.. هناك من حمل السلاح ولم يقتل.. هناك من ساعد ولكن لم يمارس القتل.. أي إن هناك أنواعاً من الناس.. بالنسبة لنا كدولة نستطيع أن نتسامح مع كل الأجزاء الأولى، لأنها أضرت بالحق العام، والدولة مسؤولة عن الحق العام وتستطيع أن تسامح، شرط أن يكون التسامح هو عودة الشخص إلى الموقع الوطني الصحيح.. أما بالنسبة لما يتعلق بموضوع القتل المثبت فهذا حق شخصي، ولا يحق للدولة أن تتنازل عن حق شخصي يحمله أي مواطن سوري آخر، هو من يحمل هذا الحق، لكنني سمعت شخصياً من عدد من عائلات الشهداء الكلام التالي حرفياً: «إذا كان دم ابننا أو أخينا سيؤدي لحل المشكلة فنحن نسامح».. فعندما تسمع هذا الكلام من عائلات من فقدوا أبناءهم، فالأولى بنا جميعاً أن نتعلم منهم.
التسامح ضروري في حل الأزمات الوطنية شرط أن يكون شعبياً وليس رسمياً، والتسامح قوة، وهو علامة وطنية أي عندما أقدم أنا كمواطن الحق العام على الحق الشخصي.. يجب أن ننطلق جميعاً من هذا المفهوم.
نحن في عائلتنا أصبنا في الأحداث وخسرنا أشخاصاً ولكن في النهاية كأية عائلة أخرى، يجب أن نفكر أولاً بالوطن قبل أن نفكر بمشاعرنا الشخصية.. لابد أن نفكر بهذه الطريقة داخلياً .
الشق الآخر الخارجي، هو سياسي أكثر.. بالسياسة الخارجية أول شيء تفكر فيه ليس العواطف، بل تفكر بمصلحة بلدك.. هناك مبادئ وهناك مصالح، ويجب دائماً أن تبحث عن الربط بين المصالح والمبادئ.. الشيء السيئ هو أن تكون مبادئك متناقضة مع مصالحك، فإما المبادئ خاطئة أو المصالح خاطئة.. فلا بد أن يكون هناك دائماً ربط بينهما.. في هذه الحالة عندما نتحدث بمبدأ التسامح، وهو مبدأ ديني وإنساني بالوقت نفسه، فالتسامح هو شيء جيد.
عندما يكون هذا التسامح يخدم العلاقة مع هذا البلد وبالتالي يخدم المواطن السوري فلماذا لا نسير به؟.. لأن الهدف الأساسي لأي دولة هو أولاً مصلحة المواطن، هذا هو الهدف، فإذا كان يحقق هذا الهدف فهنا يتوافق المبدأ مع هذه المصلحة وعندها يجب أن نسير به، وهذا ما قمنا به.. نحن استقبلنا عدداً من السياسيين والتقينا مع عدد من الدول التي ناصبتنا العداء.. الهدف كان دائماً هو الوصول إلى مصلحة المواطن السوري.
* السؤال التاسع عشر:
سيادة الرئيس، المواطن السوري عامة يعيش اليوم همّين وربماً أكثر، همّ الإرهاب والدم في الشارع، في مؤسسات الدولة، في المصنع، في أي مكان، والهمّ الثاني همّ المعيشة الذي يتعالى، وتتزايد وطأته على كاهل المواطن، ماذا عن الاقتصاد؟ ماذا عمّا يشاع اليوم بأن الارتفاع الجنوني للدولار هو الذي يتسبب بما يؤول علينا بهذه المصائب؟
ماذا نقول للمواطن السوري اليوم اقتصادياً؟
** السيد الرئيس:
أولا لكي يكون التقييم موضوعياً لا بد أن نبدأ من البديهيات والأسس، من البديهيات، الوضع الجيد للمواطن بحاجة لاقتصاد جيد، والاقتصاد الجيد بحاجة لوضع أمني جيد، لا يمكن أن يكون هناك أمن مضطرب مع اقتصاد جيد، هذه بديهية، وبالتالي المشكلة الأمنية تؤثر علينا بشكل مباشر شئنا أم أبينا، بغض النظر عن أي أداء لأي حكومة، ولو أتينا بأفضل الناس، سيكون هناك تأثير، بنفس الوقت، البديهية الأخرى، أن الدول التي حاولت أن تضرب سورية أولاً من خلال فكرة الثورة التي فشلت لأنها لم تجد الحاضنة الشعبية، ولاحقاً من خلال فكرة الإرهاب الذي واجهه الجيش والشعب بنفس الوقت، وأيضاً فشلوا، فكان لابد من العمل على الموضوع الاقتصادي، لينتقموا من المواطن الذي وقف مع وطنه، وقف مع نفسه ومع الوطن أولاً، كان لابد أن يدفع الثمن، فكان الطريق الاقتصادي هو طريق آخر وموازٍ للأمني لكي يحاولوا ضرب سورية، فإذا أخذنا بالاعتبار هذين الجانبين يجب أن نعرف بأن هناك ثمناً لا بد من أن ندفعه.
الآن يجب أن نعرف بأننا نستطيع دائماً أن نخفف من الأضرار، لأنه في هذه الظروف ينشأ تجار الأزمات، الذين يزيدون من المعاناة، هناك الجانب الآخر غير الموضوعي، هو الأداء الخاطئ من أي مسؤول حتى لو كان مرتبطاً بمجال آخر، فأيضاً هذا يزيد من المعاناة، علينا إذاً أن نتعامل مع هذا الجانب ومع الجانب الآخر، وأيضاً علينا أن نبحث ما هي السياسات التي تناسب هذه المرحلة؟ البعض يقع في خطأ أحياناً، أن يقيّم السياسات أو الأداء بنفس الطريقة التي كان يقيّم فيها قبل الأزمة، هذا كلام غير موضوعي، نحن في ظرف مختلف الآن، هناك أيضاً طبيعة الحياة، أو الطبيعة الاستهلاكية التي نعيشها، من غير المعقول أن نعيش حياة استهلاكية بنفس الطريقة التي كانت قبل الأزمة، وهذا موضوع ضاغط أيضاً، ويشكل ضغطاً على الاقتصاد وعلى الليرة، لا بد أن نغير نمط حياتنا أحياناً لكي نخفف من الضغوطات ونتأقلم معها ريثما نذهب إلى الحل الأساسي وهو الوضع الأمني، فإذاً الحل قبل كل شيء، وما يجب أن نعرفه جميعاً، أن معاناتنا الاقتصادية لن تنتهي قبل أن ننهي الحالة الأمنية، لذلك بما أن هذا الموضوع أصاب الجميع، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية – حتى من كان يقف مع الثورة المزعومة أصابه الفقر الآن وبدأ يعي بأنه خسر، وهذا شيء مؤسف أن ينتظر حتى يصل إلى مرحلة الفقر كي يفكر، طبعاً هذا موجود في بؤر محدودة – ولكن الآن علينا أن نتكاتف جميعاً لضرب الإرهاب كي يعود الاقتصاد كما كان، يجب أن نبحث عن تجار الأزمة ونتعامل معهم، يجب أن يتعاون المجتمع والدولة الآن، يجب أن نبتعد عن فكرة الاتكالية، نحن لدينا مشكلة منتشرة، نحن اتكاليون، كل واحد يتكل على الآخر، هذه مشكلة، موجودة في مجتمعنا.
نفس الشيء بالنسبة للدولة والمجتمع، إذا لم يتكاتف المسؤول مع المسؤول، والمواطن مع المواطن والمسؤول مع المواطن، فستزداد المعاناة، فإذاً يجب أن نكافح تجار الأزمة، يجب أن نبتكر أفكاراً جديدة، كلنا نساهم بهذه الأفكار، كيف نتعامل مع هذه الظروف الصعبة التي فرضت نفسها؟ ما هي الحلول الأفضل من الناحية الاقتصادية؟ يجب أن نبادر كلنا لاستنباط الأفكار، وهنا يأتي دور الإبداع، عندما لا نكون مبدعين ستفرض الأزمة كل خياراتها علينا.
يجب أن نفرض نحن ما هي الحلول، فإذاً أمامنا خيار، ولكن أعود وأؤكد: إذا تعاونا وضربنا هذا الوضع الإرهابي بأقصر فترة، فأنا لا يوجد لدي أي قلق بأن الاقتصاد سيعود أقوى من السابق لأن لدينا شعباً حياً، نحن بلد حضارة، لم نستورد التطور من الخارج، نحن بنينا بلدنا بأموالنا وبخبراتنا، على الرغم من العثرات، لكن بنيناها، إذاً نحن قادرون بعد الأزمة أن نعود ونقوم بعملية إطلاق قوية للاقتصاد السوري، ما نحتاجه الآن هو الأمن أولاً.
* السؤال العشرون:
ما حقيقة الثروات النفطية والغازية التي تتحدث عنها مجموعة من مراكز الأبحاث، مجموعة من المتخصصين في سورية في المياه الإقليمية؟
** السيد الرئيس:
هذا صحيح إن كان في المياه الإقليمية أم في الداخل، الدراسات الأولية تقول إنه لدينا ثروات غازية كبيرة جداً وخاصة في البحر ونحن رأينا الآن من مصر مروراً بفلسطين، على الساحل هناك ثروات مستثمرة الآن وخاصة أنه يقال إن في القسم الشمالي توجد ثروات أكثر من باقي المناطق فهذا الكلام صحيح، وطُرح أن أحد أسباب الأزمة هو الثروة الغازية لأنه لا يجوز أن تكون هذه الثروة النفطية موجودة في يد دولة ممانعة، ولكن طبعاً لم يطرح معنا هذا الموضوع بشكل مباشر ولكن هذا تحليل منطقي لا نستطيع أن ننفيه ولا نستطيع أن نعتبره سبباً ثانوياً.. قد يكون سبباً رئيسياً ولكن يبقى في إطار التحليلات.
* السؤال الحادي والعشرون:
سأعود إلى الوضع المعيشي من زاوية أخرى، هي أن الحكومة قدمت فعلاً زيادة على الرواتب، مرتين خلال الأزمة.. الزيادة الأولى كانت متوقعة وربما البعض قال بأنها ضرورية، أما الثانية فهناك بعض الأوساط تفاجأت أن لدى الدولة القدرة على زيادة الرواتب في هذا الظرف، رغم كل المعاناة، هذا يولد الأمل أيضاً بخطط ما بعد الأزمة، هل بدأنا بخطواتنا في هذا الاتجاه؟ هل فكرنا فيه؟ هل وضعنا ما يمكن أن يعيننا بالمستقبل؟
** السيد الرئيس:
بما أن أكثر شيء عانينا منه هو التدمير، فإن الأساس الأكبر للاقتصاد السوري هو إعادة الإعمار، هذا من البديهيات، وبدأنا من الآن بوضع خطط، وبدأنا بتنفيذ البعض منها، ما عرقلها هو العامل الأمني، تم إقرار التشريعات ولكن التنفيذ بحاجة لوضع أمني أفضل لكي يبدأ الناس بالإعمار ولكي يتمكن العمال من الوصول إلى مناطق آمنة لكي يقوموا بعملهم، نقطة مهمة أخرى ذكرتها أنت وهي زيادة الرواتب، فبمجرد أن تكون الدولة قادرة على الاستمرار باعطاء الرواتب وتستمر بتقديم الخدمات ولو بنوعية أقل مما كانت في ظل حرب كالتي نخوضها وبهذا الزمن الذي كان كافياً لانهيار دول أقوى من سورية بكثير، هو إنجاز كبير، ولكن مع ذلك أنا دائماً أنطلق بالقول بأن الايجابيات موجودة ولكن طموحاتنا أكبر، وأنا دائماً أقول نستطيع أن نكون أفضل إذا تكاتفنا مع بعضنا بعضاً.
* السؤال الثاني والعشرون:
هناك سؤال مرتبط بالحالة المعيشية ولكن باتجاه آخر.. البعض يحمّل الدولة المسؤولية في بداية الأزمة عن الوضع الحدودي.. فلتان بعض الأسواق والأسعار.. أي بمعنى غياب الدولة.. هل لأننا تفاجأنا بالأزمة أم لأن المؤسسات المعنية بهذا الأمر كانت قاصرة؟
** السيد الرئيس:
طبعاً لا شك، قبل الأزمة كان لدينا الكثير من السلبيات والنواقص في عمل أجهزة الدولة المختلفة في ظروف طبيعية وكنت دائماً أتحدث عن هذا الخلل وعن الفساد والتقصير والإهمال والبحث عن الشخص المناسب وغيره.. فهذا الخلل أساساً موجود.. طبعاً الأزمة أظهرت هذا الخلل بشكل أكبر أو ضاعفته.. هذا شيء طبيعي.. ولكن الحديث عن فكرة أن الدولة موجودة أو غير موجودة، هنا البعض كان يُقيّم الوضع كما هو قبل الأزمة كشأن داخلي.. فساد داخلي وقضايا كلها داخلية.. يجب أن نفرق بين أن تكون المشكلة داخلية كأن يكون هناك دولة وبنفس الوقت هناك فوضى كلها من عوامل داخلية.. هناك عصابات كما في بعض الدول.. هناك قلة أمان، وبين أن تكون حرباً خارجية.. نحن الآن في حالة حرب، فهذه الدولة الآن تقوم بالدفاع عن الوطن.. صحيح بأدوات داخلية وصحيح من الداخل ولكن في النهاية الحرب هي حرب خارجية.. فهنا لا ينطبق هذا التقييم على هذه الحالة.. الوضع مختلف تماماً.. وجود الدولة، هيبة ووزن الدولة، ينطلق أولاً من فكرة أن تبقى الدولة ملتزمة بمبادئها.. هل غيّرت الدولة السورية مبادئها؟ لم تغيّر أي شيء لا بمبادئها الداخلية ولا بمبادئها الخارجية.. بقي موضوع المقاومة نفسه.. الموضوع الفلسطيني نفسه.. بقي الالتزام بالشرائح الواسعة، العمال، الفلاحين نفسه.. بقي قيامها بعمليات التوظيف ضمن إمكانياتها نفسه.. بقيت قدرتها على تأمين الخدمات حتى إننا افتتحنا مشاريع بنية تحتية بالرغم من التدمير.. فنحن بالإضافة إلى الإصلاح نقوم بافتتاح مشاريع وهناك دراسة لمشاريع أخرى الآن.. ولكن، أعود وأقول دائماً، ضمن إمكانيات الوضع الحالي، فإذاً لم تتغير الدولة، ولكننا في حالة حرب ومن الطبيعي أن يكون هناك الكثير من الخلل الذي نراه في مثل هذه الحالة.
* السؤال الثالث والعشرون:
المؤسسات تتعرض للتخريب والتدمير، وهذه المشاهد يفهم منها البعض بأنها طريق سورية إلى الدولة الفاشلة؟
** السيد الرئيس:
هذا هو هدف من أهداف ضرب البنية التحتية، ضرب الأمن، ضرب الاقتصاد، وبالتالي الفوضى الكاملة في المجتمع لنصل إلى الدولة الفاشلة، هذا هدف من أهدافهم، حتى الآن لم نصل إلى هذه المرحلة والدليل أن هناك جانباً ليس بالقليل من الحياة مازال يسير، جانباً من الاقتصاد مازال يسير على الرغم من الصعوبات التي لا يتوقع أحد أنه بالإمكان تجاوزها، هذه صعوبات حقيقية، بالإضافة إلى المخاطر على حياة أي عامل أو أي مستثمر أو أي موظف، ومع ذلك الناس تذهب إلى العمل.
الحقيقة أثبت الشعب السوري بالوقائع وبالتفاصيل أنه شعب حي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يحصل تفجير، وبعد دقائق من انتهاء عمليات الإخلاء تعود الحياة، لم نر هذا الشيء في سورية، ولم نكن نعرفه عن أنفسنا كسوريين، حقيقة، السوريون شعب حي، يذهبون إلى أشغالهم وهم يتوقعون أن تأتي قذيفة إرهابية أو يحصل تفجير إرهابي أو انتحاري تكفيري في أي لحظة، ولكن نحن شعب حي ومؤمن بالقضاء والقدر، كل هذه الأشياء تجعلنا لا نخشى من الوصول الى هذه الحالة، اعتقد انهم استخدموا كل ما لديهم من أدوات معنوية ومادية، نفسية وسيكولوجية وغيرها، لم يبق امامهم سوى التدخل المباشر وهذا الشيء اكبر بكثير من أن يصلوا اليه لاسباب مختلفة, كما قلت سابقا ان البدء بحرب ليس كإنهائها، لا احد يستطيع ان ينهي الحرب، ولا أحد يعرف أين تنتهي، فهذا الموضوع كبير جداً وخطير جداً، لذلك هناك تردد ورفض لدى معظم الدول، فإذا تجاوزنا كل هذه المراحل بصلابة وبوعي لا يوجد شيء آخر نخشاه، لذلك انا لست قلقا.
* مداخلة: إذاً، أنتم سيدي الرئيس متفائلون في هذا الطريق؟
** السيد الرئيس:
لو لم يكن لدي تفاؤل، لم أكن قادرا أن أصمد مع الشعب السوري ولو لم يكن الشعب السوري لديه تفاؤل لما صمد، لأن اليأس هو بداية الهزيمة وهو أساسها.
الهزيمة أولاً نفسية، لولا هذا التفاؤل الموجود لدى الناس، وأنا ألتقي بالناس الكل يقول إن شاء الله الأزمة في نهايتها يعودون لكلمة «سورية الله حاميها».. «لا نخاف» يعودون لما كان يقوله الشهيد البوطي في بعض الحالات عن الايمان بنهاية الأزمة، وكثير من المؤمنين الآخرين هناك ايمان حقيقي من الناحية الدينية ومن الناحية الوطنية بأن الأزمة ستنتهي، لولا التفاؤل لا يمكن ان يكون هناك ايمان، ولولا الايمان لا يمكن ان يكون هناك تفاؤل.
* السؤال الرابع والعشرون:
سيادة الرئيس، في الختام صحيفتنا تحتفل هذه الايام بمرور خمسين عاماً على صدور أول عدد لصحيفة الثورة.. قبل أن أطلب من سيادتكم، وهذا رجاء كل الزملاء أن نسمع كلمة بهذه المناسبة لهؤلاء الزملاء والعاملين في الصحيفة.. أريد ان اقول في دقيقة واحدة إن هناك زملاء في هذه الصحيفة وهذه المؤسسة كانوا مثالاً في التفاني والخدمة والعمل.. هناك عامل مطبعة ليس لديه بالطبع طموح سياسي.. فقط حسّه الوطني وإحساسه بأن هذه المؤسسة التي يعمل بها والمكان الذي ينتمي اليه هو دافعه الحقيقي ليأتي بعد منتصف الليل ويقف على الحواجز طويلاً وأن يتعرض لمخاطر أمنية.. وهذا ينسحب على جميع العاملين الذين ينطلقون من مبدأ الاخلاص لوطنهم؟
** السيد الرئيس:
ما ذكرته عن العاملين في صحيفتكم والذي ينطبق على كل العاملين في الاعلام الوطني يؤكد ان الشعب السوري شعب حي وصامد.. أتمنى أن تنقلا تحياتي الحارة للعاملين جميعاً خاصة أن صحيفتكم التي تعتبر من أقدم الصحف الوطنية السورية تحتفل في الذكرى الخمسين لصدورها والتي تتزامن مع ثورة الثامن من آذار التي تحدثنا عنها وعمّا قدمته إلى سورية على مدى عقود، ولأن هذه الذكرى الآن تمر في ظل ثورة حقيقية، ولكن ليست الثورة التي تحدثوا عنها وانما هي ثورة الشعب والجيش ضد الإرهابيين.. هذه هي الثورة الحقيقة، أتمنى أن تكون هذه الذكرى هي المناسبة الحقيقية لانطلاقة جديدة للصحيفة لكي يكون اسم جريدة الثورة في المستقبل لا يعبر عن ثورة واحدة وإنما عن ثورتين .. ثورة 1963 وثورة 2013.
أكد السيد الرئيس بشار الأسد أن تجربة الاخوان المسلمين في الحكم فاشلة قبل أن تبدأ، لأن هذا النوع من الحكم لا يتوافق مع طبيعة الناس، مبيناً أن مشروع الاخوان هو مشروع منافق يهدف لخلق فتنة في العالم العربي، فهم أول من طرح في سورية المفهوم الطائفي ومشروع الفتنة منذ السبعينيات.
وقال الرئيس الأسد في حوار خاص مع صحيفة «الثورة»: إن الدول المتآمرة على سورية استخدمت كل ما لديها من أدوات معنوية ومادية ونفسية وسيكولوجية ولم يبق أمامها سوى التدخل المباشر وهذا الشيء أكبر بكثير من أن يصلوا إليه.
وشدد الرئيس الأسد على أن الشعب السوري أثبت بالواقع وبالتفاصيل أنه شعب حي بكل ما تعنيه الكلمة، مشيراً إلى أن التسامح ضروري في حل الأزمات الوطنية شرط أن يكون شعبياً وليس رسمياً.
الرئيس الأسد أكد أن الإرهاب كالسرطان عندما تضربه بمبضع الجراح دون استئصال ينتشر بسرعة أكبر في الجسد لذلك لابد من استئصاله لا ضربه، منوهاً بأن أي ثورة حقيقية هي ثورة داخلية صرفة ولا علاقة لها بالخارج من قريب ولا من بعيد.
*
* السؤال الأول:
بما أننا نحن في أزمة، ففي الأزمات عادة – وتحديداً في هذه الأزمة – تتردد عبارة الوطن يتسع للجميع لكن سورية لم تتسع لجميع أبنائها، ما الذي حصل حتى وصلنا إلى هذه النتيجة؟
** السيد الرئيس:
بداية أريد أن أرحب بكم في مكتبي، وأنا سعيد بأن يكون هذا اللقاء بمناسبة الذكرى الخمسين لانطلاق جريدة «الثورة» وهذه المناسبة غالية على كل سوري وطني بغض النظر عن انتماءاته الحزبية.. فأهلا وسهلاً بكم..
نحن أحياناً ننظر للوطن كأنه تواجد لمجموعة أشخاص في بقعة جغرافية أو أرض كاملة متكاملة.. بينما الوطن حقيقة هو انتماء. والانتماء يعني ثقافة ومن ثمّ الانتماء والثقافة كلاهما يشكل الهوية..
عندما يكون انتماؤنا واحداً يكون وطننا واحداً وعندها يتسع للجميع، وسأوضح لك ماذا يعني ذلك.. عندما خرج الاستعمار من سورية لم يخرج ليتركنا نتحرر.. بل خرج ليستعمرنا بطريقة أخرى والطريقة الأخرى بحاجة لوسائل اخرى وجديدة ومختلفة. أحد أهم هذه الوسائل هي خلق الفتنة للوصول الى التقسيم والتجزئة. التجزئة ليست حدوداً برية يرسمها الاستعمار وفقط. فهذا ليس هو الأساس، التجزئة الحقيقية والأخطر هي تجزئة الهوية، فعندما نكون جميعاً على أرض واحدة لكن هوياتنا مختلفة، هذا يعني أن هناك أوطاناً مجزأة داخل ما نظنه وطناً واحداً.. لأن كل مجموعة ثقافية ستنعزل عن الآخرين ويصبح لها وطنها الخاص..
عندما يحصل ذلك تقول إن الوطن لا يتسع للجميع. بهذا المفهوم يمكن لك القول إن الاستعمار نجح الى حد ما في خلق مجموعات منعزلة اقصائية ترفض الآخرين وتعتبر أن فكرها وانتماءها هو الصحيح وبالتالي هو الوطن، وكل انتماء آخر لا يجوز.
هذا النجاح لم يحصل في ليلة وضحاها بل كان على مراحل عدة، ونعتقد أن أولى تلك المراحل عندما سقطت الدولة الأموية، ذلك لأنه في حينها تم اللعب على الهويات وخلق شروخ داخل مجتمعاتنا مع نسف لكل مشترك فسقطت الدولة الأموية وبعدها العباسية في التاريخ القديم وسقطت بعدها فلسطين في التاريخ الحديث.
اعتقد أن هذه الشروخ التي نرى نتائجها الآن في تاريخنا المعاصر بدأت مع نشأة الإخوان المسلمين، وتعززت بعد الاستقلال من خلال الدور السيئ الذي لعبوه في عدد من الدول العربية ومنها سورية. فخلقوا أول شرخ أساسي بين العروبة والإسلام، وحاولوا خلق وطنين: وطن للإسلاميين ووطن للقوميين.
استمرت محاولات الفكر الاستعماري عبر مراحل مختلفة منها الحرب على لبنان والتي كانت تهدف لخلق وطن للمسلمين وآخر للمسيحيين.. وبدأت تنكشف بعدها نتائج ما يقوم به الإخوان المسلمون على الأرض، وأهم وأخطر تلك النتائج كان وجود القاعدة الذي لم يبخل الغرب عليها بالدعم، على خلفية الثورة الإسلامية في إيران.. ثورة أتت كي تدعم القضية الفلسطينية التي هي جوهر الهوية بالنسبة للعرب، فتحركوا ليخلقوا الفتنة هذه المرة بين السنة والشيعة وليضربوا العلاقة بين العرب والفرس، أخيراً جاءت أحداث 11 أيلول ومع غزو أفغانستان والعراق تكرست هذه الشروخ بين التكفيريين وكل الطوائف الإسلامية.
بمعنى: كلما ازدادت الفتنة داخل الوطن الواحد ولو جزئياً يضيق الوطن ولا يتسع للجميع، بالمقابل سورية ما زالت وطناً يتسع للجميع وإلا لما صمدنا في وجه الفتنة التي أرادوا لها أن تطل برأسها في بعض المناطق كبؤر مطوقة.. لقد تمكنا من الصمود لأن هناك وعياً شعبياً في سورية تمكن حتى الآن من درء النجاح الكامل لهذه الفتنة.
إذاً سورية وطن يتسع لجميع أبنائه، ذلك لا يعني أننا يجب ألا نقلق من هذه البؤر لأنها إذا استمرت دون حصارها ستتوسع ويأتي يوم تكون سورية وطناً لا يتسع للجميع.
*
* السؤال الثاني:
سيادة الرئيس.. نحن اليوم في الذكرى الخمسين لإصدار العدد الأول من جريدة الثورة.. منذ البداية قلتم إن ما يجري في سورية ليس ثورة.. بالتأكيد أنا أجزم بأنكم اعتمدتم على قاعدة فكرية لما قلتموه واسمح لي سيادة الرئيس أن أستعير هنا ما قاله الوزير الروسي سيرغي لافروف في لقائه مع أول وفد سوري معارض ذهب إلى موسكو وقدموا أنفسهم على أنهم ثوار.. قال لهم بالحرف: إذا كنتم ثورة وثوار فما حاجتكم إلى الخارج..؟! هناك مقولة تاريخية بأنه لا نظام في العالم يصمد أمام ثورة شعب.. أنا شخصياً أجزم بأن هذا الكلام صحيح.. أنتم سيادة الرئيس لماذا قلتم إنها ليست ثورة منذ البداية؟
** السيد الرئيس:
أولاً: من منطلق أي سياق تاريخي موجود في العالم، فإن أي ثورة حقيقية هي ثورة داخلية صرفة ولا علاقة لها بالخارج من قريب ولا من بعيد.
خذ أمثلة كثيرة على ذلك.. الثورة الروسية والفرنسية وحتى الإيرانية. إن الثورات الحقيقية هي ثورات شعبية لها عوامل داخلية بحتة، فيها جانب عفوي، ويتزعمها نخب فكرية وايديولوجية، وتفاصيل أخرى..
بينما ما حصل في سورية ومنذ البداية كان العامل الخارجي واضحاً فيه، وهذا ما حاولوا إخفاءه وأصبح اليوم واضحاً بشكل مطلق..
وها نحن نسمع تصريحات من الخارج حول ما الذي يجب أو لا يجب فعله في سورية من حلول أو غيرها..
ثانياً: إن الثورة التي تتحدث عنها والتي تعبر صحيفتكم عنها بشكلها الحقيقي وأنا أتحدث هنا عن ثورة 1963، هي ثورة سورية أتت لتعزز الوطن والمجتمع والإنسان، أتت لتنشر العلم والمعرفة عبر بناء الآلاف من المدارس، والنور عبر بنائها لخطوط وشبكات الكهرباء في الريف قبل المدينة. ولتعزز الوضع الاقتصادي في سورية عبر خلق فرص عمل للجميع كل حسب كفاءته، قامت ثورة آذار لتدعم الشعب بشرائحه الواسعة.. فلاحين وعمالاً وحرفيين. أتت هذه الثورة لتبني جيشاً عقائدياً خاض أشرس المعارك وصمد في أصعب الظروف وانتصر في 73 وهذا ما نراه حتى اليوم منذ 50 عاماً مضت.. قد يكون هذا الظرف هو الأصعب وها هو الجيش يثبت أن بناءه على أسس ثورية وقيم فكرية هو ما حصنه مع الشعب للخوض فيما يجري في سورية اليوم.. الثورة أتت من أجل أن يبنى الإنسان والوطن لا من أجل تدميرهما. فكيف لنا أن نقارن هذه بتلك وكيف يمكن أن نسمي ما تمر به سورية اليوم ثورة..؟! هذا المفهوم الذي أرادوا لنا أن نصدقه قد سقط منذ البداية.
* مداخلة: لكن سيادة الرئيس ألا تعتقدون أن هناك من هم في الداخل صدقوا فكرة الثورة وساهموا واحتضنوا ما جرى في سورية في البدايات حتى وإن صورها البعض بؤراً صغيرة داخلية لكنها كانت موجودة؟
** السيد الرئيس:
تماماً.. وهنا نعود لموضوع الهوية.. من تتحدث عنهم نوعان: نوع انسلخ عن هويته تماماً وذهب باتجاه الحلم الغربي فهو مبهور بالغرب بكل ما فيه حتى في مساوئه… ونوع آخر.. انسلخ عن هويته باتجاه مناقض تماماً ونحى باتجاه التطرف الديني.. وهو الأخطر.
كلاهما تطرف.. نعم هناك الكثير من الأشياء التي يجب أن نستفيد منها من حضارة الغرب وتقدمه وهذا شيء بديهي، لكن أن ننبهر بالغرب وننسلخ عن هويتنا فهذا تطرف أيضاً من نوع آخر.
إن الهوية الأصلية العربية هي هوية معتدلة في كل شيء اجتماعياً وثقافياً وسياسياً ودينياً، لأنها تمثل تمازج حضارات عبر آلاف السنين فمن البديهي أن تكون معتدلة.. عندما يحاول الخارج أن يمزق هذه الهوية بأحد الاتجاهين السابقين المتناقضين هو ما يخلق هذه البؤر التي تتحدث عنها. وهذا ما أخشاه دائماً.. التطرف الديني كالتطرف بالالتحاق بالغرب، كلاهما مدمر للهوية وهذا التدمير هو الذي أدى إلى اضطرابات كالتي نراها في سورية وحتى في دول أخرى.. فالمشكلة ليست في سورية فقط.. ربما كان العامل الخارجي في سورية هو الأقوى من باقي الدول، لكن العامل الذي تتحدث عنه موجود في المنطقة بشكل عام وأضف إليه في سورية العامل الخارجي.
* السؤال الثالث:
لكن سيادة الرئيس.. ألم تتغير وتتبدل وربما تتطور مفاهيم وأشكال الثورات عما سبق في التاريخ. أو مقارنة بثورات فرنسا أو روسيا وبالتالي اعتبار ما يجري الآن في سورية هو ثورة لكن بمفاهيم مختلفة أو متبدلة، فليس شرطاً أن تتبع الثورات عبر التاريخ نفس الطريقة والمنهج والأسلوب؟
** السيد الرئيس:
كل شيء في العالم يتبدل لكن هناك ثوابت إنسانية ومبدئية. المبادئ لا تتبدل، لذلك الأديان لا تتبدل، مع أنها تتعامل مع المتغيرات، ما يتبدل هو الآليات والتفاصيل لكن الجوهر والمبدأ لا يتغيران.. وسأذهب معك إلى نهاية الفكرة، فلو وقعنا في فخ تسمية أن ما يجري في سورية هو ثورة، وبأنه حتى الأسس والمبادئ تتبدل، علينا إذاً أن نقبل أن أفعال إسرائيل ضد الفلسطينيين هي ثورة إسرائيلية على الظلم الفلسطيني، أو أن نقبل أن أمريكا قامت بثورة على أفغانستان والعراق، ولم تقم باحتلال أو غزو.. ألم يرجعوا لمثل تلك الأفكار في إعلامهم قبل غزو العراق؟..
وعليه: أن نقبل، كما يسمونه وكما تقول، بقراءة معاصرة للأمور وبأن الأمور تتبدل لا يعني أن ننسف المفاهيم من جذورها.
الغرب وإعلامه يحاولون جاهدين أن يوقعونا في الفخ الذي يسعى دائماً لقلب الحقائق، أنا أقول إن الأمور قُلبت جذرياً نعم.. وقلب الحق باطلاً والباطل حقاً وساهم في ذلك بعض الممارسات السياسية التي دُعمت بغطاء إعلامي لشرعنتها شعبياً… كل ذلك ممكن أن يكون قد حصل لكن لا يعني بالمطلق أن ننقلب معهم ومع إعلامهم.
*
* السؤال الرابع:
ومع ذلك، سيدي الرئيس، أحياناً في الخارج هناك من اعتبرها ثورة. وما زال يردد أنها ثورة. وأيضاً جزء من الداخل في سورية اعتبرها ثورة. إشكالية حقيقية حتى هذه اللحظة تحتاج إلى بعض التفاصيل؟
** السيد الرئيس:
تصحيحاً لسؤالك حتى الإعلام الغربي المعادي مع تصريحات بعض الغربيين المعادين لسورية لم يتمكنوا من تجاوز حقيقة أنها لم تكن ثورة. لم يعودوا يذكرون كلمة ثورة، يتحدثون الآن عن الإرهاب. هم انتقلوا إلى مرحلة أخرى. التمييز بين إرهابي جيد وإرهابي سيئ بنفس الطريقة الأمريكية، لكن كلمة ثورة لم تعد مذكورة، فمن البديهي أن يكون معظم السوريين في الداخل والخارج قد تمكنوا من رؤية هذا الشيء. وهذا نرى نتائجه في سورية، ولكن دائماً هناك مجموعات من الناس لا يمكن أن تراه لأسباب مختلفة. البعض من هؤلاء ربما يحمل نفس فكر هؤلاء الإرهابيين، الفكر التكفيري المتطرف، فهذا من الطبيعي أن يعتقد أن ما يحصل هو ثورة لأنه يحمل نفس الأفكار والإيديولوجيا. وهناك البعض ممن أصابه العمى العقلي، فهو وإن رأى بعينه فهو لا يرى بعقله. هؤلاء لا فائدة منهم، لكن هذه المجموعات هي مجموعات محدودة الآن. في كل الأحوال، لا يهمنا أن نركز كثيراً على الخارج، فكل ما يحصل في سورية مرتبط بمن يعيش في الداخل الآن. من يعيش في الداخل هو العامل الذي يؤثر مباشرة فيما يحصل في سورية. الشعب السوري الآن هو الذي يخوض المعركة، وهو الذي يحقق الصمود.
* السؤال الخامس:
ننتقل إلى محور له علاقة مباشرة ولكن في إطار مختلف، أقرينا جميعاً، وأقر حتى على المستوى الخارجي أن هناك من يقاتل من جنسيات غير سورية وهذا القتال يبدو أنه في بعض الفترات وصلت أرقامه إلى عشرات الآلاف حسب الإحصائيات الغربية على الأقل وليست فقط الإحصائيات السورية. سؤالي الأول سيدي الرئيس بالنسبة لهذه النقطة: ما تفسيركم لتحويل سورية إلى أرض للجهاد، كيف ولماذا خلال هذه الفترة الوجيزة من الزمن؟
** السيد الرئيس:
سورية لم تتحول إلى أرض للجهاد.. الجهاد هو جهاد من أجل الخير، هو بناء وتطوير ودفاع عن الوطن والرسالة، وكل ما نزل في الأديان السماوية وفي كتبها من أجل الحق والعدل والمساواة… ما يحصل في سورية هو نقيض لمفهوم الجهاد أصلاً. وإذا أردنا أن نقول إن سورية تحولت إلى أرض… نستطيع أن نستبدل كلمة جهاد بأرض للإرهاب.. إن ما يحصل الآن هو تحويل سورية إلى أرض للإرهاب.. وهذا له أسباب عديدة ومختلفة، فالإرهاب بحد ذاته ينمو ويتكاثر في تربة خصبة اسمها الفوضى، حيثما ترى الفوضى ترى الإرهاب ينمو بشكل تلقائي، عندما ضعفت الدولة في أفغانستان نما الإرهاب، وكذلك في العراق على خلفية الغزو، وعندما حاولوا إضعاف سورية، فالفوضى بحد ذاتها هي عامل جذب للإرهاب، لكن ليس هذا هو العامل الوحيد.. فهناك دول خارجية تساعد هذا الإرهاب لأسباب عدة: أولها هو أن ذلك سيؤدي إلى تآكل عوامل القوة والمناعة الموجودة تاريخياً في سورية سواء على المستوى الدولي بمواقفها ومقاومتها، أو على مستوى المجتمع بمناحيه الثقافية والفكرية وبالتالي وحدته الوطنية، أو على مستوى البنية التحتية والاقتصاد والخدمات التي دأبت الدولة على تقديمها للمواطن. ومن ثم فإن أعداء سورية سيكونون سعداء جداً بأن يروها تدمّر ولو على المدى الطويل..
هناك سبب آخر أيضاً لجعل بعض الدول الغربية تدعم الإرهاب في سورية وهو أنها تعتقد أن هذه المجموعات الإرهابية التكفيرية التي شكلت لها هاجساً أمنياً على مدى عقود ستأتي إلى سورية وتقتل، وبالتالي يتخلصون منها وينقلون المعركة من دولهم ومناطق نفوذهم إلى سورية فيتخلصون منها دفعة واحدة، ويضعفون سورية الدولة أيضاً.
– مداخلة: لكن سيدي الرئيس، ليس كل من يقاتل في سورية تحت راية هذه الجماعات هو غير سوري، نعم هناك عشرات الآلاف من غير السوريين لكننا شاهدنا سورياً يأكل قلب أخيه السوري. ما الذي أوصلنا إلى هنا؟!
* السيد الرئيس:
في الكثير من الجلسات التي كنا نتحدث فيها عن الأزمة كنت أبدأ بالقول إن ما يحصل في سورية هو أزمة أخلاق قبل أن أتحدث عن التطرف والتكفير والعامل الخارجي وغيرها… لأن كل ذلك لا يمكن أن يخترق مجتمعك وأنت متحصن بالأخلاق..
عندما تعاني أزمة أخلاق تسمح بالتدخل الخارجي في شؤون بلدك.. يتحكم بك المال والحقد وتتحول إلى مرتزقة، تغيب مبادئك الوطنية.. وبالتالي عندما تفقد أخلاقك تفقد إنسانيتك، وعندها تتحول إلى مخلوق آخر، لا أقول حيوان، لأن الحيوان لا يأكل لحم أخيه إلا إن تضوّر جوعاً، الحيوان لا يأكل لحم أخيه حقداً، عندما تفقد مبادئك وأخلاقك تفقد المفهوم الحقيقي لدينك، فالأديان التي أتت لتعزز الإنسانية من خلال الأخلاق لا يمكن أن تكون نفسها من يتستر هؤلاء خلفها لقطع رؤوس اخوتهم وأكل قلوب أشقائهم..
عندما نفقد الممارسة الدينية الحقة بأخلاقها ومبادئها كما حصل مع بعض التيارات، يتحول الدين إلى قشور، وبالتالي يمكن لأي شخص أن يقوم بعمل كهذا، لأنه يعتقد أن هذا هو الدين، والدين منه براء.
– مداخلة: قلتم «يأكل لحم أخيه حقداً» هل نحن أمام غريزة الحقد؟
** السيد الرئيس:
على عكس العقائد الصحيحة سواء الدينية أو الاجتماعية التي تُبنى على العقل، فإن العقائد المشوهة المنحرفة تجعل الإنسان يحقد على أخيه الإنسان إن خالفه بالمعتقد، وبالتالي الحاقد – نعم – يفقد عقله ويدفعه حقده، ولا أقول غريزته، لأن يأكل قلب إنسان آخر أو أن يقطع رأسه.
والغريزة الإنسانية أساسها الفطرة وليس الحقد، والفطرة خيّرة لا حاقدة.. أما ضعف المبادئ والأخلاق والعقائد الخاطئة المنحرفة فهي التي تدفع الإنسان بعيداً عن العقل.
*
* السؤال السادس:
أعود إلى وصفكم للجهاد بمعناه الحقيقي والإيجابي، لكن سيدي الرئيس المعنى السائد والأكثر شيوعاً للجهاد هو القتل والاقتتال… ما العمل؟
** السيد الرئيس:
العمل هو أن يعودوا للقرآن الكريم، فكلام الله واضح بيّن، الإسلام دين تسامح ورحمة، تلك الكلمة التي ذكرت في القرآن عشرات المرات، الدين الإسلامي أتى من أجل تعزيز إنسانية الإنسان وترسيخ الرحمة والمحبة ونبذ القتل.. ألم يقل رسول الله (ص) في الحديث الشريف «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق». القرآن واضح، والحديث الشريف واضح وكلاهما يحضّ على المحبة والتسامح وإحقاق الحق والعدل والإنسانية.. ليس ذلك فقط، فمن يتشبه بالرسول عليه الصلاة والسلام عليه أولاً أن يستذكر ممارساته في حياته كإنسان قبل أن يكون نبياً وبعد النبوة وكلها كانت مبنية على الأخلاق الإنسانية أساساً.
وأنا أسألك وأسأل كل من سيقرأ هذه الكلمات: هل ما يقوم به هؤلاء التكفيريون الوهابيون يشبه بأي شكل من الأشكال ما كان يمارسه رسولنا الكريم خلال حياته كاملة قبل الرسالة وبعدها..؟
تحدثت كثيراً حول هذه النقطة تحديداً مع عدد من رجال الدين في سورية وبلاد الشام، أن هناك جانباً نفتقده في التأهيل الديني ويجب التركيز عليه بكل المستويات سواء لعلماء الدين أو لطلابه، وهو حياة الرسول الكريم، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يأت لينقل كلام الله فقط أو حتى كي ينقل كلامه على شكل أحاديث فقط، بل أتى كي ينقل ممارسة تجسد هذا الدين..
إذاً، لو عدنا للقرآن الكريم والحديث الشريف والسنة النبوية وحياة الرسول الكريم بأخلاقه وإنسانيته، لما وجدنا سوى نقيض ما يقوم به هؤلاء.
* السؤال السابع:
على من تقع مسؤولية هذه الدعوة للعودة إلى القرآن الكريم وسلوك الرسول؟
** السيد الرئيس:
عندما يخرج من قلب المجتمع شخص سارق أو مجرم أو متطرف، فهي مسؤولية المجتمع عموماً، لكن أول من يتحمل المسؤولية في المجتمع هي الدولة لأنها مسؤولة عن كل القطاعات بما فيها القطاع الديني. لكن الدولة تتشارك المسؤولية أيضاً مع المؤسسات الدينية، مع وزارة الأوقاف، المعاهد، المدارس الشرعية، والكليات المختلفة خاصة تلك التي رخصت مؤخراً .. وبالتالي لابد من التعمق في تأهيل هذه الطواقم جميعها كي نصل إلى المفاهيم الصحيحة للدين ونركز على جوهره بدلاً من أن نترك المجال للأفكار المتطرفة بالتسلل إلى عقول بعض ابنائنا لانها تتمسك بقشور الدين لا بجوهره.
* السؤال الثامن:
البعض يتحدث عن أن الدولة تتحمل الجزء الأكبر من هذه المسؤولية. إن هذه البيئة الدينية المتطرفة نوعاً ما، نمت امام أعين السلطة ويضربون مثالاً على ذلك أولاً بالمدارس الدينية التي لم تتم متابعتها، ولم توضع لها المناهج الصحيحة بإقامة العدد الكبير من الجوامع، وأخطر ما يطرح اليوم ان هناك من بنى الجوامع لكي يتهرب من دفع الضرائب؟
** السيد الرئيس:
الكثيرون ممن التقيتهم خلال هذه الأزمة قالوا لي شيئاً مشابهاً بأن الدولة أخطأت عندما سمحت بهذه المدارس الدينية، وها نحن اليوم نرى النتيجة.
هذا الكلام غير صحيح… بل على العكس تماماً… خلال كل هذه الأزمة لم يحصل لدينا مشكلة واحدة تسببت فيها أي مؤسسة من المؤسسات الدينية وهذا موضوع هام جداً يجب التركيز عليه بل فوق ذلك كانت هذه المؤسسات الأكثر فهماً لجذور المشكلة والاكثر التزاماً بضبط الأمور.
في إحدى مقابلاتي السابقة تحدثت عن رجال الدين ودورهم، لكنني الآن أتحدث عن كل المؤسسات الدينية .. والتي لم يخرج منها مظاهرة واحدة تدعو للفوضى أو تنادي بالطائفية.
لأصحح لك ما جرى… إن الجزء الأكبر من الذين خرجوا من المساجد في البدايات وهم يهتفون «الله أكبر» بمظاهرات لخلق الفوضى هم أساساً لا يعرفون شيئاً عن الدين، لا أقول إنهم ضعيفو الإيمان وإنما فعلاً لا يعرفون شيئاً عن الدين، وأما البعض الآخر فهو يعرف الجامع لكنه لا يعرف الصلاة، وتواجد في الجامع يوم الجمعة كي يخرج وهو يهتف «الله أكبر».
إن قارنا كل ذلك بالمؤسسات الدينية فالعكس تماماً هو الصحيح، فهذه المؤسسات كان لها دور هام، وكانت موجودة منذ عشرات السنين لكن تم تعزيزها ونشرها بشكل أكبر ليس في السنوات الماضية بل منذ الثمانينيات على خلفية أزمة الإخوان.. تلك الأزمة فتحت أعين الدولة في حينها على وجوب الاهتمام بشكل أكبر بالقطاع الديني لأن الكثير من السوريين أيام الإخوان المسلمين في السبعينيات والثمانينيات غُرر بهم بسبب ضعف الوعي الديني لديهم فاستغل الإخوان المسلمون هذه الثغرة ودخلوا إلى شرائح مختلفة في المجتمع سواء رجال الدين أو غيرهم. واعتقد الناس حينها أن هذه المجموعة جاءت كي تعزز الدين في المجتمع مقابل الدولة «الملحدة» التي تقف ضد الدين فكان لابد من تعزيز الوعي الديني…
وبالتالي من كل ما سبق أنا أعتقد بأنه وعلى خلفية هذه الأزمة يجب أن نهتم أكثر بالمدارس الدينية وبالقطاع الديني بشكل عام وليس العكس.
*
* السؤال التاسع:
سيادة الرئيس، فتنة طائفية ضربت لبنان منذ عقود، ومثيلتها ضربت العراق بعد غزوه… ألم نكن بصورة أن ما يجري في دول الجوار قادم إلينا لا محالة.. وماذا فعلنا في مواجهة ذلك؟
** السيد الرئيس:
طبعاً وبديهي، ولولا هذه الرؤية لما وقفنا ضد الكثير من السياسات الخارجية الغربية التي اعتقدنا أنها تؤدي للفوضى وهذا الشيء ثبت فعلاً، وأحد تلك الأمثلة هو موقفنا الرافض للحرب في العراق… كنا حاسمين جداً على الرغم من كل التهديدات الأمريكية الخطيرة حينها، وعلى الرغم من المغريات الكبيرة بالمقابل أيضاً… قلنا «لا» وبوضوح حينها فنحن بالمبدأ ضد أي عدوان على أي دولة شقيقة أو صديقة ليس فقط خوفاًَ على العراق الشقيق بل بسبب معرفتنا للنتائج الكارثية التي ستؤول إليها هذه الحرب، قبل ذلك عبرنا عن قلقنا من الحرب على أفغانستان، وأنا كنت أقول بشكل واضح للمسؤولين الأمريكيين بعد أحداث 11 أيلول عندما كانوا يزورون سورية ويقولون إنهم سيهاجمون الإرهابيين وسيضربونهم في كل مكان، وكانوا حينها يفترضون أننا سعيدين بهذا الكلام لأن سورية أول من دعت ومنذ الـ 85 إلى تعريف واضح للإرهاب وتشكيل تحالف دولي ضده ولم يهتم أحد بذلك في حينها لأنهم لم يكونوا قد ذاقوا معنى الإرهاب في دولهم، كنت أقول للمسؤولين الأمريكيين إن الحرب على أفغانستان ستعزز الإرهاب وتنشره.. فالإرهاب كالسرطان عندما تضربه بمبضع الجراح دون استئصال ينتشر بسرعة أكبر في الجسد. فلا بد من استئصاله لا ضربه، والإرهاب لا يستأصل بالحرب وحدها.. بل بالثقافة والتعليم والتواصل وحتى الاقتصاد.
لم يسمعوا، وما زلنا نعاني من تداعيات حرب أفغانستان، أو لم يريدوا أن يسمعوا لأنهم أعادوا نفس الكرة في العراق، ووقفنا نفس الموقف وقلنا لهم إن الوضع في العراق سيتحول إلى أزمة طائفية وسينحو باتجاه التقسيم، وها نحن نرى النزعات التقسيمية في العراق شئنا أم أبينا. نفس الشيء قبل كل هذه الأحداث، عام 1976 دخلنا إلى لبنان لأن تداعيات الحرب أثرت على سورية منذ اليوم الأول.. دخلنا لنحمي لبنان نعم، لكن لنحمي سورية أيضاً.
إذاً جواباً على سؤالك.. كنا نرى كل هذه الأشياء ونقف ضدها ونتدخل حين يجب ونستطيع التدخل لكن بنفس الوقت أنت لست معزولاً عن الجوار، ولا يمكن لك أن تعزل نفسك. ما حصل قد حصل، وكنا نجاهد خلال السنوات الأخيرة – وخاصة بعد الحرب على العراق – كي نمنع قدر المستطاع تداعيات ما يحصل خارجياً على الداخل السوري، لكنك تستطيع أن تمنع جزئياً أو تؤخر بعض الوقت ولا يمكن لك أن تمنع جميع التداعيات كل الوقت… وفعلاً بدأت البؤر المتطرفة في سورية تظهر بعد 2004، في البداية كانت بؤراً غير سورية لكن مع الوقت تحول جزء ليس باليسير منها إلى بؤر سورية للأسف.
*
* السؤال العاشر:
إذا كان هناك محاولات منذ بداية الأزمة وربما قبلها لجر سورية للمفاهيم الطائفية، وبعد سنتين ونيف وجدوا شاهداً على ما أرادوا بموضوع مشاركة حزب الله وما أثير حوله وأنه بصراحة جاء لنصرة طائفة بعينها.. ما ردكم؟
** السيد الرئيس:
في هــذه المنطقة هم جربوا كل الوسائل .. استعماراً مباشراً أو غير مباشر، تهديداً ووعيداً، محاولات اختراق أمنية – ثقافية…. إلخ.. كل شيء وبقيت سورية عائقاً في وجه كل ما خططوا له. وبعد الاحداث التي شهدتها بعض الدول العربية في الفترة الاخيرة.. تخيلوا أن الفرصة سانحة الآن لضرب سورية بهدف ضرب المحور المقاوم في المنطقة .. الأساس الآن هو تغيير تعريف ووجه وصفات العدو والحليف، فتتحول إسرائيل الى عدو غير مرئي – لا نراه – هذا إذا لم تتحول الى صديق عند البعض، وتتحول المقاومة الى عدو … وبالتالي بدلاً من أن ننظر إلى المقاومة كفعل وحركة وتيار لمقاومة إسرائيل يجهدون الآن لجعل الجميع ينظر إليها على أنها هي العدو عبر تحويلها من مشروع مقاومة إلى مشروع طائفي، هذا هو الحل الوحيد والأخير المتبقي لديهم لضرب مفهوم ومحور مقاومة إسرائيل. وعليه حاولوا أن يشوّشوا على النظرة الواعية للشعب السوري وفشلوا كما فشلوا في كل ما حاولوا به سابقاً … افترضوا أن تصوير المقاومة لدى الشارع السوري بهذه الطريقة وتحويلها الى عدو، سيؤثر على مبادئنا وعلى المقاومة، وبالتالي توهموا أنهم بذلك يجعلوننا نشعر بنوع من التردد والتراجع أو الخوف من تداعيات طروحات منحرفة كهذه. وهذا ما لم ولن يحصل.
الحقيقة الواضحة بالنسبة لنا وللمقاومة ولكل من يقف معنا، أن الهدف واضح .. والطريق واضح.. يستطيعون أن يطرحوا ما يشاؤون في الخارج، لكن نحن سنصل الى ما نريده – سواء بمفهومنا للمقاومة أو بأوضاعنا الداخلية – سنصل إليه بطريقتنا ودون تردد، فليتكلموا كما يشاؤون، ونحن سنفعل ما نراه في مصلحة سورية.
* السؤال الحادي عشر (مداخلة):
هل كنا بحاجة لكل ذلك؟ أي لوجود عناصر من حزب الله تقاتل معنا؟
** السيد الرئيس:
هذه ليست أول مرة أسأل فيها هذا السؤال وجوابي واضح جداً: الجيش السوري يقاتل في كثير من المناطق في سورية، ولو أردنا أي جهة لكنا قادرين على جلب العديد .. ولكن موضوع القصير مرتبط بموضوع المقاومة أكثر من ارتباطه بالوضع الداخلي السوري.. القصير ليست بالأهمية الاستراتيجية التي أرادوا أن يظهروها بها..
* الصحفي (مقاطعاً):
* لكن الغرب أظهرها بأنها معركة المعارك..
* السيد الرئيس:
تماماً .. لأنها تعني موضوعاً مشتركاً .. موضوعاً داخلياً سورياً ولكنها تعني المقاومة أيضاً، خاصة أنها منطقة حدودية تتعلق بالحديقة الخلفية للمقاومة .. المقاومة لا يمكن أن تكون قوية من دون عمق حقيقي لها .. فسورية هي عمق المقاومة وهذا المكان من الناحية الجغرافية استراتيجي بالنسبة لعلاقة سورية بلبنان وتحديداً بالمقاومة .. في هذه الحال ضرورة وجود المقاومة لتخوض المعركة المرتبطة بها، كما هي مرتبطة بسورية، نعم، هو شيء ضروري، ولن نتردد ولا نخفي هذا الشيء ولا نخجل به .. لذلك أنا قلت إذا كنا بحاجة للمقاومة لماذا احتجناها في القصير ولم نحتجها في دمشق أو حلب أو في باقي المناطق؟ هذا الكلام مبالغ فيه.. نحن لدينا جيش ولدينا الآن دفاع وطني يقاتل مع الجيش وأعداده كبيرة .. لا تستطيع أي جهة خارجية أن تؤمّن لنا هذا العدد الذي يقاتل بشكل مواز للقوات المسلحة ويحقق فكرة أنه رديف حقيقي للجيش.
*
* السؤال الثاني عشر:
رغم كل ما تفضلتم به إلا أن هناك أشخاصاً من المعارضة أو من غيرها وخاصة في الخارج يروجون أن ما يجري هو صراع طائفي وأن الدولة هي من خلق هذه البنية الطائفية لمصلحتها؟
** السيد الرئيس:
أن تساهم الدولة في خلق البنية الطائفية يعني أن تساهم في تقسيم المجتمع السوري.. يعني أن تسعى الدولة إلى تقسيم الوطن.. هل هذا يتوافق مع المعارك التي نخوضها في مختلف المناطق لكي نوحد سورية؟ الوضع الديمغرافي في سورية ونوعية المعارك تناقض تماماً هذه الفكرة وهذا الطرح يناقض تماماً مصلحة الدولة، فكل دولة لها مصلحة في أن تكون الدولة موحدة وقوية والوضع الاجتماعي مرتاحاً لكي ترتاح الدولة وبالتالي هذا الكلام يناقض تماماً هذا المبدأ، إن البنية الطائفية تدفع الدولة إلى السقوط وليس الانتصار، فإذا كانت الدولة ذات فكر وطني فهي تجاهد لعدم الوصول إلى ذلك من أجل وحدة المجتمع وضمانه وبالتالي ضمان قوتها.. بقليل من المنطق لا يوجد دولة تسعى بهذا الاتجاه إلا إن كانت دولة جاهلة وسورية ليست كذلك..
* مداخلة:
لنوضح أكثر سيادة الرئيس .. هناك اتهامات غربية لكم بأنه عندما بدأت الاحتجاجات قمتم وبحنكة شديدة بالإيحاء للأقليات بأنها مهددة وبالتالي تم التفافها حولكم وعليه يحمّلون الرئيس السوري مسؤولية إحداث شرخ في المجتمع؟
* السيد الرئيس:
لو كان هذا الكلام صحيحاً لكنا وصلنا فوراً إلى الحرب الأهلية ولسقطت الدولة .. لأننا لو تكلمنا بهذا المنطق وهو منطق نرفضه في سورية، أي الأقليات والأكثريات، ولكن إذا افترضنا أننا نريد أن نسير بهذا المنطق أو أن نتحدث من خلاله فلا يمكن لأقليات أن تحمي دولة .. الدولة تصمد بأكثريات .. ليس بالضرورة أكثريات قومية أو أكثريات طائفية أو أكثريات دينية.. وإنما أكثريات شعبية وما دامت الدولة صمدت وصمد معها الشعب فهذا يعني أن الأكثرية صمدت وليس الأقلية .. فهذا يؤكد أن أكثرية الشعب هي التي دعمت الدولة وهنا عندما نتحدث عن أكثرية الشعب لابد أن تشمل كل الطوائف .. لا يمكن أن نشكل أكثرية الشعب من أقليات .. فإذاً هذا ينسف كل تلك الاتهامات. يمكنك أن تلاحظ أن المشروع الغربي دائماً يُبنى على هذه النقطة حتى أيام الاستعمار الفرنسي.. كيف قسّموا سورية؟ قسموها إلى مناطق تُبنى على الأقليات .. دولة العلويين، دولة الدروز، دمشق، حلب… إلخ، ولكن بشكل أساسي اعتمدوا على فكرة الأقليات. في ذلك الوقت أي منذ حوالي تسعين عاماً كان لأجدادنا وعي بأن هذا الموضوع خطير فهل من المعقول بعد كل تجاربنا اليوم أن نكون أقل وعياً من أجدادنا؟.. أيضاً هذا يناقض المنطق. فهذه التجربة مرت بها سورية وفشلت مع أنهم طبعوا عملة وأوجدوا وثائق، وبالتالي من المستحيل أن تنجح اليوم .. هذا الكلام لا يمكن أن ينجح إلا إذا تعزز الفكر التكفيري في سورية أو حكم الإخوان المسلمون أو تعزز فكرهم في سورية.. عندها تحصل الفتنة كما نرى الآن في دول عربية وعندها تتقسم البلد وهذا لن يكون.
*
* السؤال الثالث عشر:
لكن الاتهامات للدولة بخلق بنية طائفية لم تأتِ فقط من أصحاب فكر متطرف وما شابه، بل نسمعها أيضاً على ألسنة بعض المثقفين الذين يقدمون أنفسهم كعلمانيين؟
** السيد الرئيس:
للأسف نعم، إن أكثر الطروحات الطائفية التي نسمعها الآن لا تأتي فقط من التكفيريين المتطرفين بل تصدر أيضاً ممن يدّعون بأنهم علمانيون.. نحن اليوم أمام مجموعتين تتحدثان بالطائفية: الأولى تسمي نفسها علمانية رغم أننا قلنا مراراً أن العلمانية هي ليست ضد الدين بل هي حرية ممارسة الأديان والثانية هي من الجهلة الذين يدّعون الدين ولا يعرفون جوهره،المهم أن الكتلة الأكبر من المتدينين الواعين لجوهر الدين لا تتحدث بالطائفية لأنهم يعلمون تماماً كما نعلم جميعاً أن الطائفية هي نقيض الدين.
إذاً ما يجمع بين الفئة الأولى التي تدعي الثقافة والعلمانية حسب مفهومها، وبين الفئة الثانية التي تدعي فهم الدين وجوهره.. هو في الحقيقة الجهل، والجهل بالدين تحديداً.. لأن الجهل بالدين هو الذي يؤدي الى فكرة الطائفية، وأنا لا أقول المذهبية هنا، فهناك فرق واضح بين المفهومين فالمذهب أساسه فكري.. عندما أتى الأئمة الكبار في ذلك الوقت قدموا لنا فكراً كي نُغني معرفتنا بالدين، فالفكر يأتي ليعزز الدين ويغنيه مع الوقت، لم يقدموا لنا طائفية نتبعها بل مذاهب نعمق فكرنا وديننا وحياتنا عبرها، مدارس فكرية أغنت الدين وأغنت الفكر الديني وأغنت الممارسة.
من لا يعرف الدين هو فقط من يتحدث بالطائفية لأن الطائفية بالنسبة له حلت محل الدين، وهذا شيء خطير ومدمر، بعد كل ذلك لا نستغرب من تلك الفئات التي تحدثت عنها والتي تتباهى بالعلمانية وهي لا تعرف معنى العلمانية ولا معنى الدين، أن تتحدث بالطائفية.
* السؤال الرابع عشر:
في كل هذه المفاهيم المغلوطة والممارسة المنحرفة الطارئة على مجتمعنا من قتل وذبح إلى طائفية وتقسيم.. هل نحن أمام بداية خسارة المشروع القومي العربي لمصلحة التعصب والتكفير؟
** السيد الرئيس:
إن الهوية العربية مهددة من ثلاثة عوامل: الأول هو الانسلاخ عن الهوية العربية باتجاه الغرب تماما، والثاني هو الانسلاخ المضاد باتجاه التطرف، والعامل الثالث هو أداء الحكومات العربية المتعاقبة الذي أدى عند البعض إلى الابتعاد عن المفهوم العربي برمته، وهذا خاطئ، هذه العوامل الثلاثة وجهت ضربات قاسية للمشروع القومي العربي، لم يمت ولم يخسر تماماً حتى الآن وهذا بات واضحاً في المزاج الشعبي لأن الحالة الشعبية العامة لم تتغير ولم تبدل هويتها، تأثرت نعم ببعض بؤر التفتت في بعض الأماكن لكن المجتمع العربي لن ينهار بل على العكس.. لأن المشروع القومي هو فكرة انتماء للقومية وبالتالي للعروبة.
*السؤال الخامس عشر:
سيدي الرئيس.. منذ بدايات الأحداث في سورية كان هناك دعوات في تركيا للتعامل مع الإخوان المسلمين تحديداً.. وكان هناك رفض سوري قاطع لهذا التعاون أو التعامل معهم كجهة سياسية سورية.. الآن نحن في الطريق إلى جنيف، وقد أعلنت سورية انها ذاهبة إلى جنيف ودون شروط مسبقة.. هل سنتحاور مع الإخوان المسلمين؟
** السيد الرئيس:
نحن نتعامل مع أي طرف، وبالمناسبة نحن تحاورنا مع الإخوان المسلمين بعد أن ضربوا في سورية عام 1982.. تحاورنا معهم في الثمانينيات.. نحن نتحاور من منطلق أن الحوار ربما يعيد الطرف الآخر إلى الموقع الصحيح.. إلى الموقع الوطني.. إذا كان يريد أن يتحدث عن الإسلام فليعد إلى الإسلام الصحيح.. إلى المكان الصحيح لكل ما يتعلق بنا كسوريين، فهذه الحوارات لم تتوقف وكان هناك عدة محاولات ولكن في كل مرة كنّا نكتشف أن الإخوان المسلمين لم يتخلوا عن منطق النفاق بكل بساطة.. لم يتخلوا عن هدف وحيد وهو السيطرة والحكم ولم يكن في يوم من الأيام هدفهم الوطن أو الدين.. من جانب آخر نحن نتحاور معهم كأشخاص وليس كحزب لأن مبدأ الحزب الديني مرفوض بالنسبة لنا.. وهذا واضح في الدستور الجديد.. وفي قوانين الأحزاب لا يفهمنّ أحد أننا ضد الدين على الاطلاق.. بالعكس نحن مع الدين ولكن الدين هو دعوة.. بالتالي هو عمل دعوي.. وهو أكبر من القضايا الإنسانية اليومية.. الدين لكل البشرية ولا يرتبط بفئة محدودة.. الدين أتى من أجل كل الإنسانية وليس من أجل فئة محدودة.. وبناءً على كل ذلك فالدين بموقعه أرقى من التفاصيل الإنسانية التي فيها الكثير من المساوئ والموبقات والانحرافات والأهواء المختلفة.. عندما نأتي بهذا الدين ونضعه في حزب فنحن نقزّمه.. لذلك نحن ضد هذا المبدأ لأن الدين كما قلنا أتى ليعزز الأخلاق.. وعندما تتعزز الأخلاق تتعزز السياسة والأحزاب والاقتصاد وكل شيء ويزدهر الوطن.. فإذاً ولأجل ما سبق نحن لا نعترف بهم كحزب أصلاً وضد هذا المبدأ، ولكن بممارساتهم هم إرهابيون قاموا بقتل الآلاف من السوريين.. نحن لا ننسى ذلك.. والقيادات التي قامت بأعمال القتل هي نفسها موجودة الآن في الخارج لم تتغير.. فإذاً نحن سنحاور الجميع مع معرفتنا المسبقة بالتوجهات الحقيقية لهؤلاء ومع معرفتنا المسبقة بأن الأمل بتبدل من بُني على عقيدة عمرها أقل من قرن بقليل لن يتغير اليوم ويصبح فجأة وطنياً ومعتدلاً في إسلامه ويحمل الكثير من الصفات الأخلاقية الأخرى.. رغم ذلك كانت هناك بعض القيادات الإخوانية التي حاورناها في الثمانينيات وعادوا إلى سورية لكن بصفتهم الشخصية، بقيت لديهم عقائدهم الدينية ونحن نحترمها ولا توجد لدينا مشكلة معهم ماداموا عادوا وساهموا في بناء الوطن لا بتخريبه.. الأهم من ذلك أن أي حوار مع أي جهة، كما قلت في أكثر من مناسبة، سيعود للاستفتاء الشعبي وبالتالي لا يمكن للشعب إلا أن يختار ما هو صحيح بالنسبة للوطن من نتائج أي حوار مع أي جهة.
* السؤال السادس عشر:
على ذكر الإخوان ورؤيتكم وتوصيفكم لهم، كيف يتابع الرئيس الأسد ما يجري في مصر هذه الساعات؟
** السيد الرئيس:
ما يحصل في مصر وبكل بساطة هو سقوط لما يسمى الإسلام السياسي، هو سقوط لهذا النوع من الحكم والذي حاول الإخوان إقناع الناس به ليس فقط في مصر.. بكل الأحوال أعود وأكرر أننا لا نقبل أن ينزل الإسلام لمستوى السياسة لأن الدين أعلى من السياسة، الدعوة الدينية يجب أن تستمر بشكل مستقل ومنفصل، خاصة أن الحكم له شوارعه الضيقة والتفافاته التي يجب ألا يأتي إليها الدين، هذه التجربة فشلت وسقطت وبسرعة كبيرة ذلك لأنها خاطئة منذ البداية، وما بُني على مبدأ خاطئ لا بد أن يسقط، نعم نظرتنا إلى الإخوان تنطبق الآن على ما يحصل في مصر، ومن يأتي بالدين ليستخدمه لمصلحة السياسة، أو لمصلحة فئة دون أخرى سيسقط وفي أي مكان في العالم.
* السؤال السابع عشر:
هل خدع الإخوان المسلمون الشعب المصري أم إن الشعب المصري صحا فجأة واكتشف حقيقة الإخوان المسلمين؟
** السيد الرئيس:
عندما تتحدث عن مصر والعراق وسورية فأنت تتحدث عن دول تقع في مناطق استراتيجية من العالم ومتجذرة في التاريخ والأرض منذ آلاف السنين وبالتالي لدى شعوبها الكثير من مخزون الوعي والمعرفة، وهذه الشعوب لا تخدع، خاصة عندما تمتلك الحضارة والثقافة المجتمعية والإنسانية، لأنك أصلاً تستطيع خداع بعض الناس لبعض الوقت لكن لا يمكنك خداع كل الناس كل الوقت، فما بالك بالشعب المصري الذي يحمل حضارة آلاف السنين وفكراً قومياً عربياً واضحاً؟! ربما ما حصل منذ عام كان ردة فعل طبيعية بالنسبة له مقارنة بالحكم السابق.. لكن وبعد عام كامل تكشفت الصورة للشعب المصري، وساعدهم أداء الإخوان المسلمين – على ما يبدو – لكشف الأكاذيب التي نطق بها الإخوان في بداية الثورة الشعبية في مصر.. الشعب المصري شعب عريق استطاع أن يكشف الأمور بسرعة وهذا ما حصل..
* مداخلة: وهذه سرعة قياسية خلال عام واحد؟
* * السيد الرئيس:
طبعاً والفضل فيها للإخوان.
*مداخلة: هل نستطيع أن نقول إن تجربة الإخوان في الحكم تجربة فاشلة؟
** السيد الرئيس:
بالنسبة لنا كنّا نراها فاشلة قبل أن تبدأ، هذا النوع من الحكم فاشل لأنه لا يتوافق مع طبيعة الناس.
مشروع الإخوان هو مشروع منافق، يهدف حقيقة لخلق فتنة في العالم العربي، فهم أول من طرح في سورية المفهوم الطائفي ومشروع الفتنة الطائفية منذ السبعينيات، حينها لم نكن نعرف كلمة طائفية أو نتحدث بها، لم نسمع عنها ولم نكن نفهم الطوائف حتى كمفاهيم.. هم أول من طرحها في بلادنا.. فهم إذاً مشروع فتنة، والفتنة لا يمكن لها أن تستمر في مجتمعات واعية.. لذلك كنا نرى دائماً أن مشروعهم فاشل قبل أن يبدأ.
* مداخلة:
هناك من يقول إن واحداً من الأسباب العديدة لما يجري في الشارع المصري اليوم هو قطع العلاقات مع سورية، ورويترز كانت قد ذكرت نقلاً عن مصادر عسكرية أن موقف المؤسسة العسكرية بدأ يتغير بعد تصريحات مرسي أثناء اجتماعه الكبير مع المعارضة السورية.
** السيد الرئيس:
أنا لا أريد أن أتحدث نيابة عن المصريين لكن أقول لك عندما قطع محمد مرسي العلاقة مع سورية قبل أسابيع كان هناك اتصالات مع الجانب السوري للوصول إلى حل وسط وهذا ما كشف عنه وزير الخارجية السيد وليد المعلم في مؤتمره الصحفي الأخير، وذلك يعني أن في الدولة المصرية من هو ضد هذا القرار، لأنه قرار خاطئ وهذا ما قاله مثقفون وإعلاميون مصريون كبار هاجموا هذا القرار بشكل واضح لأن العلاقة الاستراتيجية بين البلدين قديمة جداً، فالفراعنة منذ آلاف السنين كان لديهم وعي للعلاقة الاستراتيجية بين سورية ومصر عسكرياً وسياسياً، ولذلك كانت حروب المصريين مع الحثيين في قادش في عام 1280 ق.م كانت في حمص عند القصير في حينها.. ذلك أن الحثيين كانوا يعرفون أهمية العلاقة مع سورية بالنسبة لهم وهم الذين كانوا يتوضعون بالأناضول.. وبنفس الوقت كان الفراعنة يعلمون ذلك أيضاً أي أهمية العلاقة الاستراتيجية مع سورية لأنها عمق مصر، وانتهت الحرب – دون منتصر – باتفاقية من أقدم الاتفاقيات في التاريخ بين الحثيين والفراعنة، هذا كان عام 1280 ق.م فكيف عرف الفراعنة هذا الموضوع ولم يفهمه شخص يعيش في القرن الحادي والعشرين؟! إنه جهل مخجل.
* السؤال الثامن عشر:
تحدثنا عن الحوار.. وهيّأنا الأرضية.. وأطلقنا البرنامج السياسي.. وبدأنا بخطوات فعلية.. حتى في جنيف تبنينا الموقف.. بالإطار العام الحوار يبقى شأناً سياسياً بنسب كبيرة، أريد أن أسأل عن الشأن الإنساني، وهو التسامح والمسامحة ويدخل معهما إطار المصالحة أيضاً.. هناك من يسأل سيادة الرئيس، كيف لنا أن نسامح بشقين داخلياً وخارجياً؟
** السيد الرئيس:
بالنسبة للشق الداخلي وهو الأهم بالنسبة لي بهذا الموضوع.. نحن أحياناً نضع الأمور في سلة واحدة.. فهناك من خرب ولم يقتل.. هناك من حمل السلاح ولم يقتل.. هناك من ساعد ولكن لم يمارس القتل.. أي إن هناك أنواعاً من الناس.. بالنسبة لنا كدولة نستطيع أن نتسامح مع كل الأجزاء الأولى، لأنها أضرت بالحق العام، والدولة مسؤولة عن الحق العام وتستطيع أن تسامح، شرط أن يكون التسامح هو عودة الشخص إلى الموقع الوطني الصحيح.. أما بالنسبة لما يتعلق بموضوع القتل المثبت فهذا حق شخصي، ولا يحق للدولة أن تتنازل عن حق شخصي يحمله أي مواطن سوري آخر، هو من يحمل هذا الحق، لكنني سمعت شخصياً من عدد من عائلات الشهداء الكلام التالي حرفياً: «إذا كان دم ابننا أو أخينا سيؤدي لحل المشكلة فنحن نسامح».. فعندما تسمع هذا الكلام من عائلات من فقدوا أبناءهم، فالأولى بنا جميعاً أن نتعلم منهم.
التسامح ضروري في حل الأزمات الوطنية شرط أن يكون شعبياً وليس رسمياً، والتسامح قوة، وهو علامة وطنية أي عندما أقدم أنا كمواطن الحق العام على الحق الشخصي.. يجب أن ننطلق جميعاً من هذا المفهوم.
نحن في عائلتنا أصبنا في الأحداث وخسرنا أشخاصاً ولكن في النهاية كأية عائلة أخرى، يجب أن نفكر أولاً بالوطن قبل أن نفكر بمشاعرنا الشخصية.. لابد أن نفكر بهذه الطريقة داخلياً .
الشق الآخر الخارجي، هو سياسي أكثر.. بالسياسة الخارجية أول شيء تفكر فيه ليس العواطف، بل تفكر بمصلحة بلدك.. هناك مبادئ وهناك مصالح، ويجب دائماً أن تبحث عن الربط بين المصالح والمبادئ.. الشيء السيئ هو أن تكون مبادئك متناقضة مع مصالحك، فإما المبادئ خاطئة أو المصالح خاطئة.. فلا بد أن يكون هناك دائماً ربط بينهما.. في هذه الحالة عندما نتحدث بمبدأ التسامح، وهو مبدأ ديني وإنساني بالوقت نفسه، فالتسامح هو شيء جيد.
عندما يكون هذا التسامح يخدم العلاقة مع هذا البلد وبالتالي يخدم المواطن السوري فلماذا لا نسير به؟.. لأن الهدف الأساسي لأي دولة هو أولاً مصلحة المواطن، هذا هو الهدف، فإذا كان يحقق هذا الهدف فهنا يتوافق المبدأ مع هذه المصلحة وعندها يجب أن نسير به، وهذا ما قمنا به.. نحن استقبلنا عدداً من السياسيين والتقينا مع عدد من الدول التي ناصبتنا العداء.. الهدف كان دائماً هو الوصول إلى مصلحة المواطن السوري.
* السؤال التاسع عشر:
سيادة الرئيس، المواطن السوري عامة يعيش اليوم همّين وربماً أكثر، همّ الإرهاب والدم في الشارع، في مؤسسات الدولة، في المصنع، في أي مكان، والهمّ الثاني همّ المعيشة الذي يتعالى، وتتزايد وطأته على كاهل المواطن، ماذا عن الاقتصاد؟ ماذا عمّا يشاع اليوم بأن الارتفاع الجنوني للدولار هو الذي يتسبب بما يؤول علينا بهذه المصائب؟
ماذا نقول للمواطن السوري اليوم اقتصادياً؟
** السيد الرئيس:
أولا لكي يكون التقييم موضوعياً لا بد أن نبدأ من البديهيات والأسس، من البديهيات، الوضع الجيد للمواطن بحاجة لاقتصاد جيد، والاقتصاد الجيد بحاجة لوضع أمني جيد، لا يمكن أن يكون هناك أمن مضطرب مع اقتصاد جيد، هذه بديهية، وبالتالي المشكلة الأمنية تؤثر علينا بشكل مباشر شئنا أم أبينا، بغض النظر عن أي أداء لأي حكومة، ولو أتينا بأفضل الناس، سيكون هناك تأثير، بنفس الوقت، البديهية الأخرى، أن الدول التي حاولت أن تضرب سورية أولاً من خلال فكرة الثورة التي فشلت لأنها لم تجد الحاضنة الشعبية، ولاحقاً من خلال فكرة الإرهاب الذي واجهه الجيش والشعب بنفس الوقت، وأيضاً فشلوا، فكان لابد من العمل على الموضوع الاقتصادي، لينتقموا من المواطن الذي وقف مع وطنه، وقف مع نفسه ومع الوطن أولاً، كان لابد أن يدفع الثمن، فكان الطريق الاقتصادي هو طريق آخر وموازٍ للأمني لكي يحاولوا ضرب سورية، فإذا أخذنا بالاعتبار هذين الجانبين يجب أن نعرف بأن هناك ثمناً لا بد من أن ندفعه.
الآن يجب أن نعرف بأننا نستطيع دائماً أن نخفف من الأضرار، لأنه في هذه الظروف ينشأ تجار الأزمات، الذين يزيدون من المعاناة، هناك الجانب الآخر غير الموضوعي، هو الأداء الخاطئ من أي مسؤول حتى لو كان مرتبطاً بمجال آخر، فأيضاً هذا يزيد من المعاناة، علينا إذاً أن نتعامل مع هذا الجانب ومع الجانب الآخر، وأيضاً علينا أن نبحث ما هي السياسات التي تناسب هذه المرحلة؟ البعض يقع في خطأ أحياناً، أن يقيّم السياسات أو الأداء بنفس الطريقة التي كان يقيّم فيها قبل الأزمة، هذا كلام غير موضوعي، نحن في ظرف مختلف الآن، هناك أيضاً طبيعة الحياة، أو الطبيعة الاستهلاكية التي نعيشها، من غير المعقول أن نعيش حياة استهلاكية بنفس الطريقة التي كانت قبل الأزمة، وهذا موضوع ضاغط أيضاً، ويشكل ضغطاً على الاقتصاد وعلى الليرة، لا بد أن نغير نمط حياتنا أحياناً لكي نخفف من الضغوطات ونتأقلم معها ريثما نذهب إلى الحل الأساسي وهو الوضع الأمني، فإذاً الحل قبل كل شيء، وما يجب أن نعرفه جميعاً، أن معاناتنا الاقتصادية لن تنتهي قبل أن ننهي الحالة الأمنية، لذلك بما أن هذا الموضوع أصاب الجميع، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية – حتى من كان يقف مع الثورة المزعومة أصابه الفقر الآن وبدأ يعي بأنه خسر، وهذا شيء مؤسف أن ينتظر حتى يصل إلى مرحلة الفقر كي يفكر، طبعاً هذا موجود في بؤر محدودة – ولكن الآن علينا أن نتكاتف جميعاً لضرب الإرهاب كي يعود الاقتصاد كما كان، يجب أن نبحث عن تجار الأزمة ونتعامل معهم، يجب أن يتعاون المجتمع والدولة الآن، يجب أن نبتعد عن فكرة الاتكالية، نحن لدينا مشكلة منتشرة، نحن اتكاليون، كل واحد يتكل على الآخر، هذه مشكلة، موجودة في مجتمعنا.
نفس الشيء بالنسبة للدولة والمجتمع، إذا لم يتكاتف المسؤول مع المسؤول، والمواطن مع المواطن والمسؤول مع المواطن، فستزداد المعاناة، فإذاً يجب أن نكافح تجار الأزمة، يجب أن نبتكر أفكاراً جديدة، كلنا نساهم بهذه الأفكار، كيف نتعامل مع هذه الظروف الصعبة التي فرضت نفسها؟ ما هي الحلول الأفضل من الناحية الاقتصادية؟ يجب أن نبادر كلنا لاستنباط الأفكار، وهنا يأتي دور الإبداع، عندما لا نكون مبدعين ستفرض الأزمة كل خياراتها علينا.
يجب أن نفرض نحن ما هي الحلول، فإذاً أمامنا خيار، ولكن أعود وأؤكد: إذا تعاونا وضربنا هذا الوضع الإرهابي بأقصر فترة، فأنا لا يوجد لدي أي قلق بأن الاقتصاد سيعود أقوى من السابق لأن لدينا شعباً حياً، نحن بلد حضارة، لم نستورد التطور من الخارج، نحن بنينا بلدنا بأموالنا وبخبراتنا، على الرغم من العثرات، لكن بنيناها، إذاً نحن قادرون بعد الأزمة أن نعود ونقوم بعملية إطلاق قوية للاقتصاد السوري، ما نحتاجه الآن هو الأمن أولاً.
* السؤال العشرون:
ما حقيقة الثروات النفطية والغازية التي تتحدث عنها مجموعة من مراكز الأبحاث، مجموعة من المتخصصين في سورية في المياه الإقليمية؟
** السيد الرئيس:
هذا صحيح إن كان في المياه الإقليمية أم في الداخل، الدراسات الأولية تقول إنه لدينا ثروات غازية كبيرة جداً وخاصة في البحر ونحن رأينا الآن من مصر مروراً بفلسطين، على الساحل هناك ثروات مستثمرة الآن وخاصة أنه يقال إن في القسم الشمالي توجد ثروات أكثر من باقي المناطق فهذا الكلام صحيح، وطُرح أن أحد أسباب الأزمة هو الثروة الغازية لأنه لا يجوز أن تكون هذه الثروة النفطية موجودة في يد دولة ممانعة، ولكن طبعاً لم يطرح معنا هذا الموضوع بشكل مباشر ولكن هذا تحليل منطقي لا نستطيع أن ننفيه ولا نستطيع أن نعتبره سبباً ثانوياً.. قد يكون سبباً رئيسياً ولكن يبقى في إطار التحليلات.
* السؤال الحادي والعشرون:
سأعود إلى الوضع المعيشي من زاوية أخرى، هي أن الحكومة قدمت فعلاً زيادة على الرواتب، مرتين خلال الأزمة.. الزيادة الأولى كانت متوقعة وربما البعض قال بأنها ضرورية، أما الثانية فهناك بعض الأوساط تفاجأت أن لدى الدولة القدرة على زيادة الرواتب في هذا الظرف، رغم كل المعاناة، هذا يولد الأمل أيضاً بخطط ما بعد الأزمة، هل بدأنا بخطواتنا في هذا الاتجاه؟ هل فكرنا فيه؟ هل وضعنا ما يمكن أن يعيننا بالمستقبل؟
** السيد الرئيس:
بما أن أكثر شيء عانينا منه هو التدمير، فإن الأساس الأكبر للاقتصاد السوري هو إعادة الإعمار، هذا من البديهيات، وبدأنا من الآن بوضع خطط، وبدأنا بتنفيذ البعض منها، ما عرقلها هو العامل الأمني، تم إقرار التشريعات ولكن التنفيذ بحاجة لوضع أمني أفضل لكي يبدأ الناس بالإعمار ولكي يتمكن العمال من الوصول إلى مناطق آمنة لكي يقوموا بعملهم، نقطة مهمة أخرى ذكرتها أنت وهي زيادة الرواتب، فبمجرد أن تكون الدولة قادرة على الاستمرار باعطاء الرواتب وتستمر بتقديم الخدمات ولو بنوعية أقل مما كانت في ظل حرب كالتي نخوضها وبهذا الزمن الذي كان كافياً لانهيار دول أقوى من سورية بكثير، هو إنجاز كبير، ولكن مع ذلك أنا دائماً أنطلق بالقول بأن الايجابيات موجودة ولكن طموحاتنا أكبر، وأنا دائماً أقول نستطيع أن نكون أفضل إذا تكاتفنا مع بعضنا بعضاً.
* السؤال الثاني والعشرون:
هناك سؤال مرتبط بالحالة المعيشية ولكن باتجاه آخر.. البعض يحمّل الدولة المسؤولية في بداية الأزمة عن الوضع الحدودي.. فلتان بعض الأسواق والأسعار.. أي بمعنى غياب الدولة.. هل لأننا تفاجأنا بالأزمة أم لأن المؤسسات المعنية بهذا الأمر كانت قاصرة؟
** السيد الرئيس:
طبعاً لا شك، قبل الأزمة كان لدينا الكثير من السلبيات والنواقص في عمل أجهزة الدولة المختلفة في ظروف طبيعية وكنت دائماً أتحدث عن هذا الخلل وعن الفساد والتقصير والإهمال والبحث عن الشخص المناسب وغيره.. فهذا الخلل أساساً موجود.. طبعاً الأزمة أظهرت هذا الخلل بشكل أكبر أو ضاعفته.. هذا شيء طبيعي.. ولكن الحديث عن فكرة أن الدولة موجودة أو غير موجودة، هنا البعض كان يُقيّم الوضع كما هو قبل الأزمة كشأن داخلي.. فساد داخلي وقضايا كلها داخلية.. يجب أن نفرق بين أن تكون المشكلة داخلية كأن يكون هناك دولة وبنفس الوقت هناك فوضى كلها من عوامل داخلية.. هناك عصابات كما في بعض الدول.. هناك قلة أمان، وبين أن تكون حرباً خارجية.. نحن الآن في حالة حرب، فهذه الدولة الآن تقوم بالدفاع عن الوطن.. صحيح بأدوات داخلية وصحيح من الداخل ولكن في النهاية الحرب هي حرب خارجية.. فهنا لا ينطبق هذا التقييم على هذه الحالة.. الوضع مختلف تماماً.. وجود الدولة، هيبة ووزن الدولة، ينطلق أولاً من فكرة أن تبقى الدولة ملتزمة بمبادئها.. هل غيّرت الدولة السورية مبادئها؟ لم تغيّر أي شيء لا بمبادئها الداخلية ولا بمبادئها الخارجية.. بقي موضوع المقاومة نفسه.. الموضوع الفلسطيني نفسه.. بقي الالتزام بالشرائح الواسعة، العمال، الفلاحين نفسه.. بقي قيامها بعمليات التوظيف ضمن إمكانياتها نفسه.. بقيت قدرتها على تأمين الخدمات حتى إننا افتتحنا مشاريع بنية تحتية بالرغم من التدمير.. فنحن بالإضافة إلى الإصلاح نقوم بافتتاح مشاريع وهناك دراسة لمشاريع أخرى الآن.. ولكن، أعود وأقول دائماً، ضمن إمكانيات الوضع الحالي، فإذاً لم تتغير الدولة، ولكننا في حالة حرب ومن الطبيعي أن يكون هناك الكثير من الخلل الذي نراه في مثل هذه الحالة.
* السؤال الثالث والعشرون:
المؤسسات تتعرض للتخريب والتدمير، وهذه المشاهد يفهم منها البعض بأنها طريق سورية إلى الدولة الفاشلة؟
** السيد الرئيس:
هذا هو هدف من أهداف ضرب البنية التحتية، ضرب الأمن، ضرب الاقتصاد، وبالتالي الفوضى الكاملة في المجتمع لنصل إلى الدولة الفاشلة، هذا هدف من أهدافهم، حتى الآن لم نصل إلى هذه المرحلة والدليل أن هناك جانباً ليس بالقليل من الحياة مازال يسير، جانباً من الاقتصاد مازال يسير على الرغم من الصعوبات التي لا يتوقع أحد أنه بالإمكان تجاوزها، هذه صعوبات حقيقية، بالإضافة إلى المخاطر على حياة أي عامل أو أي مستثمر أو أي موظف، ومع ذلك الناس تذهب إلى العمل.
الحقيقة أثبت الشعب السوري بالوقائع وبالتفاصيل أنه شعب حي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يحصل تفجير، وبعد دقائق من انتهاء عمليات الإخلاء تعود الحياة، لم نر هذا الشيء في سورية، ولم نكن نعرفه عن أنفسنا كسوريين، حقيقة، السوريون شعب حي، يذهبون إلى أشغالهم وهم يتوقعون أن تأتي قذيفة إرهابية أو يحصل تفجير إرهابي أو انتحاري تكفيري في أي لحظة، ولكن نحن شعب حي ومؤمن بالقضاء والقدر، كل هذه الأشياء تجعلنا لا نخشى من الوصول الى هذه الحالة، اعتقد انهم استخدموا كل ما لديهم من أدوات معنوية ومادية، نفسية وسيكولوجية وغيرها، لم يبق امامهم سوى التدخل المباشر وهذا الشيء اكبر بكثير من أن يصلوا اليه لاسباب مختلفة, كما قلت سابقا ان البدء بحرب ليس كإنهائها، لا احد يستطيع ان ينهي الحرب، ولا أحد يعرف أين تنتهي، فهذا الموضوع كبير جداً وخطير جداً، لذلك هناك تردد ورفض لدى معظم الدول، فإذا تجاوزنا كل هذه المراحل بصلابة وبوعي لا يوجد شيء آخر نخشاه، لذلك انا لست قلقا.
* مداخلة: إذاً، أنتم سيدي الرئيس متفائلون في هذا الطريق؟
** السيد الرئيس:
لو لم يكن لدي تفاؤل، لم أكن قادرا أن أصمد مع الشعب السوري ولو لم يكن الشعب السوري لديه تفاؤل لما صمد، لأن اليأس هو بداية الهزيمة وهو أساسها.
الهزيمة أولاً نفسية، لولا هذا التفاؤل الموجود لدى الناس، وأنا ألتقي بالناس الكل يقول إن شاء الله الأزمة في نهايتها يعودون لكلمة «سورية الله حاميها».. «لا نخاف» يعودون لما كان يقوله الشهيد البوطي في بعض الحالات عن الايمان بنهاية الأزمة، وكثير من المؤمنين الآخرين هناك ايمان حقيقي من الناحية الدينية ومن الناحية الوطنية بأن الأزمة ستنتهي، لولا التفاؤل لا يمكن ان يكون هناك ايمان، ولولا الايمان لا يمكن ان يكون هناك تفاؤل.
* السؤال الرابع والعشرون:
سيادة الرئيس، في الختام صحيفتنا تحتفل هذه الايام بمرور خمسين عاماً على صدور أول عدد لصحيفة الثورة.. قبل أن أطلب من سيادتكم، وهذا رجاء كل الزملاء أن نسمع كلمة بهذه المناسبة لهؤلاء الزملاء والعاملين في الصحيفة.. أريد ان اقول في دقيقة واحدة إن هناك زملاء في هذه الصحيفة وهذه المؤسسة كانوا مثالاً في التفاني والخدمة والعمل.. هناك عامل مطبعة ليس لديه بالطبع طموح سياسي.. فقط حسّه الوطني وإحساسه بأن هذه المؤسسة التي يعمل بها والمكان الذي ينتمي اليه هو دافعه الحقيقي ليأتي بعد منتصف الليل ويقف على الحواجز طويلاً وأن يتعرض لمخاطر أمنية.. وهذا ينسحب على جميع العاملين الذين ينطلقون من مبدأ الاخلاص لوطنهم؟
** السيد الرئيس:
ما ذكرته عن العاملين في صحيفتكم والذي ينطبق على كل العاملين في الاعلام الوطني يؤكد ان الشعب السوري شعب حي وصامد.. أتمنى أن تنقلا تحياتي الحارة للعاملين جميعاً خاصة أن صحيفتكم التي تعتبر من أقدم الصحف الوطنية السورية تحتفل في الذكرى الخمسين لصدورها والتي تتزامن مع ثورة الثامن من آذار التي تحدثنا عنها وعمّا قدمته إلى سورية على مدى عقود، ولأن هذه الذكرى الآن تمر في ظل ثورة حقيقية، ولكن ليست الثورة التي تحدثوا عنها وانما هي ثورة الشعب والجيش ضد الإرهابيين.. هذه هي الثورة الحقيقة، أتمنى أن تكون هذه الذكرى هي المناسبة الحقيقية لانطلاقة جديدة للصحيفة لكي يكون اسم جريدة الثورة في المستقبل لا يعبر عن ثورة واحدة وإنما عن ثورتين .. ثورة 1963 وثورة 2013.