سوريا اليوم
مراسل صقور الأبداع من سوريا
د. ليلى نقولا الرحباني
قد يكون المشهد المتفائل المعلَن من روسيا، بين وزيري الخارجية كيري ولافروف، هو أحد نتائج الغارة “الإسرائيلية” على مواقع قرب دمشق نهاية الأسبوع الفائت. هكذا، وفي لحظة حساسة جداً في تاريخ المنطقة، يقوم الأميركيون بتبريد الأجواء الإقليمية، بعدما دفعوا حليفهم “الإسرائيلي” إلى القيام بمغامرة اللحظة الأخيرة، والتي بدت وكأنها بطلب أميركي وليست مجرد ضوء أخضر كما قيل في وسائل الإعلام.
وبناءً على التطورات التي أعقبت المغامرة “الإسرائيلية”، يمكن القول إن أهدافها قد تبدو على الشكل الآتي:
أولاً: محاولة الربع الساعة الأخيرة لفرض واقع مغاير لصالح الأميركيين قبل ذهاب كيري إلى موسكو، فقد ظهر جلياً في الأشهر الأخيرة، ومن خلال تصريحات كيري المختلفة، أن الأميركيين كانوا قد اقتنعوا بضرورة التسليم بحل سلمي في سورية، يشرك الجميع – بمن فيهم النظام السوري – بعملية تقاسم السلطة، والخروج بحكومة يتمثل فيها الجميع، لكن الأتراك والقطريين والسعوديين كانوا قد طلبوا مهلة للإطاحة بالأسد عسكرياً، وتبديل موازين القوى قالوا إنهم قادرون عليها قبل حزيران، لكن يبدو أنهم فشلوا في تحقيقها.
ثانياً: محاولة يائسة لتغيير موازين القوى الميدانية الداخلية التي يمكن أن يستند إليها الأميركيون في مفاوضاتهم مع الروس، فبالرغم من التطمينات اللفظية التي أطلقها “الإسرائيليون” بأن قصفهم لا يهدف إلى تغيير موازين القوى الداخلية العسكرية، ولا إلى إسقاط نظام بشار الأسد، لكن الوقائع الميدانية تثبت أن “إسرائيل” تدخّلت وبقوة لمحاولة وقف التقدم الميداني الذي حققه الجيش السوري، وقد يكون – بشكل كبير – وبحسب ما نقلته وسائل إعلام اسرائيلية “تنسيقاً بين الإسرائيليين والتكفيريين في سورية”، لكن تبيّن أن الجيش السوري ما زال متماسكاً إلى حد بعيد، واستطاع أن يصدّ الهجمات المعارضة ويستوعب الضربة “الإسرائيلية” المباغتة.
ثالثاً: إرسال رسالة “ردعية” مقابلة للرسائل التي أعلنها السيد حسن نصر الله في إطلالته الأخيرة، والتي حدد فيها خطوطاً حمراء في الصراع الدائر في سورية، ومنها عدم قبول محور المقاومة بسقوط النظام السوري وإسقاط دمشق، مهما كان الثمن.. وهكذا اختار المحور الغربي إرسال رسائل مقابلة بواسطة الذراع “الإسرائيلية”، للإشارة إلى أن الحلف الغربي لن يسمح للنظام السوري وحلفائه بإسقاط المعارضة ميدانياً في سورية، خصوصاً بعدما تبيّن أنه مع كل التمويل والدعم السياسي واللوجستي والتدريبي، لم تستطع المعارضة المسلحة كسر شوكة النظام، أو التغلب على الجيش السوري كما كان يأمل هؤلاء ويعلنون ويعطون مواعيد محددة لسقوط النظام.
رابعاً: إدراك العقل الغربي أن الردّ على الغارة “الإسرائيلية” من قبَل السوريين قد يُدخل المنطقة في حرب إقليمية لا يُعرف كيف يمكن أن تنتهي، وقد تمتدّ لتشعل الإقليم، ثم قد يجد العالم نفسه أمام حرب عالمية قد لا يستطيع أحد تحمّل تكلفتها، لذا سيعمد حلفاء الأسد إلى مطالبته بضبط النفس، وهنا يكون المحور الغربي قد حقق أهدافه العسكرية بدعم المقاتلين، بالإضافة إلى أهداف أخرى، منها إضعاف معنويات الجيش والشعب السوريين، مقابل رفع معنويات المقاتلين بأن الدعم الغربي قادم لا محالة، وممارسة حرب نفسية على النظام السوري بأنه ساقط لا محالة، ولو اقتضى الأمر تدخّل “إسرائيل” بالنيابة عن المحور الغربي لهذه الغاية.
ولعل الضربة “الإسرائيلية”، مع كل مخاطرها، هي الأكثر قدرة على تسويقها في المجتمعات الغربية التي تعاني من رهابيْن أساسييْن اليوم: رهاب التدخل العسكري المُكلف مادياً وبشرياً، ورهاب التطرف الأصولي “الإسلامي” الذي بات يهددها في عقر دارها، لذا تمّ اختيار اليد “الإسرائيلية” لضرب سورية بدل اليد التركية، وذلك خشية تركيا من انتقام إيراني مكلف جداً، بالإضافة إلى وجود قواعد لـ”الناتو” على الأراضي التركية يمكن استهدافها، عدا عن استسهال النظام السوري الرد بالمثل على الأتراك، وهو ما حصل مراراً خلال الأزمة في سورية، ما قد يحرج الناتو ويستوجب منه التدخل بموجب اتفاقية الدفاع المشترك المعقودة بين تركيا والحلف.
هكذا إذاً يبدو أن فشل المعارضة المسلحة في تبديل الواقع الميداني على الأرض، بالرغم من الدعم “الإسرائيلي” بالقصف الجوي، بالإضافة إلى الردود المعلَنة وغير المعلَنة لحلفاء دمشق، والتي أشّرت إلى استعداد تامّ لحرب إقليمية شاملة، بالإضافة إلى الرسائل الإيرانية الواضحة والمباشرة عبر الأردن وتركيا، والتي كان لها الوقع المناسب لدفع الأمور نحو القبول بمسيرة الحل السلمي التي تجلّت في خطاب كيري في موسكو، فإما الحل في سورية وإما يغرق العالم في حرب قد يعرف كيف تبدأ، لكن لا يُعلم كيف تنتهي.
�
قد يكون المشهد المتفائل المعلَن من روسيا، بين وزيري الخارجية كيري ولافروف، هو أحد نتائج الغارة “الإسرائيلية” على مواقع قرب دمشق نهاية الأسبوع الفائت. هكذا، وفي لحظة حساسة جداً في تاريخ المنطقة، يقوم الأميركيون بتبريد الأجواء الإقليمية، بعدما دفعوا حليفهم “الإسرائيلي” إلى القيام بمغامرة اللحظة الأخيرة، والتي بدت وكأنها بطلب أميركي وليست مجرد ضوء أخضر كما قيل في وسائل الإعلام.
وبناءً على التطورات التي أعقبت المغامرة “الإسرائيلية”، يمكن القول إن أهدافها قد تبدو على الشكل الآتي:
أولاً: محاولة الربع الساعة الأخيرة لفرض واقع مغاير لصالح الأميركيين قبل ذهاب كيري إلى موسكو، فقد ظهر جلياً في الأشهر الأخيرة، ومن خلال تصريحات كيري المختلفة، أن الأميركيين كانوا قد اقتنعوا بضرورة التسليم بحل سلمي في سورية، يشرك الجميع – بمن فيهم النظام السوري – بعملية تقاسم السلطة، والخروج بحكومة يتمثل فيها الجميع، لكن الأتراك والقطريين والسعوديين كانوا قد طلبوا مهلة للإطاحة بالأسد عسكرياً، وتبديل موازين القوى قالوا إنهم قادرون عليها قبل حزيران، لكن يبدو أنهم فشلوا في تحقيقها.
ثانياً: محاولة يائسة لتغيير موازين القوى الميدانية الداخلية التي يمكن أن يستند إليها الأميركيون في مفاوضاتهم مع الروس، فبالرغم من التطمينات اللفظية التي أطلقها “الإسرائيليون” بأن قصفهم لا يهدف إلى تغيير موازين القوى الداخلية العسكرية، ولا إلى إسقاط نظام بشار الأسد، لكن الوقائع الميدانية تثبت أن “إسرائيل” تدخّلت وبقوة لمحاولة وقف التقدم الميداني الذي حققه الجيش السوري، وقد يكون – بشكل كبير – وبحسب ما نقلته وسائل إعلام اسرائيلية “تنسيقاً بين الإسرائيليين والتكفيريين في سورية”، لكن تبيّن أن الجيش السوري ما زال متماسكاً إلى حد بعيد، واستطاع أن يصدّ الهجمات المعارضة ويستوعب الضربة “الإسرائيلية” المباغتة.
ثالثاً: إرسال رسالة “ردعية” مقابلة للرسائل التي أعلنها السيد حسن نصر الله في إطلالته الأخيرة، والتي حدد فيها خطوطاً حمراء في الصراع الدائر في سورية، ومنها عدم قبول محور المقاومة بسقوط النظام السوري وإسقاط دمشق، مهما كان الثمن.. وهكذا اختار المحور الغربي إرسال رسائل مقابلة بواسطة الذراع “الإسرائيلية”، للإشارة إلى أن الحلف الغربي لن يسمح للنظام السوري وحلفائه بإسقاط المعارضة ميدانياً في سورية، خصوصاً بعدما تبيّن أنه مع كل التمويل والدعم السياسي واللوجستي والتدريبي، لم تستطع المعارضة المسلحة كسر شوكة النظام، أو التغلب على الجيش السوري كما كان يأمل هؤلاء ويعلنون ويعطون مواعيد محددة لسقوط النظام.
رابعاً: إدراك العقل الغربي أن الردّ على الغارة “الإسرائيلية” من قبَل السوريين قد يُدخل المنطقة في حرب إقليمية لا يُعرف كيف يمكن أن تنتهي، وقد تمتدّ لتشعل الإقليم، ثم قد يجد العالم نفسه أمام حرب عالمية قد لا يستطيع أحد تحمّل تكلفتها، لذا سيعمد حلفاء الأسد إلى مطالبته بضبط النفس، وهنا يكون المحور الغربي قد حقق أهدافه العسكرية بدعم المقاتلين، بالإضافة إلى أهداف أخرى، منها إضعاف معنويات الجيش والشعب السوريين، مقابل رفع معنويات المقاتلين بأن الدعم الغربي قادم لا محالة، وممارسة حرب نفسية على النظام السوري بأنه ساقط لا محالة، ولو اقتضى الأمر تدخّل “إسرائيل” بالنيابة عن المحور الغربي لهذه الغاية.
ولعل الضربة “الإسرائيلية”، مع كل مخاطرها، هي الأكثر قدرة على تسويقها في المجتمعات الغربية التي تعاني من رهابيْن أساسييْن اليوم: رهاب التدخل العسكري المُكلف مادياً وبشرياً، ورهاب التطرف الأصولي “الإسلامي” الذي بات يهددها في عقر دارها، لذا تمّ اختيار اليد “الإسرائيلية” لضرب سورية بدل اليد التركية، وذلك خشية تركيا من انتقام إيراني مكلف جداً، بالإضافة إلى وجود قواعد لـ”الناتو” على الأراضي التركية يمكن استهدافها، عدا عن استسهال النظام السوري الرد بالمثل على الأتراك، وهو ما حصل مراراً خلال الأزمة في سورية، ما قد يحرج الناتو ويستوجب منه التدخل بموجب اتفاقية الدفاع المشترك المعقودة بين تركيا والحلف.
هكذا إذاً يبدو أن فشل المعارضة المسلحة في تبديل الواقع الميداني على الأرض، بالرغم من الدعم “الإسرائيلي” بالقصف الجوي، بالإضافة إلى الردود المعلَنة وغير المعلَنة لحلفاء دمشق، والتي أشّرت إلى استعداد تامّ لحرب إقليمية شاملة، بالإضافة إلى الرسائل الإيرانية الواضحة والمباشرة عبر الأردن وتركيا، والتي كان لها الوقع المناسب لدفع الأمور نحو القبول بمسيرة الحل السلمي التي تجلّت في خطاب كيري في موسكو، فإما الحل في سورية وإما يغرق العالم في حرب قد يعرف كيف تبدأ، لكن لا يُعلم كيف تنتهي.
�